الشلل والسهرات الشعرية إلى أين؟

محمود الاحمدية

تعالَت ملـوكٌ بالعُـروشِ وإنّما

رأيْتُ ملوك الشعر أَرْفَعْهم قَدْرا (قيصر الخوري)

 

في هذه الأيام التي غزت فيها الفوضى كل شرائح مجتمعنا ومنهم جزء من الذين يطلقون على أنفسهم اسم شعراء… وكثرت السهرات الشعرية لدرجة خمسة ليالي أسبوعياً في مختلف الأراضي اللبنانية…. والقاسم المشترك الضّحْل والممجوج من الشعر إلقاءً ومضموناً وحشرة (شعراء) لأن هذه الكلمة لها وزنها وثقلها وشروط إبداعاتها… بكل أسف على قدر ما تكاثر عدد المؤديين عفواً المغنين تكاثر عدد الشعراء حتى أصبح من الصعب أن تتلمس للوهلة الأولى مَن هو صاحب الاسم سواء كان (شاعراً) أم (مغنياً)!!

ومهمة الشعر أن يرفع النقاب عن الجمال المخبوء ويعيد صياغة رؤيتنا للجماليات، والشاعر العادي لا يضع سوى الأبيات الشعرية، القلب وحده هو الشاعر، وكما يحتاج الليل إلى نجوم، كذلك يحتاج المجتمع إلى شعراء، والشاعر يولد من رحم أمه شاعراً…

فأين نحن من سمو الشعر ورُقيّه وإبداعه؟؟

منذ يومين التقيت بأحد الأصدقاء الذين يشهد لهم الجميع بعلو كعبهم في عالم الشعر واسمهم يلمع بمجرد ذكره… كان في غاية الانفعال… قال لي: إنّني لا أُصدّق، لقد فقدت إيماني بكل القيم، بكل المبادئ، تصوّر يا أخي الشاعر الكبير (…) هذا الذي بنى شهرته على هجاء فلان، تصوّر إنه يتعشّى كل ليلة مع هذا الفلان!!

لم أعرف بهذا الأمر إلا مؤخراً وصُعقت… ماذا تقول يا أخي؟؟ قلت: لقد حدث شيء مماثل مع شعراء أعظم… قال: ماذا تعني؟؟ قلت: أعني أن الشعراء لم يكونوا دائماً مثلاً يُحتذى في اتباع القيم واعتناق المبادئ.

قلت له: ولكن؟؟871

قال: ولكننا نخلع على الشعراء هالة من صنع أوهامنا ونغضب عندما يرفضون ارتداءها.

قلت: والقرّاء؟؟ القرّاء المساكين؟؟

قال: كثيراً ما يكونون كالزوج المخدوع… آخر من يعلم.

قلت: لكن كيف؟؟ كيف تهجو شخصاً وتتعشّى عنده؟؟

قال: تهجوه لأن هجاءه مطلوب جماهيرياً وتتعشّى عنده لأن عشاءه مرغوب معدياً!

قلت: هل تحاول تبرير هذا المسلك؟؟

قال: كلا… ولا مسلك أي شاعر آخر.

أحاول أن أخفف عليك هول الصدمة.

قلت: وأنت… ألم تُصدم؟؟

قال: مرّت عليّ تجارب عديدة كهذه… فقدت القدرة على خيبة الأمل.

قلت: وأنا ماذا أصنع الآن؟!

قال: لا شيء اسْتَمْتِعْ بشِعر أخينا…

قلت: ولكن؟!

قال: وتَرَدَّدْ قبل أن تَلْعَنَ القائل: “أعذب الشعر أكْذبُهُ”.

تركت صديقي ومئة سؤال وسؤال يضجّون في رأسي… كنّا نتكلم عن شعراء كبار… فكيف بشعراء الأمسيات وبالمجموعات المتنافسة والأساسات رمال لا علاقات لها بالإسمنت المسلح باللغة الهندسية…

كلمة أخيرة للمعنيين وأنا لا أُعَمِّمُ… رحمة بالشعر والشعراء، فاليصعد إلى المنبر أربابه وابتعدوا عن الأنانية القاتلة حتى ولو كانت على حساب الإبداع ولصالح الضحالة!!.

(*) رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

(الأنباء)

 

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة