الحركة النسائية العربية تفقد المناضلة السودانية فاطمة ابراهيم

خسر الشرق الأوسط عموماً والسودان خصوصاً “عميدة البرلمانيات العربيات” فاطمة أحمد ابراهيم، التي توفّيت السبت الماضي في العاصمة البريطانية لندن، عن عمر ناهز 85 عاماً، وذلك بعد صراع طويل مع المرض.

وبرحيل فاطمة ابراهيم، يخسر العالم العربي قدوة في العمل النسوي الفعّال وفي النضال الحقوقي الإنساني المشرّف من إمرأة عرفت كيف تتخطّى قيود الجهل والتعصّب التبعية لتقود ثورة نسائية بكل ما للكلمة من معنى. يكفي أنها أول إمرأة انتُخبت عضواً في برلمان في الشرق الأوسط عام 1965. وهي صاحبة مسيرة نضالية كبيرة في مجال العمل النسوي في السودان، حيث أسّست الإتحاد النسائي، وكانت من أشهر الناشطات في مجال حقوق الإنسان والمرأة والسياسة ببلادها.

ولدت فاطمة أحمد إبراهيم في الخرطوم عام 1932 من أبوين متعلمين، كان جدها لأبيها قاضياً في عهد المهدي قبل الاستعمار، وكان جدها لأمها نائبا له، وكلاهما كان متعلماً ومتديناً.

 

تظهر سيرة فاطمة ابراهيم حجم الدور الذي لعبه مستوى جدّيها العلمي والثقافي في نشأتها وفي تكوين شخصيّتها المنفتحة بفضل أبويها والتربية التي تلقّتها على العلم والمطالعة والقراءة والإنفتاح على أفكار شيوعية متحرّرة من العادات والتقاليد المقيّدة لحرية المرأة ودورها في الحياة والمجتمع.

ففي إحدى مقابلاتها التلفزيونية، قالت ابراهيم “كانت أمي تحب القراءة، وتواظب ووالدي على قراءة الصحف، وبالبيت مكتبة كبيرة عامرة بكتب مختلفة ودينية، وكان النقاش يدور بينهما حول المسائل السياسية”، وأضافت “أمي لم تكن تسمح لي أن أقف أمام المرآة سوى لمحة من البصر، وتقول لي جمالك ليس وجهك ولا في شعرك، جمالك هو ما يحتويه رأسك من معرفة” مشيرة إلى أن دور الأم كان أساسيا في “تحبيب القراءة لنا”.

ومستفيدة من بيئة نشأتها وسط أسرة مثقفة، سعت فاطمة ابراهيم إلى تغيير الواقع. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء الاتحاد النسائي. وهي المرحلة التي وصفتها فاطمة في إحدى كتاباتها بالقول “تكلمت مع صديقاتي حول ضرورة أن تتكاتف النساء ونضع أيدينا مع بعض لنغيّر وضع المرأة ونقضي على العادات الضارة التي تقلل من قدرها، ولذلك فكّرنا عام 1952 بتكوين الاتحاد النسائي وكوّنّاه” مع مجموعة من القيادات النسائية الرائدة”.

IMG-20170815-WA0041

عام 1954 انضمت فاطمة ابراهيم للحزب الشيوعي، وبعد فترة صارت عضوة باللجنة المركزية للحزب ودرست مكانة المرأة في الدين الإسلامي.

في رئاستها للاتحاد النسائي سنة 1956-1957، حرصت الناشطة الحقوقية على المحافظة على استقلال الاتحاد من أي نفوذ حزبي أو سلطوي معين، وناضلت من أجل تعزيز دور ومكانة المرأة السودانية في المجتمع، وأنشأت مجلة “صوت المرأة” التي أسهم في إنشائها عدد من أعضاء الاتحاد النسائي، وأصبحت رئيسة تحريرها.

في ظل الحكم المدني بعد 1964، انتخبت فاطمة أحمد إبراهيم عضوا في البرلمان السوداني، وبذلك تكون أول نائبة برلمانية سودانية، وناضلت من قبة البرلمان مدافعة عن حقوق المرأة.

وبعد فشل انقلاب 1971 الذي قاده هاشم العطا مع مجموعة من الشيوعيين ضد نظام جعفر النميري، أعدم زوج فاطمة (نائب رئيس اتحاد عمال العالم النقابي الشفيع أحمد الشيخ) في حين وضعت هي في الإقامة الجبرية لمدة عامين ونصف العام، وكانت تعتقل من وقت لآخر!

انتقدت فاطمة الأوضاع السياسية والاقتصادية للسودان ما بعد الاستقلال، بعد تجربة مريرة، اضطرت لمغادرة البلاد عام 1990 وواصلت نضالها في المهجر بتنظيم الندوات والمظاهرات وترتيب قافلات السلام إلى جنوب السودان وغيره.

وفي محطة هامة من مسارها النضالي، اختيرت رئيسة للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي عام 1991. وهذه أول مرة تنتخب فيها امرأة عربية أفريقية مسلمة ومن العالم الثالث.

ألفت فاطمة أحمد إبراهيم عدداً من الكتب من بينها “حصادنا خلال عشرين عاما”، “المرأة العربية والتغيير الاجتماعي”، “حول قضايا الأحوال الشخصية”، “قضايا المرأة العاملة السودانية”، و”آن أوان التغيير ولكن”، بالإضافة إلى مقالات في عدد الصحف والدوريات.

(الأنباء)