مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

أعادت الحادثة التي وقعت في ولاية فرجينيا الأميركية نهار السبت في 12/8/2017 القلق إلى الأذهان، لأن نوع الجريمة التي ارتُكبت بحق متظاهرين في مدينة شارلوتسفيل، كان وحشياً، ويحمل الكثير من مُؤشرات الحقد والعنصرية، خصوصاً أن الشاب العشريني الذي نفذ جريمة الدهس، قام بالعمل عن سابق تصور وتصميم، وهو قدِم إلى فرجينيا من ولاية أوهايو خصيصاً للمشاركة إلى جانب مجموعة من النازيين الجُدُد، ولمواجهة تظاهرة كان يقوم بها مجموعة من اليساريين المُتشدِدين في شوارع المدينة.
أسفر الهجوم بالسيارة على المتظاهرين العُزَّل إلى مقتل امرأة شابة، وسقوط 19 جريحاً دهستهم سيارة الجاني في مشهدٍ مُرعب
. وخطورة تنامي ظاهرة الأعمال التي تقوم بها المنظمات العنصرية، وجمعيات اليمين المُتطرِف، وعصابات النازيين الجُدُد، تفاقمت في الآونة الأخيرة في الولايات المُتحدة الأمريكية، وفي الدول الغربية على وجه العموم، وقامت هذه المجموعات بعدد من الأعمال الإرهابية والانتقامية ضد أشخاص، وضد جوامع، وضد مجموعات تختلف معهم باللون أو بالعرق أو بالقومية أو بالدين. ووصل الأمر بهذه المجموعات إلى حد الاعتداء على تمثال الرئيس الأميركي السادس عشر ابراهام لينكون، والذي يُعتبر رمزاً لوحدة البلاد، وهو الذي أسس لشعار المساواة، ولنبذ العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب دان هجوم فرجينيا، وقال عن النازيين الجُدُد
إنهم «مجرمون وبلطجية». أما وزير العدل الأميركي جيف سيشنز الذي استنكر الجريمة فقال: إن التعصُّب العرقي، وثقافة الكراهية يُضران بقيم الشعب الأميركي الأساسية، ولا يمكن التسامُح معهم. أما رئيسة وزراء بريطانيا التي تنتمي إلى اليمين تيريزا ماي فقالت: «لا مجال للمقارنة بين مَن يحملون أفكاراً فاشية وبين مَن يُعارضونهم» في إشارة إلى كون البعض دان أيضاً عمل المتظاهرين الذين تعرضوا للدهس في مدينة شارلوتسفيل، لأنهم ينتمون إلى مجموعات يسارية متطرِفة.
في الولايات المتحدة الأميركية مجموعة من المنظمات اليمينية المتطرِفة، منها ما يحمل أفكاراً عنصرية بغيضة، ومنها يعتمد على الأفكار النازية، تيمناً بالزعيم الألماني الأسبق أدولف هتلر، وبعض هذه المنظمات معادٍ للإسلام واليهودية بشكل ظاهر.
منظمة «اليمين البديل» ترفع شعار «الهوية البيضاء» للدفاع عن الحضارة الغربية، -كما تدعي – وقد استنكر الرئيس ترامب شعارات هذه المنظمة، وقال في خطاب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016: إنه لا يوافق على آراء هذه المنظمة حتى ولو صوتوا له في الانتخابات الرئاسية.
أما منظمة «الكوكلوكس كلان» فهي من أقدم الجماعات المتطرِفة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تأسست عام 1865 على قاعدة العداء للسود واليهود، وهي تناهض كل أشكال الهجرة إلى أمريكا.
وفي الفترة الأخيرة برز مجدداً ظهور منظمة «النازيين الجُدُد
» إلى العلن، وهؤلاء هم الذين يقفون وراء هجوم فرجينيا الإرهابي. وهذه المنظمة عادت إلى التبني العلني لأفكار هتلر.
وإضافة إلى هذه المجموعات الآنفة الذكر، هناك الحركة الوطنية الاشتراكية، والتي تأخذ أفكارها من تراث حزب العمال الألماني الفاشي. كما يوجد أيضاً حزب الحرية الأمريكي الذي تأسس في العام 2009، وهو يتلاقى مع المجموعات العنصرية المتطرِّفة، لا سيما في مجال مناهظة الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتضييق على المهاجرين الموجودين على أراضيها.
لا يمكن التقليل من خطورة الاندفاعة المُتجدِدة للمنظمات المُتطرفة في الولايات المتحدة خصوصاً، وفي الدول الغربية بشكل عام، رغم المجهودات التي تبذلها سلطات هذه الدول في محاصرة هذه الاندفاعة. وهذه المنظمات تُلاقي الإرهاب والتطرف المتنامي في أماكن أخرى من العالم، ولا يوجد أي فرق بين إرهاب «داعش» أو «القاعدة» وبين إرهاب النازيين الجُدُد، أو اليمين المُتطرِف في عدد من العواصم الغربية. كلهم يستندون إلى ثقافة تدميرية واحدة، وهم يدَّعون الانحياز إلى ديانات سماوية سمحاء، وهذه الديانات منهم براء، خصوصاً الإسلام والمسيحية، ديانتا التسامُح والمحبة ونبذ العنف والإرهاب.
في ثقافة التسامُح، أو في مُقاربات التطرُّف
السوداء، العالم قرية كونية واحدة. فزيادة التطرُّف هنا تزيدُهُ حكماً هناك.
العالم مُطالبٌ أن يقف وقفة واحدة ضد المؤشرات المُقلِقة قبل فوات الأوان.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

توازن الرعب في أقصى الشرق

أخطر مُربع في الصراع

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية

إعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية