على من إنتصر نظام الاسد؟/ بقلم فؤاد طربيه

مع إيحاء بعض عواصم القرار العربية والدولية بأن بشار الأسد باقٍ في السلطة بالمرحلة المقبلة، من دون الإيضاح عن ما اذا كان بقاؤه يقتصر على فترة إنتقالية محددة المدة، أم أنه بات في نظر تلك الدول العامود الفقري لمحاربة الإرهاب والتكفيريين الذين بغالبية قادتهم نبتوا من سجونه، وخير دليل على ذلك هو أبو مالك التلة الذي خرج بعفو من الاسد سنة 2011 وقبله خرج شاكر العبسي بعفو سنة 2005. (ويدي كلاهما ملطختان بدماء شهداء من الجيش اللبناني)..

وحيث أنه كثُر تصفيق محور الممانعة لإنتصار النظام في الحرب الكونية التي شُنت ضده، الامر الذي إستوجب البحث عن بعض تفاصيل ونتائج هذا الإنتصار الإلهي.

على صعيد ”الحفاظ على سيادة” الجمهورية العربية السورية وصٓون كل شبر من أرضها من أطماع الدول التي ساهمت، شاركت أو إنغمست في الصراع السوري، فيُسجل للنظام إنتصاره الأكبر على اميركا، الذي أتاح لها بناء عشرة قواعد عسكرية، ممتدة على مساحات شاسعة في عدة مناطق، عُززت أحداها مؤخراً بنظام راجمات صواريخ “هيمارس” الأكثر تطوراً، كما أشارت وكالة الأناضول التركية الشهر الماضي وبالتفاصيل..

في المقلب الآخر، ومن أجل الإضاءة على مزيد من حفاظ النظام على سيادة بلاده وإنتصاراته، نُذكّر بأن في فبراير من العام ٢٠١٥ دخلت قوات تركية محدودة العتاد والعديد لأول مرة الى الاراضي السورية لنقل رفات سليمان شاه، تبعتها بإجتياح شامل في أغسطس من العام الماضي، ضمن عملية درع الفرات، أما اليوم فتسعى تركيا لإقامة منطقة آمنة بعمق عشرة كيلومترات داخل الأراضي السورية على إمتداد الحدود معها..

أما ما بنته روسيا وإيران من قواعد عسكرية ومعسكرات تدريب لميليشياتهما المتعددة الجنسيات، وما إستحوذتا عليه من عقود طويلة الآمد من الحكومة السورية لإستثمارات آبار نفط وغاز وفي مجال الاتصالات والخليوي، فلا يمكن إدراجه ضمن إنتصارات النظام المجازية كونه لا يتعدى رد جميل أو دفعة على حساب الغارات الجوية الروسية وعلى قتال الحرس الثوري وميليشياته من أجل حماية النظام وبقائه على كرسيه في قصر المهاجرين…

وفي الإطار ذاته، يأتي أهم إنجازات النظام السيادية، ألا وهو إنتصاره على إسرائيل التي أغار طيرانها عشرات المرات على الداخل السوري، فيما حافظ النظام “البطل” على رابطة جأشه ولم يطلق على الطيران الإسرائيلي اية صاروخ مضاد للطائرات رغم تكٓدُسها في مرابض قواته ومخازنها، لكنه بالطبع وبكل فخر وإعتزاز وصلابة إحتفظ بحق الرد المألوف والمتوقع! وبالتالي أجّلٓ النظام تنفيذ تهديدات جوقة الممانعين بإطلاق 100 ألف صاروخ على كل من تركيا وإسرائيل في حال أقدم أي منهما على المسّ بسيادة الجمهورية!

سوريا

على الصعيد الإنساني، التربوي، الطبابي والتراثي وبناءً على تقارير المركز السوري لبحوث السياسات SCPR وهيومن رايتس ووتش HRW؛ فقد إنتصر النظام على 470 ألف شهيد سوري وعلى ما يفوق عن 2 مليون جريح، الكثير منهم سقط بالبراميل المتفجرة وبعضهم نتيجة استخدامه لغاز “الكلور” و”السارين” و”النابالم”، حيث تمّ توثيق 140 هجوم بأسلحة كيميائية، وتبقى الغوطة الشرقية وخان شيخون خير شاهد…

كما إنتصر النظام على 6،1 مليون نازح ومهجر وعلى 4،8 مليون طالب لجوء وعلى أكثر من 117 ألف معتقل ومفقود، وعلى 1 مليون مواطن يعيشون في مناطق محاصرة ومحرومون من المساعدات الإنسانية والحياتية الضرورية.

ناهيك عن إنتصاراته على المستشفيات والمدارس والجامعات والمواقع الأثرية والتراثية وعلى دور العبادة من مساجد وكنائس وعلى الأطباء والأستاذة والصحفيين الخ…

بعد سرد ما تيّسر من انتصارات النظام المجازية، لا بد من العودة إلي بعض من الجديّة، فقد يسجل للاسد إنتصاران لا ثالث لهما، ما لم يقوم لبنان بتوفيره له، كما سيشار إليه في الختام.

فقد حقق النظام انتصاراً فعلياً على الحياة وعلى الانسانية ومبادئها وعلى المجتمع الدولي، بما فيه الامم المتحدة وقراراتها ومواثيقها.

سوريا

كما وإنتصر على الثورة السورية عن طريق دسّ مسجونيه التكفيريين فيها بعد أن روضهم وأطلقهم، كما إستورد ما تٓيّسر من سجناء وتكفيريون من كرماء دول محور الممانعة، الامر الذي شتت الفصائل المسلحة وشيطن الثورة وشجع المجتمع الدولي على محاربتها. ثم ساهم بشرذمة قادتها ليفاوضوا تحت منصات مختلفة، كلٌ منها تدار من العاصمة التي تحمل إسمها، أي منصة القاهرة، منصة الرياض ومنصة موسكو…

أما بالأمس وخلال إطلاقه المعادلة ألماسية الجديدة ”جيش- شعب- مقاومة- جيش سوري”، والتي سارع فريق آخر من اللبنانيين بتسميتها ”الرباعية الخشبية”، وفِي إطار سعيه الدؤوب لمدّ جسور رسمية بين لبنان وسوريا، فقد طرح حليف النظام الأول في لبنان، السيّد حسن نصرالله، ضرورة أن تقوم الحكومة اللبنانية بمنح الحكومة السورية تكليف رسمي وفوق الطاولة للتفاوض مع “داعش” نيابةً عنها من أجل تحرير العسكريين المختطفين.

فهل ستستجيب حكومة إستعادة الثقة لما أُمليٓ عليها حفاظاً على سلامة العسكريين وعودتهم آمنين، وعودتهم أمر يتمناه ويصلي لأجله جميع اللبنانيون على إختلاف مشاربهم، آخذةً بعين الاعتبار أنه بالتوازي مع التكليف سيتم إضفاء بعض من الشرعية المفقودة لنظام الأسد وتسجيله إنتصاراً ثالثاً؟

خياران أحلاهما مرّْ!

(الأنباء)