قطاع الكهرباء في لبنان والآثار الاقتصادية المُخيفة

تعيد “الأنباء” نشر هذه الدراسة التي أعدّها الدكتور ناصر زيدان* ونشرتها في 18 آذار 2014 لما لهذه الدراسة من أهمية، ولتطابقها مع الواقع اليوم.

تتعاظم العوامل المؤثرة على الحركة الاقتصادية في لبنان، وتأخذ معظمها مندرجات سلبية تشدُّ العربة الى الوراء، رغم ان الطرقات التي تسلكها هذه الحركة بإتجاه تحقيق غايتها وَعِرة بالأساس، وهي ليست مفروشة بالورود والياسمين.

فسياق المسالك التشريعية التي تحكم النشاط الاقتصادي صعبة، وفيها الكثير من القساوة، جراء التركيبة المُعقَّدة للبرلمان اللبناني المُشكَّل من خليط سياسي وطائفي متنوع  يُعِيق رشاقته في إنتاج القوانيين، برغم ان لبنان يعتمد نظام االاقتصاد الحر، او ما يعرف “بإقتصاد السوق” وفقاً لما جاء في البند (و) من مقدمة الدستور. كما ان المتاعب المُتأتية عن الصعوبات الجغرافية والديمغرافية واسعة جداً، خصوصاً لناحية تمركُز معظم الحركة الاقتصادية في مناطق محددة، لاسيما في المُدن الكبرى، وفي المنطقة الساحلية، ناهيك عن تموضع بعض هذه الحركة وفقاً لإعتبارات لها طابع طائفي. والجغرافيا الداخلية اللبنانية، وكذلك المحيطه بلبنان، تفرض ايضاً عوامل مؤثرة على الاقتصاد، كما تنعكس عليه ايضاً وايضاً تقلبات المناخ الذي يختلف كثيراً بين الساحل والجبل وبين الداخل في سهل البقاع.

وإذا كان الأمن هو المُعضلة الأقوى التي تواجه حركة نمو الاقتصاد اللبناني، إلاَّ ان موضوع الإخفاق الكهربائي الذي يفرض التقنيين لساعاتٍ طويلة، يبقى عاملاً سلبياً واسع التأثير على الاقتصاد، يُكبِّل اندفاعته منذ فترةٍ طويلة، برغم المقومات الموضوعية الإيجابية التي تنبسط أمام النشاط الانتاجي جراء المهارة الشخصية العالية للبنانيين، ولتوافُر بعض القيِم المضافة التي تتوافر كمحفِزات للإقتصاد، ومنها خصوصاً البيئة العلمية الكفوءة، والقدرات الادارية، والحاضنة التشريعية الليبرالية المقبولة.

OLYMPUS DIGITAL CAMERA

 

اولاً: واقع الكهرباء في لبنان

تعرَّف لبنان على الطاقة الكهربائية من خلال نشاط القطاع الخاص، وتولَّت الشركات الخاصة الإنتاج ، حيث بدأت العمل بالطرق البدائية في العام 1925 في بيروت ثم في طرابلس ومن بعدهما إنتقلت الى المدن اللبنانية الأخرى، بعد حصولها على الإذن من السلطات الرسمية المختصَّة، وفقاً لنطاق جغرافي حددته الدولة، يتضمَّن الانتاج والتوزيع، أطلق عليه “إمتياز” .

في العام 1954 استردَّت الدولة اللبنانية الإمتيازات الممنوحة من الشركات بالتراضي، ولا سيما إمتياز “التوزيع العام للطاقة في مدينة بيروت وضواحيها” وإمتياز “إنشاء وإستثمار شبكة توزيع الطاقة الكهربائية تحت التوتر العالي” وإمتياز”إنشاء واستثمار مصنع كهربائي على نبع الصفا”[1]

في 10/7/1964 أُنشئت مؤسسة كهرباء لبنان بموجب المرسوم رقم 16878، ومن مهامها إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية على كافة الاراضي اللبنانية، وقد منحت هذه المؤسسة إمتيازات لإدارة القطاع في بعض المناطق، منها كهرباء زحلة، وكهرباء قاديشا، وكهرباء عاليه.

تملك المؤسسة حصرية الإنتاج من سبعة معامل حرارية تعمل على الفيول والديزل والغاز، في الذوق والجية وصور وبعلبك والزهراني ودير عمار والحريشة. الطاقة الانتاجية المُفترضة لهذه المعامل هي 2038 ميغاوات، ولكن فعلياً تنتج 1685 ميغاوات كحدٍ اقصى [2].

كما تملك المؤسسة ثلاث معامل إنتاج على الطاقة المائية. وهي معامل الليطاني، ومعامل شركة نهر البارد، ومعامل نبع الصفا. والقدرة الانتاجية الدفترية لهذه المعامل 220,6 ميغاوات، ولكن فعلياً لا تُنتِج هذه المعامل مثل هذه الكمية.

وتدير المؤسسة شبكة واسعة من خطوط النقل الرئيسية، يبلغ طولها 1615 كلم، منها 1336كلم هوائي و279كلم تحت الارض، ولكنها في الوقت ذاته تحتاج الى وصلات إضافية، خصوصاً وصلة المنصورية الهامة، التي مازالت متوقفة نظراً للخلاف حولها، والذي أخذ الطابع السياسي، رغم أن رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري اقترح تمديدها تحت الارض منذ العام 2004.

حاجة لبنان للطاقة تُقدر حالياً (أي في العام 2014)  بـ 2250 ميغاوات، ومعدل النمو السنوي لزيادة الاستهلاك تُقدَّر ب 3%، مما يوصِل حاجة لبنان الى 2500 ميغاوات في حدود العام2020 (من دون إحتساب إستهلاك النازحين السوريين)  علما ان الخطة التي اقرتها الحكومة في ايلول 2011، وصادق عليها مجلس النواب، لحظت توسيع الانتاج الى 700 ميغاوات اضافية، بكلفة 1200 مليون دولار، ولم يُنفذ من هذه الخطة اي شيء حتى اليوم، بإستثناء استئجار باخرتين تركيتن تُنتجان حوالي  200 ميغاوات.

الكهرباء

ثانياً: مشاكل قطاع الكهرباء

من المفيد الإشاراة الى انه منذ العام 1992، أي بعُيد انتهاء الحرب الاهلية، كان وزير الطاقة – المسؤول فعلياً عن ملف الكهرباء – ينتمي الى فريق سياسي معين على صداقة مع النظام في سوريا، وعند تشكيل كل حكومة جديدة كان لافتاً تمسُّك هذا الفريق بطلب تولي هذه الوزارة، وقد أُقصي الوزير الراحل جورج افرام عنها عام1993 ، لأنه لاينتمي الى هذا الفريق، وبسبب رفضه شراء معامل انتاج قديمة، أُثيرت حولها الشبهات، لاسيما في بعلبك ودير عمار، وعُيِّن مكانه الوزير  ايلي حبيقة ” المُقرَّب من سوريا”، والذي قضى بإنفجار قد يكون على خلفية تجاوزات في وزارته، أو ربما بسبب عدم إلتزامه بالخطة المرسومة.

يصل تقنيين التيار الكهربائي في معظم المناطق اللبنانية الى 12 ساعة يومياً، ما عدا بيروت التي لحظ لها مجلس الوزراء تغذية على مدى 21 ساعة في اليوم،  إلا ان برنامج التقنيين الذي توزعه مؤسسة كهرباء لبنان لا يلتزم بلوائح التوزيع، بسبب  المشاكل الناتجة عن الأعطال المُتكررة، وعدم قدرة الشبكة على تحمل زيادة الاستهلاك في مناطق عديدة من جراء تزايد عمليات السرقة، أو من جراء التوصيلات الجديدة غير المحسوبة فنياً. كل ذلك يؤدي الى فوضى عارمة في برنامج التغذية، ويسبب إرباكاً كبيراً لدى المواطنيين، ولدى القوى الإنتاجية في  القطاعات الصناعية والسياحية والزراعية والتجارية والخدماتية.

يُنتج لبنان حوالي 72% من حاجته (تقديرات 2012) ورغم هذه الكارثة بالمقاييس العالمية للتنمية، تخسر مؤسسة كهرباء لبنان 45% من هذه الطاقة المُنتجة عن طريق الهدر. ولبنان الاول بين الدول العربية في هذه المحنة الهدرية، يليه اليمن بنسبة هدر 28,3%، بينما لا يتعدى الهدر في المملكة العربية السعودية الـ16%[3]، رغم المسافات الطويلة لخطوط النقل الهوائية فيها، وطول المسافات يُعتبر المُسبب الرئيسي للهدر الفني للطاقة. ولكن لبنان لا يعاني من الهدر الفنيّ للطاقة التي تقدر ب 15% فقط، بل من الهدر الناتج عن سرقة 25% من الطاقة المُنتجة، وعدم تحصيل 5% من الفواتير الصادرة، برغم تلزيم (او خصخصة) الصيانة والجباية التي قامت بها مؤسسة كهرباء لبنان لشركات خاصة ابتداءً من العام 2010، ولكن تجربة هذه الشركات كانت مُتعثِرة ايضاً، ولا نعرف السبب الحقيقي لذلك.

والنسبة المرتفعة من الهدر للطاقة في لبنان، تكلف الدولة مبالغ طائلة. لأن الدولة تتحمل تكاليف عجز الإنتاج في مؤسسة كهرباء لبنان، لكونها قطاع عام، وبالتالي فإنها دفعت اكثر من 20 مليار دولار خسائر منذ العام 1993  حتى نهاية العام 2012، وقد بلغت قيمة ما دفعته الدولة ثمن محروقات وضرائب واسئجار بواخر وخدمة دين لصالح كهرباء لبنان في العام 2012 وحده ، 3408 مليار ليرة لبنانية، اي ما يوازي 5,5 % من الناتج الوطني الاجمالي، ويشكِّلُ هذا الامر إرهاقاً كبيراً للإقتصاد الوطني الذي يعاني من إنكماش مخيف من جراء ارتدادات الازمة السورية.

fatma-ghoul-boat-kahraba

اضافة الى مشاكل العجز في موازنة مؤسسة كهرباء لبنان، وتدني مستوى الانتاجية، فهناك رُزمة من التحديات تُفرض على الدولة، منها موضوع العاملين   “المياومون” ويبلغ عددهم اكثر من 1800 عامل، فلم تُحلّ مشاكلهم الوظيفية حتى الآن، وهي عالقة بين الشركات المتعهِّدة للصيانة والجباية، وبين دوائر لجنة المال والموازنة النيابية ووزارة الطاقة، الذين لم يُحدِدا بدقة تفاصيل مستقبل هؤلاء وحقوقهم حتى اليوم (ربما لأسباب طائفية)، برغم القرار الذي صدر بمعالجة وضعهم القانوني وتثبيتهم.

ويبرز الأداء السيئ للسلطات المولجة معالجة الخلل في ملف الكهرباء من خلال الإضطراب الواسع الذي يسود مقاربات الاستفادة من الطاقة البديلة، لاسيما موضوع إنتاج الطاقة من الشمس والهواء، حيث لبنان لديه فُرص مثالية يمكن الإستفادة منها، ولكن لا يوجد خطة جدية من قبل وزارة الطاقة في هذا المجال، إلا أن الوزارة قامت بعمل توفيري متواضع، حيث اشترت كميات كبيرة من المصابيح (اللمبات) التي توفر الطاقة، ووزَّعتها مجاناً على المنازل، وفقاً لبرنامج تبديل، رافقه العديد من الملاحظات، كما الكثير من الكلام عن ربح غير مشروع في طريقة شراء الكمية التي وُزِعت على المُشتركين.

ثالثاً: الأثر الاقتصادي للخلل الكهربائي في لبنان

عدم توفر الطاقة الكهربائية بشكلٍ كافٍ انعكس ويلات على الاقتصاد اللبناني، وخسائر ميزان المدفوعات، والميزان التجاري اللبناني من جراء هذا الخلل كبيرةٌ جداً، ففاتورة شراء الموّلدات زادات العجز، كما ان ارتفاع كلفة الفاتورة النفطية الناتجة عن توسع استخدام المولدات الكهربائية الخاصة زادت بوتيرة عالية، ويُقدَّر  ما يصرفه اللبنانيون على استخدام كهرباء الموّلدات الخاصة بما تصرفه الدولة على القطاع، اي ما يوازي ملياري دولار سنوياً، ويشكلُ الأمر عبىئاً ثقيلاً على اقتصاد لا يتعدى ناتجه الاجمالي ال 50 مليار دولار اميركي.

إن آثار ازمة الكهرباء سلبية على القطاعات الانتاجية اللبنانية كافة، وهي تُضرُّ  بالاقتصاد الوطني، في ظلِّ ظروفٍ أمنية وسياسية قاسية يواجهها هذا الاقتصاد:

أ  – اثر انقطاع الكهرباء على القطاع الصناعي:

كان شعار ثورة  اكتوبر العظمى التي حصلت في روسيا في العام 1917: “السلام وتأمين الكهرباء لعموم البلاد”. فالكهرباء ضرورة لكافة نواحي الحياة، وخصوصا للقطاع الصناعي. والصناعة الحديثة تحتاج في كل مفاصلها الى الطاقة الكهربائية لتشغيل الآلات وللنقل والإنارة، وتوليد الحرارة المرتفعة التي تحتاجها الصناعات المعدنية الثقيلة، وبقدر ما تتوافر الكهرباء بكميات وافية وبأسعار رخيصة، بقدر ما يكون الأمر ملائماً لتحفيز الصناعة الحديثة، وتحقيق إنتاجية عالية، وطرح سِلع تنافسية في الأسواق.

إن عدم توافر الكهرباء بشكل دائم في لبنان ينعكس سلباً على الصناعة اللبنانية،

ويقدر البنك الدولي الخسائر السنوية للصناعة اللبنانية بسبب انقطاع الكهرباء بـ 400 مليون دولار، والقيمة الإضافية التي تتكبدها عملية الانتاج الصناعي من جراء هذا الانقطاع 23% من كلفة الانتاج[4]، لأن تأمين الطاقة عن طريق الموّلدات غالٍ بسبب غلاء المولدات والمواد النفطية المستوردة من خارج لبنان. وهذا الأمر ينعكس زيادة على كلفة إنتاج السلع اللبنانية، وبالتالي خفظ قدرتها التنافسية في الاسواق المحلية والخارجية.

وتُقدَّر خسارة القطاع الصناعي من اليد العاملة ب 30 الف وظيفة من أصل 140 الف وظيفة يعملون في هذا القطاع [5]

وتراجعت حصة الصادرات الصناعية من مجمل الصادرات اللبنانية، علماً ان الميزان التجاري للعام 2012 سجل ارتفاع للصادرات الصناعية من لبنان، ولكن الامر حصل من جراء احتساب قيمة صادرات المازوت من لبنان الى سوريا في سلة الصادرات الصناعية، وهذا غير واقعي، ومؤقت، وليس له قوة فعلية في سياق تنامي الانتاج الصناعي، علماً ان بعض الصناعات الخفيفة – لاسيما الغذائية منها – استفادت من الاوضاع الناشئة من جراء زيادة الاستهلاك بسبب تواجد اعداد كبيرة من النازحين السوريين على الاراضي اللبنانية، وكذلك زيادة التصدير الى سوريا بسبب تعطُّل الانتاج الصناعي السوري، وهذا لا يعتبر مؤشراً مهماً، لأنه موضوع استثنائي، ولأن تضرر القطاع في جوانب اخرى من جراء الاحداث السورية، كان اكبر من قيمة هذه الاستفادة.

ب – انعكاسات الازمة الكهربائية على الزراعة

برغم من الاهمال الذي يلاقيه القطاع الزراعي اللبناني من الجهات الحكومية، فإن حوالي 40 % من اللبنانيين، يعتمدون كلياً، او جزئياً، على ايرادات القطاع وما يتفرَّع عنه من صناعات غذائية، علماً ان الزراعة لا تستحوذ على اكثر من 6 % من الناتج الوطني الاجمالي، وان دلَّ الامر على شيء ، فإنما يدلُ على الخلل الواسع في توزُّع الثروة في لبنان.

انخفظت الصادرات الزراعية اللبنانية بنسبة 37 % من جراء الازمة السورية، لأن هذه الصادرات كانت تعتمد بشكلٍ رئيسي على الاراضي السورية للعبور الى الاسواق الخارجية. وسبب بعض الكساد في انواع من المُنتجات اللبنانية، رغم زيادة الاستهلاك المحلي. ومع ذلك يبقى الواقع المرير هو الغالب على الزراعة، من جراء عوامل عدة – أهمها انقطاع الكهرباء – بحيث يستورد لبنان من المنتوجات الزراعية والغذائية المُتفرعة منها، عشرة اضعاف ما يُصدِّر من هذه السلع.

زادت كلفة انتاج الكهرباء من المولدات الخاصة خلال السنوات القليلة الماضية 100 %، ذلك بسبب كلفة المحروقات التي تحتاجها هذه المولدات وبسبب صيانتها. وباتت كلفة المحروقات تشكل 60 الى 70 % من كلفة الانتاج[6]، خصوصاً في زراعة الخضروات التي تحتاج الى كميات كبيرة من مياه الري، التي بدورها تحتاج الى الكهرباء لإستخراجها من قاع الأرض، او من الانهر، لاسيما في البقاع، الذي يُعّدُ المنتج الأهمّ للزراعة اللبنانية.

لقد أفقدت كلفة الكهرباء المرتفعة القطاع الزراعي اللبناني قدرته التنافسية بين المتنوجات الزراعية في الدول المجاورة. فإضافةً الى حاجة الزراعة الى الكهرباء لتأمين مياه الري، فهي بحاجة لها للنقل، وللتبريد، وللتوضيب، وللتدفئة ، وللتخزين، وللتحويل الى صناعات غذائية صالحة لللإستهلاك، وفي كل ذلك كان الشحّ الكهربائي في لبنان عامل مُهبِّط لنمو الزراعة، ومؤثر أساسي على تخلفها، وعدم مواكبتها للمتطلبات العصرية للتنمية.

ج – ثأثيرات انقطاع الكهرباء على القطاع السياحي

عاشت السياحة اللبنانية كارثة حقيقية في العامين 2012 و 2013، واضطرَّت اكثر من 500 مؤسسة سياحىة الى الإقفال، وسجّل لبنان اكبر نسبة تراجع للعائدات السياحية – اذا استثنينا الدول التي تعيش حروب – بحيث بلغ التراجع 17,5 % في العام 2012، وفقاً لتقديرات منظمة السياحة التابعة للأمم المتحدة.[7]

وسبب ما سميَّ “بالكارثة السياحية” في العام 2013 ، كا ن – إضافةً الى استمرار انقطاع التيار الكهربائي – عدم قدوم المغتربين اللبنانيين بأعداد كبيرة الى لبنان من جراء اهتزاز الوضع الامني، والانقطاع شبه الشامل الذي حصل مع السياح العرب – وخصوصاً الخليجيين – بسبب تحذيرات دولهم من خطر القدوم الى لبنان، إضافة الى إقفال طرق الموصلات البرية في سوريا امام السواح اللذين يأتون بسياراتهم عن طريق البر، ومنهم بشكل خاص الاردنيون ، وقد انخفضت عائدات القطاع السياحي الى اكثر من 65 %  في العام 2012 وفقاً لتقديرات جهات مختصَّة[8]

أمَّا الانعكاسات السلبية على قطاع السياحة المُتأتية عن انقطاع التيار الكهربائي، وكلفة التيار العالية، فهي كبيرةٌ وتشمل اكثر من مجال.

تدفع المؤسسات السياحية، لاسيما الفنادق والمطاعم، فاتورتي كهرباء، الأولى لمؤسسة كهرباء لبنان، والثانية لأصحاب المولدات الخاصة، أو كمصاريف للموّلدات التابعة لهذه المؤسسات، مما يُشكلُ عبئاً ثقيلاً على هذه المؤسسات، يضاف الى ما تتحمله من خسائر في السنوات الاخيرة، من جراء تدني عدد السياح. والأعباء الناتجة عن تضاعف قيمة فاتورة الاستهلاك الكهربائي، ينعكس سلباً على الحوافز المتوافرة أمام القطاع، ويؤثر على إرتفاع أسعار السلع السياحية، من طعام وإيواء وترفيه، ويُقلّص من فرص إقامة الأعراس والمناسبات الفنيّة الاخرى.

وتبرز تأثيرات إنقطاع الكهرباء جليَّة على قرى الإصطياف الجبلية، من خلال العتمة الموحشة في الليل، وعدم توافر وسائل التكييّف في معظم أوقات النهار، مما يُفقدها جزءا اساسيا من رونقها الجمالي، ويحرمها من قيمتها التنافسية المُضافة.

وينعكس إنقطاع الكهرباء ايضاً وايضاً على بعض التراجع في جودة المنتوجات الغذائية من جراء سوء التخزين، مما يؤدي الى إتلافها، وبالتالي مراكمة الخسائر على أصحاب المؤسسات السياحية.

والتراجع في إنارة الطرقات والشوارع العامة معظم الليالي، يؤدي الى تقليص الحركة الليلية للسواح، مما يُخفِّظ من حجم إنفاقهم، ويحرم القطاع السياحي من ركن أساسي من اركانه، الآ وهو التجوّل الليلي لاسيما المشي على الأقدام.

الاوساط المتابعة تُقدر الكلفة الإضافية لفاتورة الكهرباء في المرافق السياحية، بما لا يقلّ عن 23 % من الكلفة الاجمالية للتشغيل.

د – انعكاسات انقطاع الكهرباء على الحياة العادية والخدمات

مما لا شك فيه بأن الحياة العادية للمواطن اللبناني ترزح تحت كابوس من المشقات المُتعبة، والمُربكة، والمُقلقة، من جراء التقنيين القاسي للتيار الكهربائي الحكومي، فحركيته الحياتية العادية مُكبَّلة بقيودٍ مُزعجة، لناحية عدم توافر امكانية القيام بالأعمال المنزلية في اي وقت يشاء، مثل “غسيل وكوي الملابس”، ودراسة الطلاب، وتسخين المياه، اضافةً الى الخلل الذي يحدث في التدفئة والتبريد في المنازل من جراء التقنيين.

ويتحمّل المواطنون اللبنانيون فاتوة باهظة من جراء إقتناء وتشغيل المولدات، او الإشتراك في شبكة المولدات الخاصة التي أنشأها بعض المُستثمرين في كافة المناطق اللبنانية، وهؤلاء يمارسون شكل من أشكال الإبتزاز المالي للمُشتركين، رغم التدخل المتواضع التي تمارسه وزارة الطاقة في عملية تحديد قيمة الاشتركات، والتي غالباً ما لا يتقيّد بها اصحاب المولدات، لأسباب واهية.

تُقدَّر فاتورة الكهرباء التي يدفعها رب المنزل العادي لأصحاب المولدات فقط، بما بين 165000 و 175000ليرة لبنانية شهرياً[9]، وكمية هذه الطاقة من المولدات لا تُمكنهُ من القيام بالاعمال المنزلية الكاملة، بل عادةً ما تقتصر على الإضاءة، وتشغيل التلفاز والاجهزة الالكترونية فقط.

وتتأثر الحياة العامة وقطاع الخدمات الى حدٍ كبير بإنقطاع الكهرباء، برغم وجود جزء كبير من قطاع الخدمات في مدينة بيروت التي تعيش ما يشبه الجنّة الكهربائية. فتأمين المياه العامة يحتاج الى الكهرباء، وتضطر المؤسسات العامة والبلديات لتأمين مولدات خاصة لهذه الغاية، مما يرفع الكلفة على المواطنيين، وعلى قطاع الخدمات والقطاع التجاري، كما ان تنظيم المواصلات واشارات السير تفتقد الى التنظيم بسبب عدم توافر الكهرباء لهذه الاشارات 24/24 ساعة، كذلك في عدم توفُّر الإنارة الليلية في المدن والقرى، التي بدورها تؤمن الإستفادة من الوقت لإنجاز بعض الاعمال.

اخيراً: لعلّ من المفيد إعادة التذكير بما قد يعرفه الجميع. أنه لا يمكن بناء لبنان حديث ومتطور وعصري، ويستفيد من مقوماته التفاضلية، في العِلم، وفي الخدمات المالية والصحية والتجارية، ولا يمكن للإقتصاد ان يتعافى في قطاعاته المتنوعة – الصناعية والزراعية والسياحية – من دون توفير الطاقة الكهربائية بكميات كافية، وبأسعار مدروسة ومُلائمة.

إن الاحتجاج بالظروف الأمنية والسياسية، وتحميل هذه الظروف مسؤولية الإخفاقات الكبيرة التي وقعت فيها الإدارة الحكومية المُشرفة على الكهرباء، هو تهرُّب من المسؤولية، وتنسيب في غير محلهِ. فهناك أخطاء واضحة يجب على وزراء الطاقة المُتعاقبين الإعتراف بها وتلافيها في المستقبل، كما أن هناك قُصوراً ادارياً عند القييمين على مؤسسة كهرباء لبنان يجب المحاسبة عليه. إضافة الى الخلل الواضح في تأخير تنفيذ خطة الحكومة التي أقرّتها في صيف 2011، ولم ينفّذ منها شيء رغم مرور اكثر من سنتين.

إن الظروف الأمنية والسياسية المُعقّدة، لم تَحُل دون قيام القطاع الخاص بتأمين النقص في كمية الطاقة المطلوبة من خلال المولدات.

لقد لجأت دول عديدة – لاتتمتع بالمؤهلات الإقتصادية والمالية التي يتمتع بها لبنان – الى إيجاد حلول لقطاع الكهرباء، وتطوير انتاجيته، وتمكَّن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، من إعادة التيار الى كل العراق بعد ان دمرته بالكامل القوات الاميركية عام 1991 خلال 7 اشهر (قبل دخول الاميركيين الى العراق)، كما أن الكهرباء في سيريلانكا التي تعاني من الفقر المُدقع، ومن الحرب الاهلية بين الحكومة وجبهة “التاميل”، افضل مما هي عليه في لبنان. وأمام لبنان فرص كبيرة للخروج من الازمة الكهربائية، لاسيما من خلال الهبات والقروض المُيسَّرة، أو من خلال خطة مُقيَّدة ومدروسة، تستند الى بناء معامل حديثة، تعمل بالطاقة المتوافرة (غاز أو فيول) ومن خلال الإستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتوافرة في لبنان. ووسائل بناء المعامل بأوقات قصيرة اصبح مُمكناً، وجربته دول عديدة، ومنها دول مجاورة للبنان. علماً أن وزارة الطاقة لم تقُم بالإستفادة من القانون الذي أُقرَّ في العام 2011 لحل مشكلة الكهرباء، ولم تقم بتبرير تقصيرها الفاضح حتى ألآن.

إنقطاع الكهرباء يسبّب كهربة الحياة الإقتصادية والمعيشية، وحتى السياسية في لبنان، فهل يحزم المسؤولون أمرهم قبل فوات الاوان؟

*استاذ في العلوم السياسية والقانون الدولي العام

-راجع القاضي انطوان الناشف، الخصخصة- مفهوم جديد لفكرة الدولة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2000، ص 184.[1]

www.edl.gov,lb-[2]

  • – تقرير البنك للعام 2002[3]

-www.lb.aliqtisad.com-[4]

-ميشال ضاهر، جريدة السفير اللبنانية، 26/8/2013[5]

– راجع جريدة السفير، 1/7/2008[6]

– www.lebanonnews.com-[7]

– راجع جريدة اللواء اللبنانية، 14/1/2013[8]

-راجع جريدة الجمهورية ، بيروت 25/2/2013[9]