حروب ترامب… لا باردة ولا ساخنة!

د. بهاء ابو كروم (الحياة)

تهديد الرئيس الأميركي بالتدخل العسكري في فنزويلا ليس من النوع الذي يمكن التعاطي معه باستخفاف، إذ أتى ليكمل حلقة من التهديدات شملت سورية وإيران وكوريا الشمالية، ومن السذاجة تخطي حقيقة أن ترامب أصبح بحاجة، بعد تراكم تلك التهديدات، إلى استخدام العصا التي يلوح بها في واحدة من هذه الساحات أو في غيرها.

وفي ظل تولي البنتاغون صدارة التعامل مع الأزمات الناشئة بعد تباطؤ انتاجية الديبلوماسية في معظم بؤر التوتر حول العالم، تذهب استراتيجية الإدارة الحالية باتجاه البحث عن عمل يظهر تحكم الولايات المتحدة بالقرار الدولي ويفضي إلى تحقيق نتائج الحرب من دون خوضها.

نموذج التفاعل مع الأزمة في كوريا الشمالية أدى جزءاً من هذه المهمة وكشف جدية التهديد الأميركي باستعمال القوة. التعلم من دروس الحرب العالمية أفضى إلى انتشار أميركي غير مسبوق في تلك البقعة من العالم، وأي حرب قادمة قد تبدأ من حيث انتهت الحرب الثانية، هذا ما قالته الآلة العسكرية لإدارة ترامب، وهو ما أوقف لحد الآن إمكانية الانزلاق إلى الحرب.

وقد تضغط الأزمة مع كوريا الشمالية باتجاه إعادة أخذ الاستراتيجية الأميركية باتجاه المحيط الهادئ فيما إذا تفاقمت، وعين ترامب على تعديل الموازين التجارية مع الصين وفق قواعد جديدة تقع العراضات العسكرية في صلبها. طبعاً التحدي الكوري الشمالي يمس الأمن القومي الأميركي بصورة مباشرة ويطاول عمقه الحيوي وأمن حلفائه، وبالتالي فمبررات التدخل الاستباقي هناك لا تحتاج إلى مقدمات كثيرة.

أما استتباب الأمر في الهادئ من دون اللجوء إلى عمل استباقي فهو لا شك ينعكس على معادلة التوازن الدولي برمتها، بخاصة مع روسيا في أوروبا والشرق الأوسط. فمنذ تبوؤ الرئيس ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية قبل مئتي يوم تقريباً قدم الروس سلسلة خطوات تؤهلهم كي يجددوا التفويض الذي أخذوه من أوباما في ملف الكيماوي في سورية، وقد أتت تجربة المناطق المنخفضة التوتر لكي تريح ترامب من وعده بإنشاء مناطق آمنة وتخفف عنه ثقل حمايتها ويتفرغ لمحاربة داعش. وما نقص من الود المفترض بين ترامب وبوتين في الساحة الدولية فاض بينهما في الساحة السورية باعتباره استكمالاً لسياسة الإدارة السابقة وليس تحولاً يُبنى على تواطؤ مع الروس كشفته الانتخابات الأميركية.

بالتوازي، فنقطة الارتكاز في الاستراتيجية الروسية تبقي على أولوية أوكرانيا ووظيفة تلك البوابة في فرض ستاتيكو اقتصادي وسياسي على أوروبا. وقد شرع ترامب في فتح الحوار حول أوكرانيا بعد تعيينه لكورت فولكر موفداً خاصاً للولايات المتحدة لتطبيق اتفاقات مينسك ومتابعة الحوار مع الروس. وفوكلر واحد من الصقور الذي ارتدى، فور تعيينه، درعه الواقي للرصاص وجال على خطوط التماس وأعلن مسؤولية روسيا عن تأجيج الحرب في شرق أوكرانيا.

حزمة العقوبات الأميركية الأخيرة وحّدت موقفي روسيا وإيران تجاه المخاوف من تصعيد إدارة ترامب. وفي الوقت ذاته دفعت الأوروبيين إلى التقارب مع روسيا في شأن الإمداد النفطي للقارة، وإلى الضغط لتعديل بعض البنود في قائمة العقوبات الأميركية المتعلقة بالشركات التي تعمل على جر الطاقة من روسيا، وقد نجحوا، بخاصة بعدما تصاعد الكلام عن أهمية السوق الأوروبية للغاز الأميركي الفائض للتصدير! وأظهرت سلة العقوبات الأميركية الأخيرة أهدافاً أميركية مبيتة بهذا الاتجاه.

وبينما أطلقت روسيا على مناوراتها العسكرية في السنوات السابقة مسميات من قبيل مناورات «الشرق» و «المركز» و«القوقاز»، تتحضر هذا العام لإطلاق أضخم حشد عسكري لمناورات تجريها تحت مسمى «الغرب 2017» وتحشد لها حوالى مئة ألف عسكري. هذا الانتقال من الشرق والوسط إلى الغرب يتزامن مع طموح روسيا لتعبئة الفراغ الذي تتوقعه في النظام العالمي وتطلق عليه «عالم ما بعد الغرب». وذلك من شأنه أن يدلّل على الوجهة الاستراتيجية الرئيسية، أو بالأحرى «العقدة» الرئيسية لاستراتيجيتها وهي الغرب.

طبعاً من الصعب أن تنجح روسيا في لعب دور الشرطي في الغرب كما نجحت في لعب هذا الدور على الساحة السورية، لكنها تطل من زاوية القدرة على إدارة الجماعات التي تأخذ بالنفوذ الروسي عليها في دول المعسكر الشرقي سابقاً.

وريثما ينضج الحوار الحقيقي بين الولايات المتحدة وروسيا حول أوكرانيا، فالعالم يقف أمام توليفة فريدة من العوامل والانفعالات التي قد تؤدي في لحظة من اللحظات إلى نشوب حرب، لكن في المقابل فإن نماذج القادة في عالم اليوم ليسوا بعد فاقدي السيطرة إلى هذا الحد، فنموذج ترامب لا تحكمه فقط التعبيرات الكلامية أو النيات الجامحة، إنما أيضاً إحاطات جنرالاته العسكريين. أما نموذج كيم جونغ أون فلا تحكمه انفعالات هستيرية تذهب إلى حد التلويح بضرب الولايات المتحدة إنما أيضاً المظلة السياسية التي تؤمنها له كل من الصين وروسيا.