بالأمس كانت مباراة باري سان جرمان وجنغان في فرنسا، حيث وللمرة الأولى لعب نيمار البرازيلي تحت ألوان النادي الباريسي وفي نفس الوقت كانت مباراة الكلاسيكو بين برشلونة وريال مدريد وكأنه القدر يكتب الأيام بطريقته الغريبة… النادي الباريسي وعبر نيمار أشعل مدرجات خصمه جانغان وتعملق من خلال ثلاثة أهداف جميلة مرسومة وتحمل تواقيع نيمار الأول والثاني من خلال تمريرات قاتلة والثالث تولاه بنفسه راسماً أفقاً جميلاً للنادي الباريسي بينما وفي برشلونة وللمرة الأولى يلعب النادي الكاتالوني بدون لاعبه نيمار شاهدناه ينهزم أمام ريال مدريد بثلاثة أهداف وكانت ليلة زيدان بامتياز كمدرب استثنائي للريال وكانت ليلة سوداء في برشلونة حيث شعر الجميع بالفراغ من خلال غياب نيمار بالرغم من وجود عملاقين مثل ميسي الأرجنتيني وسواريز الأوروغوياتي…

من خلال ما تقدّم تتضح لنا الأسباب الحقيقية وراء انتقال نيمار من برشلونة إلى باريس منها الفني ومنها المادي ومنها السياسي.

بالبُعد الفني وجود نيمار في برشلونة جعله دائماً في ظل ميسي الأرجنتيني، وطبيعي أن يبقى رقم 2 في الفريق بينما في باريس ستحوم كل الأنظار عليه كرقم أول في الفريق وهذا ما أثبتته مباراته الأولى في الدوري الفرنسي حيث خطف الأنظار واستحوذ على الاهتمام من قبل النقّاد والجماهير وكل المهتمين في عالم كرة القدم…

وبالبُعد الفني أيضاً نيمار يطمح لنيل الكرة الذهبية التي احتكرها في السنوات الأخيرة كل من ميسي ورونالدو ويتقاطع هذا الطموح مع رؤيا النادي الباريسي الذي يطمح للفوز ببطولة أوروبا وبالذات من خلال نيمار ورفاقه وعلى رأسهم كافاني الأوروغوياني…

أما البُعد المادي فهو يحمل أرقاماً مذهلة ومرعبة، سيحصل نيمار على راتب يوازي 30 مليون يورو سنوياً أي ضعف راتبه في برشلونة وهو رقم فلكي لم يسبقه إليه أحد…

أما البُعد السياسي فهو بكل بساطة إرادة قطرية للقول وعبر الرياضية نحن هنا لأن صفقة انتقال نيمار التي وصلت إلى 222 مليون يورو ما يعادل 260 مليون دولار أميركي تعدّ بكل المقاييس صفقة القرن بامتياز وعبر رئيس نادي باري سان جرمان القطري وهو المالك لهذا النادي وتقول مختلف المصادر أن الصفقة قامت بها قطر واستطاعت من خلالها أن تكون الحدث الرياضي الرقم واحد على المستوى الكوني… وتظهر قطر وكأنها رقم صعب في عالم الرياضة ومن خلالها إلى عالم السياسة…

أما النتائج المباشرة لهذه الصفقة بكل ضمير مرتاح أقول وكمتابع للكرة منذ ثلاثين عاماً إنها دمّرت القيم الرياضية في عالم كرة القدم ودمّرت معها مسألة تحويل النادي إلى مدرسة كروية تفرّخ مئات المواهب الكروية، فبمجرد وصول المشاهير إلى ناد معين يملك المال تبدأ مرحلة جديدة في حياة هذا النادي على حساب قلة الاهتمام بالمواهب الشابة من تلامذة النادي وهو مال سياسي يفسد المعنى الحقيقي للمنافسة إلى درجة رفع سقف الدفع إلى أرقام فلكية غير قابلة للتصديق… مجرد أن تملك المال تشتري كبار اللاعبين وتدرّب فريقاً يجمع أهم لاعبي العالم وتصل إلى نيل مختلف البطولات المحلية والقارية والعالمية، وكل ذلك كان في الماضي معقولاً عندما تكون تكلفة الانتقال في حدود المعقول أو في حدود إمكانيات مختلف الأندية أما رفع السقف فهنا تكمن المغالاة وإفساد الرياضة بالمال وبأرقام فلكية تمنع مختلف الأندية من الوصول إلى لاعبين كبار، مما يفقد عنصر المنافسة ويفقد الدوري نكهة هذه المنافسة…

أخيراً رب قائل من القرّاء الكرام يا أخي: “هناك أهم من الرياضة في كتابة مقالة”، أرد بكل محبة وفوراً: تقاس حضارات الأمم بمبدعيها ومتفوقيها والأفذاذ فيها ومنهم لاعبي كرة القدم ويكفي وضع سؤال مَنْ الذي يعرف من هو رئيس جمهورية البرازيل ومَن الذي لا يعرف بيليه ونيمار البرازيليان اللذان خلدا بلدهما البرازيل أكثر من رئيس الجمهورية…”.

وأخيراً نصيحة أخوية للأخوة العرب مهما كانت جنسياتهم وبخلفية نظيفة: كفّوا عن رفع سقف صفقات اللاعبين لأن صفقة 260 مليون دولار لشخص واحد أي ما يعادل: إعالة 52000 عائلة لمدة سنة كاملة إذا كان رقم الإعانة يوازي 5000 دولار…

قليلاً من التواضع يا سادة… ومن العقلانية… ومن إثارة حسد وحقد الأوروبيين وغير الأوروبيين…

*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود