أفغانستان الجريحة

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

منذ نحو 40 عاماً تعيش أفغانستان حالة من عدم الاستقرار. دخلتها الجيوش السوفييتية في العام 1979 لأسباب استراتيجية تتعلق بالجيوبوليتيك المهم، إضافة إلى دوافع عقائدية شيوعية. لم توفر القوات السوفييتية الاستقرار، بل على العكس، ازدادت الاضطرابات، وتطورت مقاومة الوجود السوفييتي، وأُجبرت موسكو على سحب قواتها في العام 1989. وتحولت البلاد بعد ذلك إلى نموذج خاص غَلَبَ عليه التطرُّف والانغلاق والصراعات المحلية، كما شكلت بعض المناطق ملاذات آمنة للمجموعات الإرهابية ل«القاعدة» وغيرها.
تفاقمت الأوضاع في أفغانستان إلى الحدود التي أصبحت تُشكّلُ خطراً على البيئة العالمية برمتها، فحصلت هجمات 11 سبتمبر/أيلول2001 في الولايات المتحدة التي اكتشفت أن الإرهابيين تدربوا وانطلقوا من أفغانستان. أدى ذلك إلى دخول القوات الأمريكية وحلفائها في أكتوبر/تشرين الأول2001 إلى أفغانستان، وتمَّ القضاء على النظام الذي كان قائماً، لكن الأوضاع لم تستقر، والاضطرابات ما زالت قائمة، رغم كل المجهودات التي وضعت لفرض الاستقرار وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان.
حكومة الرئيس أشرف غني تحاول الخروج من مستنقع الفوضى، وتبذل الجهود الكبيرة لإطلاق التنمية الاقتصادية والإدارية في أرجاء الدولة، وتحاول بكل الإمكانيات المُتاحة تدعيم ثقافة الديمقراطية التي وصل بموجبها غني إلى سدَّة الرئاسة. لكن محاولاته تواجه صعوبات واسعة، فنظامه مُهدَّد أكثر من أي وقتٍ مضى، بسبب اشتداد الهجمات الإرهابية التي تستهدف مؤسسات الدولة، والبعثات الدبلوماسية في كابول.

في الفترة القريبة الماضية، حصد الإرهاب ضحايا أبرياء من الأفغان والأجانب، لا سيما في البعثات الدبلوماسية. فبعد مقتل جنديين أمريكيين يساعدان قوات الحكومة في 7 / 4 /2017، غرِقَ الحي الدبلوماسي في كابول بالدماء والدمار من جراء تفجير إرهابي استهدف الحي في 30 مايو/أيار2017، وبعده تم استهداف السفارة العراقية في 30 يوليو/تموز 2017، إضافة إلى عدد من الهجمات الأخرى في عدد من المناطق الأفغانية، استهدفت مساجد – كما في ولاية هرات – أو استهدفت مستشفيات أو مدارس أو قوات حكومية أو منشآت عامة. تبنَّت المسؤولية عن بعضها حركة طالبان، وبعضها الآخر قام به تنظيم «داعش» الإرهابي.
يترافق هذا التصعيد مع حركة مصالحة واسعة يقوم بها الرئيس أشرف غني مع قوى سياسية معارضة، وكان مقرراً لهذه الحركة أن تشمل اتصالات مع بعض المُعتدلين في حركة طالبان. وقد شكلت عودة زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار في مطلع شهر مايو/أيار 2017 ؛ خطوة مُتقدّمة في مسيرة المصالحة. وحكمتيار كان مطلوباً للعدالة وأصدرت الحكومة عفواً عنه، ووقعت معه اتفاق مصالحة نهاية العام الماضي، كما رُفع اسم حكمتيار من القائمة السوداء، بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي في شهر فبراير/ شباط 2017، في خطوة أرادتها واشنطن للمساعدة في مساعي المصالحة وتعزيز الحوار.
إجراءات المصالحة تواجه صعوبات، في ظل أوضاع اقتصادية قاسية تعيشها البلاد. والخروج من نفق الاضطرابات المُظلمة، يحتاج إلى جهود جبارة، كما يحتاج إلى عوامل قوة يجب أن تتوافر عند المؤسسات الشرعية للدولة، ذلك لأن قوى التطرُّف والإرهاب تحاول الاستفادة من أي خلل لتوسيع مروحة اعتداءاتها، أو للانقضاض على المُنجزات التي تحققت حتى الآن. وهذه القوى تملك عوامل قوة أو نفوذاً في أكثر من ولاية أفغانية، والجغرافيا الأفغانية القاسية تُساعدها على التخفي من أمام أنظار القوات الشرعية، والذين يساندونها من القوات الأطلسية المُتبقية على الأراضي الأفغانية بموجب اتفاق العام 2014.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد قال: إن حدسه يدفعه إلى اتخاذ قرار بالانسحاب الكامل من أفغانستان، ولكن الواقع يؤكد أن أي انسحاب اليوم سيترك فراغاً قد تستغله المجموعات المعارضة، وقوى الإرهاب للانقضاض على الحكومة الشرعية، وهذا ما لا يمكن التسليم به، حفاظاً على الاستقرار في البلاد، وتدعيماً لحملة محاربة الإرهاب في العالم. وقد أعلن ترامب عن إرسال حوالي 4000 ضابط وجندي أمريكي جديد إلى أفغانستان، يساعدون 8400 موجودين حالياً من ضمن 12500 جندي أطلسي، نصت اتفاقية الانسحاب في العام 2014 على إبقائهم في أفغانستان لمساعدة الحكومة.
من الصعوبة بمكان على الولايات المتحدة تحمُّل خسائر أكثر في أفغانستان، فقد خسرت أكثر من 2500 جندي و20000 جريح منذ العام 2001 حتى اليوم، إضافة إلى مئات البلايين من الدولارات، ولكن خيار التخلي أو الانسحاب أغلى ثمناً، لأنه قد يُعيد تجربة الفوضى والإرهاب إلى المربعات الأولى.
الناطق باسم حركة طالبان ذبيح الله مُجاهد رد على قرار الرئيس الأمريكي الأخير بالقول: «إن أفغانستان ستكون مقبرة للأمريكيين».
الخيارات المُتاحة أمام صعوبة الأوضاع في أفغانستان، غالبيتها مُعقَّدة، لكن خيار الحوار قد يكون الأفضل والأنجع لمعالجة المُعضلة التي تعاني منها البلاد الجريحة.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية

إعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية