الصمت الجماعي

ميرا مكنا

ويحدث أن يتساءل الجميع عن غرابة هذه الأيام..

ما الذي يحصل؟ لم القريب أصبح غريبًا، والأخير أصبح الملاذ…

لماذا ما يقوله الجميع مناقض لما فعليًّا يفعلون؟

ما الذي قلب الموازين؟

أصبحت ترى المنافق صادقًا، والصادق مستغبنًا، القويّ مستبِدًا، والصالح مُستَبَدًا، الحقيقة منفية والكذب مُتبنى، فتقف حائرًا أمام تناقض الأمور، فالمفروض بات مستترًا والمرفوض أمسى عادة.

عادة أن الأخ يقتل أخاه من أجل وصية،

عادة أن تضرب المرأة في سبيل البطريركية،

عادة أن تستخدم أحدث التكنولوجيات للإستغلالات اللا-أخلاقية،

عادة أن تقدم على قتل نفسك أو غيرك،

عادة أن تكون رجل دين تتزيّ بحجة التقوى،

عادة أن تنشر أخبار كاذبة عن ألسنة نمّامة،

عادة أن تتزوج إجتماعيًّا لتنفيعة مادية،

وغيرها من عادةٍ وعادة، لم تساهم سوى في قلب مفاهيم الأخلاق التي تمارِس “عادة” إنتقاداً لأخرى.

نعم، لعل المشكلة هنا، فقد أصبح كل شيء “عادة”.

3

أصبحنا لا ندرك أبعاد ما نقول، ما نسمع، وما نفعل.

تناسينا أن للكون نسبية تتحكم به، وأن كل شيء رهنٌ لحكم من يدركه.

ذاك الحكم أسير ثقافةِ تربية من يطلقه، حاملًا معه إسقاطاته وذاتيته ورأيه بمن أو ماذا يحكم، غير مدرك لصعوبة فصل نرجسيته في إطلاق أسهمه، وغير آبه لما قد تُحدثه كلمة خطأ، في جملة معلولة، في حكم ذاتي.

لكم كنا نوفر مصائب مجتمعية لو أننا نضع أنفسنا في مقدارها، لو أننا لا نقبل أن تكون كرامتنا مرهونة لما قد يوهَب لنا من مغريات مادية، مناصبية، أو منفعية…

لو أننا لا نستخف بقدرة بعض ممن حولنا على الملاحظة، على تمييز الخطأ من الصح، وعلى التقييم الصائب للأمور والأشخاص…

لو أننا نتذكر أن للكون قانون “دائري” يتحكم به – تسميه قوى الطبيعة، تسميه الله، تسميه القدر-، فمن يعمل مثقال ذرة، يره، أكان خيراً أم شراً.

فبعد نقاش و نقاش، والعديد من الأسئلة الوجودية، وجدال الصح والخطأ، تصل لحقيقة مُرّة؛

حقيقة تقضُّ مضجعك وتشعرك باشمئزاز الحال الذي أنت فيه!

فاذا ما أردت أن تكون كائناً إجتماعيا بارزاً و”مقبولاً” في مجموعتك، عليك أن لا تعترض و ترضخ لتنفذ المطلوب، ألّا تسأل كي لا تفهم، وأن تؤمن بما يقوله المؤتمنون على “عقيدة ما تشك فيه”، لأنهم هم الأدرى، الأذكى، والأفهم، فالذي نصّبهم أماكنهم هو “الصمت الجماعي”.

1

نعم، نحن نستحق الصمت، الجهل، الاستغبان.  نستحق التحكم بمصيرنا لأننا شعوب نبغى الخضوع، نستحق استغلالنا كيفما حللنا، لأننا لا نعرف أن أقوى ما نملك هو عقلنا، والحرية في استخدامه كما نشاء كي نفهم.

كيف يمكن أن يهبك ذاك القانون عقلًا، إن كان سيطلب منك عدم استخدامه؟…

لا أحد يستطيع منحنا أو سلبنا حقنا في المعرفة، في المساءلة، في المحاسبة، حتى أولئك “المؤتمنين”، فمخططهم يقتضي أن نبقى “جاهلين” وموهومين بسردهم للحقائق، فقط.

2

يجب ألّا ننسى أن الحياة شرنقة، و ما إن تفتحت تضعُك أمام خيارات، وفي كل خيار تأخذه بالرضوخ، تكون تبني شرنقة لك من جديد، تكبلك أكثر فأكثر من تلك التي أُطلِق سراحك منها طبيعيّا…

فالجهل الذي يصنعه الإنسان بنفسه، هو أسوأ أنواع التقوقع والإنغلاق.

فلنثور، فلنرفض، فلنجيب ضمائرنا، ولنعتبر دومًا  أنّ الحقيقة بريقها ساطع، فكل ما نحتاج إليه هو القليل من الوعي، الإدراك، والتركيز كي نرى ذاك النور، ونصل إلى حد أدنى من الحكم الصحيح، الدقيق، والمنصف.

(*) مسؤولة ملف الثقافة والأنشطة في الأمانة العامة لمنظمة الشباب التقدمي

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم ميرا مكنا

القهر الإنساني: وليدة العنف