كيف يقف لبنان خلْف جيْشه في معركته ضدّ داعش؟

عيْناً على الميْدان، وعيْناً أخرى على السياسة. هكذا كانت بيروت أمس مع إطلاق الجيش اللبناني معركة «فَجْر الجرود» ضدّ تنظيم «داعش» (على الحدود الشرقية مع سورية) التي يَتشابك فيها العسكري بالسياسي والتي تجري بالتزامن مع عملية «وإن عُدْتُم عدنا» التي أعلنها جيش النظام السوري و«حزب الله» من المقلب السوري لتحرير ما تبقى من جرود القلمون الغربي.

ولم يكد الجيش اللبناني يبدأ معركته فجر أمس في مسرح عملياتٍ يتركّز في جرود رأس بعلبك والقاع ويمتدّ على نحو 120 كيلومتراً مربّعاً بمواجهة نحو 600 من عناصر «داعش»، حتى انطلقتْ القراءات السياسية لهذه المواجهة التي تأتي في ظل الاستقطاب الحادّ في البلاد بشأن محاولاتِ جرّ لبنان الرسمي الى تطبيعٍ بقوّة الأمر الواقع مع نظام الرئيس بشار الأسد من ضمن مسارٍ كان بدأ بالترويج عن «تعاون وتنسيقٍ لا مفرّ منه» مع الجيش السوري و«حزب الله» في معركةٍ تجري «في ميدانٍ مُتداخِل وتوقيت واحد»، وتُوِّج بزياراتٍ علنية لوزراء من الحزب وحلفائه لدمشق.

وبدا الجيش اللبناني مدركاً تماماً لحساسية «المسرح السياسي» الذي تجري عليه عمليته ضدّ «داعش» والمضاعفات الداخلية والخارجية لأيّ محاولةِ توظيفٍ لهذه المعركة خارج سياقها في مكافحة الإرهاب. ومن هنا كانت الأهمية الكبرى لحرْصه السريع على إعلان عدم وجود أيّ تنسيق مباشر أو غير مباشر بين المؤسسة العسكرية اللبنانية وبين الجيش السوري و«حزب الله»، نافياً بلسان مدير التوجيه العميد علي قانصوه وجود أي تزامُن بين «فجر الجرود» وبين المعركة في المقلب السوري، ومذكّراً بأن عملية الجيش كانت بدأت قبل أيام من خلال تضييق الطوق على التنظيم الإرهابي واحتلال التلال الاستراتيجية «وعندما وجدنا أنفسنا جاهزين بدأنا»، ومتحدّثاً عن «المساعدات المشكورة من الأميركيين والبريطانيين للجيش اللبناني».

وإذ اعتبرتْ أوساط مطلعة عبر «الراي» أن هذا «التصويب السياسي» لمعركة الجيش يأتي ترجمةً للسقف الذي كان وضعه المجلس الأعلى للدفاع حين جَعلَ العملية من ضمن التحالف الدولي ضدّ الإرهاب، كان بارزاً الالتفاف اللبناني الجامِع حول الجيش في المواجهة التي يخوضها، على عكس ما كان عليه المشهد إبان العملية التي شنّها «حزب الله» قبل نحو 3 أسابيع ضدّ «جبهة النصرة» في جرود عرسال.

ورغم هذا الالتفاف، فإن سباقاً جرى حول دلالات «النصر الآتي» للجيش وترْجماته السياسية، بين «حزب الله» وخصومه، إذ اعتبر الأول مع حلفائه أن ما يحصل على المقلبيْن اللبناني والسوري يعزّز معادلة «شعب وجيش ومقاومة» وذلك ترجمةً لمحاولات جعل الحزب كياناً رديفاً للجيش، فيما تعاطى مناهضو «حزب الله» مع معركة الجيش على أنها إثبات لقدرة المؤسسة العسكرية وحدها على حماية لبنان وتحرير أراضيه وبسْط سلطته على كامل التراب الوطني مؤكدين على معادلة «شعب دولة وجيش».

وانطوت الساعات الأولى من «معركتيْ المقلبيْن» على مفارقاتٍ لم يخْل بعضها من مؤشرات مُقْلِقة وأبرزها:

* ملامح المقارنات الميدانية بين معركة الجيش اللبناني وعملية «حزب الله» والجيش السوري والنتائج التي تَتحقق على كل من الجبهتين، وسط حرْص الحزب عبر إعلامه الحربي ووسائل إعلام قريبة منه على إبراز إنجازاته السريعة في الميدان السوري في القلمون الغربي (قارة والجراجير) حيث تحدّث عن استسلام عشرات من مسلّحي «داعش» لـ «حزب الله» والجيش السوري بينهم أحد الأمراء «الشرعيين» (مسؤول قاطع الزمراني ومنطقتها) المدعو أحمد وحيد العبد الذي استسلم (مع مجموعته) مبتسماً ومعلناً «خلّصْنا» (بمعنى أنْهينا المهمّة)، إلى جانب السيطرة على نقاط ومرتفعات استراتيجية وإيقاع إصابات في صفوف التنظيم الإرهابي.

وفي المقابل كان الجيش اللبناني يحقق تقدماً في جرود رأس بعلبك والقاع بعدما نجح من خلال القصف الجوي وبالراجمات والمدفعية في تحطيم خط الدفاع الأوّل لـ «داعش» والسيطرة على تلال استراتيجية، وسط اعتماده خيار التقدم البطيء والمدروس الذي يستند على استطلاع ميداني مسبق للمواقع الساقِطة لتفكيك الألغام والمفخخات المزروعة فيها.

* دخول ملف العسكريين التسعة الأسرى لدى «داعش» (منذ اغسطس 2014) على خط اليوم الأول من المعركة، وسط بلبلة أثارتها التسريبات عن ان الأمن العام اللبناني تلقى عبر أحد الوسطاء معلومات عن وجود جثث في حفرة في جرود عرسال، وأنها قد تكون لعسكريين من المخطوفين لدى التنظيم الإرهابي.

وعلى وقع توجّه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم مع عددٍ من سيارات الصليب الأحمر الى جرود عرسال للتدقيق في معلومات الوسيط وإخضاع أي جثث يتمّ العثور عليها لفحوص «دي إن آي»، وُضِع دفْع ملف العسكريين الى الواجهة في سياق واحد من أمريْن، إما إعطاء إشارة جدّية الى رغبةٍ بالتفاوض لإنهاء وجود «داعش» في الجرود في تكرارٍ للسيناريو الذي رافَقَ انسحاب «النصرة»، ولا سيما ان الجيش اللبناني كان جزم أن لا تفاوض قبل كشْف مصير العسكريين، وإما محاولة من «داعش» لشراء الوقت والتخفيف من الضغط العسكري عليه وفي الوقت نفسه السعي لضرب معنويات الجيش اللبناني.

وسارع الجيش إلى التأكيد عبر مصدر عسكري أن «المعركة لن تتوقف حتى القضاء على (داعش) واستعادة الأرض بصرف النظر عن ملف العثور على جثث».

وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون زار صباح أمس غرفة العمليات في قيادة الجيش حيث استقبله العماد جوزف عون بحضور كبار ضباط القيادة حيث اطلع على سير العمليات العسكرية في جرود رأس بعلبك والقاع، كما تابع النقل المباشر لوقائع تحرك قوى الجيش في المنطقة واشتباكها مع المجموعات الإرهابية، ثم أجرى اتصالاً هاتفياً بقادة الوحدات المقاتلة متمنياً التوفيق للعسكريين في مهمتهم الوطنية ومؤكداً لهم «أنا معكم، أتابعكم من غرفة العمليات، عقلنا وقلبنا معكم. ولبنان بأسره يتطلع إليكم، وينتظر منكم تحقيق الانتصار».

وسبق ذلك قرابة الخامسة فجراً إعلان قائد الجيش عبر «تويتر» انطلاق العملية ضدّ «داعش»، وقال: «باسم لبنان والعسكريين المخطوفين ودماء الشهداء الأبرار وباسم أبطال الجيش اللبناني العظيم أطلق عملية (فجر الجرود)».

وفي مؤتمر صحافي، بعد ظهر أمس، لعرض مجريات اليوم الأول للمعركة، أعلن الناطق باسم الجيش العقيد نزيه جريج أنّ الجيش سيطر على عدد من التلال والمناطق «مُحرراً بذلك 30 كيلومتراً مربعاً، أي نحو ثلث المساحة التي كان يسيطر عليها الإرهابيون، إضافة إلى تدمير 11 مركزاً للارهابيين بينها مغاور وخنادق وتحصينات، وضبط كميات من الأسلحة والذخائر».

وأشار إلى «مقتل 20 إرهابياً من (داعش)، فيما أُصيب من الجيش 10 حال أحدهم حرجة»، مؤكداً أن الجيش حقق أهداف اليوم الأول و»أكثر قليلاً».

ولفت إلى أنّ عناصر «داعش» باتوا أوهن من أن يتابعوا المعركة التي وصفها بأنّها «صعبة لأنّ الأراضي مُلغّمة».

“الراي”