كيف أثرت المتغيرات الإقليمية على الاستحقاقات السورية؟

منذ اعلان الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، الاتفاق على ترتيب مناطق خفض التصعيد في سوريا وخاصة جنوب سوريا على الحدود مع الأردن وفلسطين المحتلة، واتفقا على استكمال الحرب ضد “داعش”، تحولت الأنظار في الداخل السوري نحو الترتيبات الميدانية لتلك المناطق والحدود الجغرافية لحدود كل منطقة، بحيث تبدو المعارك الميدانية المتفرقة هنا وهناك، والتفاهمات أو المصالحات التي تتولى القيادة الميدانية للقوات الروسية مع الفصائل العسكرية للمعارضات السورية ممن شارك في الأستانة، أشبه بلعبة شطرنج تتوزع فيها المغانم وترتسم حولها خطوط تماس باردة الى حين نضوج تسوية شاملة في المنطقة.

يهلل بعض المقربين من حلفاء النظام في سوريا إلى أن ما يجري اليوم هو أشبه بعملية تنظيف داخلية، ويصف ما يجري على أرض الواقع بأنها: “مرحلة أخيرة من حلقات الصراع السوري حيث يستعد النظام لبسط سيطرته على كامل الأراضي السورية بعد الانتهاء من الحرب على “داعش”، لتبدأ بعدها عملية إعادة الإعمار للبلاد على قاعدة جديدة ودستور جديد يبقي الأسد خارج المنافسة بما فيها الانتخابية، بعد ان اعترف العالم له بإنجازاته وخدماته في الحرب ضد الإرهاب”، ويستطرد البعض منهم ليقول: “ألا ترى أنه لم يعد هناك من يتحدث عن جنيف إلا خجلاً”.

مصادر في المعارضة السورية كشفت لـ “الأنباء” عن اتصالات ومشاورات حثيثة تجري بعيدا عن الأضواء “بغية إنشاء جسد معارض موسع، يضم المنصات الأساسية للمعارضة والتي التزمت سقف وثيقة الرياض، وأوضحت أن الخلافات العربية لا سيما الأزمة الخليجية، أثرت على الأجواء التفاؤلية التي كانت سائدة، وأن الدور التركي الأخير أثر أيضا على مواقف بعض الأفرقاء، وأن الأنظار تتجه نحو مباردة ما قد يطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذا الخصوص”.

ورأت المصادر أن “ضبابية الموقف الأميركي ضاعفت من حجم التحديات التي تواجهها المعارضة لا سيما القرار الأخير للرئيس دونالد ترامب الذي قضى بوقف الدعم العسكري للمعارضة السورية، والذي اعتبرته المصادر بمثابة تسليم براغماتي للواقع العسكري الجديد الذي تفرضه روسيا على الأرض، والذي يؤسس لتهدئة طويلة المدى في سوريا، تتفرغ فيها الأطراف  لتصفية حساباتها الداخلية والتخلص من القوى المتطرفة “داعش” و”النصرة”، وإعادة هيكلة جديدة محلية ومناطقية للمعارضة، ما يمكنها الانخراط في تسوية سياسية قابلة للبقاء”، ورأت المصادر ان ما جرى في عدد من المناطق من مصالحات وتفاهمات اما بين فصائل المعارضة، أو بين الفصائل وبعض القوى المدعومة من النظام برعاية روسية او تركية، تهدف الى انتاج زعامات محلية تقود المرحلة المقبلة، وسط أجواء التهدئة التي قد تطول دون أي حلول جذرية”.

المعارضة السورية المسلحة

المصادر أبدت خشيتها من أن التطورات المتلاحقة التي عاشتها الازمة السورية في السنوات الأخيرة تبدو وكأن كل حدث جاء ليلغي ما قبله، بحيث ان الحديث عن جنيف بات بعيدا وتراكمت عليه أحداث ومشاريع جديدة، مضيفة “جنيف أصبح  وراءنا منذ فترة طويلة، الأستانة اطلقت رصاصة الرحمة على جنيف، واتفاقيات الأردن اطلقت رصاصة الرحمة على أستانة، وهذه الاتفاقيات التي رسمت ما يسمى بمناطق خفض التوتر، والتي هي اشبه بمناطق نفوذ للقوى الدولية والإقليمية على الأرض السورية، وهذا ما بدأ يرتسم على أرض الواقع، حيث اصبحنا أمام ستاتيكو جديد لم تكتمل عناصره النهائية بعد، لناحية حدود مساحة النفوذ الكردي، والدور الإيراني المستقبلي في سوريا”.

في هذا السياق، كثفت تركيا من مشاوراتها مع روسيا وإيران، بغية انجاز اتفاق جديد لتفعيل منطقة “خفض التوتر” جديدة في إدلب التي باتت تحت سيطرة جبهة “النصرة”، وبشأن تمدد وحدات حماية الشعب الكردية السورية غرب نهر الفرات بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، والذي تعتبره تركيا تهديدا كبيرا وخطرا على مستقبل سوريا وعلى أمن تركيا في الوقت ذاته.

تركيا

مصادر تركية عسكرية كشفت لـ “الأنباء” ان أنقرة تسعى إلى “إنجاز اتفاق مع كل من موسكو وطهران بشأن تفعيل منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتحديد القوات التي ستشارك في حمايتها وتأمين الوضع الإنساني وعدم تدهوره بما يؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين باتجاه تركيا، وإن روسيا تتفهم حساسية تركيا فيما يتعلق بالميليشيات الكردية وإن بلاده مستعدة لجميع السيناريوهات بما فيها العسكرية في لحماية أمنها القومي”.

وعن مستقبل المعارضة السورية الحالية والمبادرة الفرنسية أوضحت مصادر المعارضة السورية أن “المعارضة في مرحلة انتظار لمصالحة خليجية – عربية، تبلور مصالحة داخلية للمنصات المختلفة (الرياض – القاهرة – موسكو – إسطنبول)، وانتظار حدث إقليمي يقلب الموازين الميدانية ويعيد ترتيب الأمور والصفوف، وقد لا يحدث”، وعن المبادرة الفرنسية قالت المصادر “أما المبادرة الفرنسية إذا وجدت، ستعتمد على التوافقات الدولية وليس على مصالح السوريين، وهي تهدف إذا وجدت لإعادة إحياء الدور الفرنسي في اقتسام الكعكة السورية، ولسحب صلاحيات المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا الذي اثبت انه غير قادر على احداث أي خرق سياسي في الملفات الثلاث الذي يكثر الحديث عنها، (مبادئ الحل السياسي – آلية صوغ دستور جديد – تشكيل هيئة الحكم الانتقالي)، خاصة انه يعمل بطريقة مملة ترتكز على مسايرة ومهادنة النظام”.

دي ميستورا

بدوره المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، توقع أن يكون شهر تشرين الأول المقبل شهرًا حاسمًا للقضية السورية، وقال دي ميستورا في مؤتمر صحافي، أنه سيعقد في تشرين الأول المقبل مؤتمرًا لتنظيم المعارضة المستقبلية، مشيرًا إلى وجود مباحثات جادة بين الهيئة العليا للمفاوضات ومجموعتي القاهرة وموسكو.وأشار إلى أنه ستتاح فرصة مهمة للمعارضة من أجل إعادة تنظيم صفوفها، مشيرًا إلى حاجتها لوقت من أجل الوصول إلى مقاربة شاملة. وأمل المبعوث الأممي إجراء محادثات أستانة في أوائل أيلول المقبل، إذ من المتوقع أن تستأنف بعدها المفاوضات السياسية في جنيف، معلنًا تأجيل المشاورات الفنية قبل المفاوضات في جنيف لتمكين المعارضة من التوصل إلى رؤية واضحة لخوض الحوار.

وكان بعض المقربين من دي مستورا قد أشاعوا في الفترة الأخيرة أجواء عن اقتراب الحل في سوريا، بعد اتفاقيات مناطق “خفض التوتر”  في درعا وريف حمص الشمالي والغوطة، وعن توافقات دولية تشرع الوصول إلى حل سياسي.

*فوزي ابو ذياب- “الأنباء”