حارقو السحرة
د. قصي الحسين
26 أغسطس 2017
لعل اطلاق اسم “أساطير” أو “خرافات”، على الظواهر الاجتماعية اللامعقولة، إنما تعكس ما في وجدان بعض الشعوب عادة، من التمسك بموروثات، ترى أنها جزء من ثقافتها أو هويتها التاريخية. ولذلك ربما، كان من الصعب محوها تحت وطأة التقدم العلمي أو العقلي، الذي يتسيد على العالم اليوم. ومن ذلك ما ابتلي به العرب والمسلمون منذ إطلاق مشروع الربيع العربيّ بينهم، وفي أقطار دون أقطار، بما عرف بمظاهرات “جمع أبواب الجوامع” وبمظاهرات التشييع في المقابر ورفع المصاحف، من أجل استنهاض المهمشين والغوغائيين وعموم الدهماء، للمطالبة بالولاية على الدماء. مما يستدعي دورة مظاهرات أخرى من أبواب الجوامع نفسها والسير بصفوف المشيعين إلى المقابر نفسها، والاستمرار برفع المصاحف دائماً، لتوفر للحشد، قضية وديناً وقداسة، سرعان ما تلد نفسها بنفسها فيما بعد، أو تعظم وتعظم حتى تصبح ككرة الثلج والتي يصعب الوقوف في وجهها وتوقيف اندفاعها.
مارفن هاريس، في كتابه: “مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية”، والذي صدر بترجمة أحمد أحمد عن “المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، إنما يحدب على دراسة أنماط من العادات والتقاليد، والتي طغى ظهورها في بعض المجتمعات البشرية، فيكشف عن الأقنعة التي تغطيها، والأغلفة التي غلفت بها، ويقدم الحقيقة عارية ويضع بإزائها، صانعي موديلاتها ومراكز صناعتها، وأسواقها والمسوقين لها، وكل من يمكن أن يكون له يد كبرى أو صغرى في إنتاجها وتزيينها للجماهير، حتى تندرج فيها، وتكون في مكان ما وتاريخ ما، غمراً من أغمارها.
ويقول الباحث مارفن هاريس تحت عنوان: “عصي المكانس ومجمع السحرة”، أن حوالي أكثر من خمسماية ألف شخص، كانوا قد دينوا بالسحر. واحرقوا حتى الموت في أوروبا بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر. وكانت جرائمهم: 1- الاتفاق مع الشيطان 2- الرحلات عبر الهواء إلى مسافات شاسعة (الطيران)، راكبين على عصي المكانس. 3- اللقاء مع الشياطين في الاجتماعات. 4- عبادة الشيطان نفسه وتقبيله والوقوف على خاطره.
ويتساءل “مارفن هاريس” كيفما يمكن أن يعتقد أي شخص أن السحرة يطيرون في الهواء، على عصي المكانس. ولماذا أمكن لهذه الفكرة أن تحظى بشعبية واسعة في القرنين السادس عشر والسابع عشر؟
وبرأي الباحث، أن هذا الخليط الشاذ والمعقد، مثل: الاتفاق مع الشيطان والطيران على عصا المكنسة الطائرة، والاجتماع بالشياطين، لم يكن أبداً حصيلة اعترافات من السحرة. بل كان اختراعاً مدسوساً عليهم من قبل “حارقي السحرة”. إذ كان التعذيب بكل فنونه المروعة المعهودة، والتي تمارس على السحرة أنفسهم من قبل السلطات المختصة، هو الوسيلة الناجعة التي تجعل السحرة يعترفون بمثل هذه المسائل. فقد كان التعذيب الشديد، يطبق بكل قوة عليهم، حتى ينـتزع منهم الاعتراف، فيعترف الساحر أمام الملأ بأمر لم يقدم عليه، وأنه عقد اتفاقاً من الشيطان وطار إلى الاجتماع به. وإذا ما حاول الساحر التراجع عن اعترافاته، كان التعذيب من جديد له بالمرصاد، بحيث يطبق عليه بشكل مكثف، حتى يؤكد من جديد اعترافاته الأصلية.
ويترك ذلك الشخص المتهم بالسحر في نهاية الأمر، بين خيار الموت حالاً والسوق مباشرة إلى وتد الحرق، أو العودة بصورة متكررة إلى غرف الانتظار والتعذيب والاندماج في لعبة السحر والشعوذة والإخبار عنها. ويؤكد الباحث أن معظم الأشخاص كانوا يختارون وتد الحرق. غير أن السلطات تقرر، أنه مكافأة لمواقفهم المتعاونة معها، كان بإمكان السحرة التائبين، أن يأملوا بانتظار الشنق قبل أن تشتعل النار في أثوابهم.
أزعم أنه بعد سبع سنوات على بدء ما يسمى بالربيع العربيّ في سورية وغيرها زوراً وبهتاناً، والمآلات الكارثية التي آل إليها في جميع الأوطان والأقطار والنواحي العربيّة بجميع وشعوبها: سنة وشيعة وإيزيديين ودروز وعلويين ومسيحيين وأكراد وبربر، لم يكن إلاّ من صنع حارقي هذه الشعوب بنيران الحروب التي ابتعثوها في أذيال أثوابهم، تماماً كما كان يحرق البقر لصناعة المطر.
وأزعم أن حارقي السحرة البائسين من النصرة والدواعش اليوم، في مكان ما وزمان ما، ليسوا إلاّ من صنع هؤلاء لإرساء الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط كما يزعمون!!
(الأنباء)