إلى أنور الفطايري مع الحب والتقدير

وهبي أبو فاعور

في 10 آب 1963 كنا عائدين رفيق زين الدين وأنا من زيارة إلى بطمة الشوف ملبيين دعوة العريف ملحم زين الدين إلى يوم عطلة حافلٍ بالأطايب والفرح، وكان المرحوم ملحم عريف خيمتنا في مخيم بيت الدين للتدريب العسكري الذي كانت تقيمه  وزارة الدفاع الوطني للمرشحين إلى البكالوريا القسم الأول فيما كان طلاب القسم الثاني يتدرّبون في منحدرات ضهر البيدر، يومها كانت التراتبية العسكرية والإنضباط يجمعان الطلاب من كل لبنان لإقامة دورة مشاة والتعوّد على التقشف واستعمال السلاح كانت حينها أمرة سريتنا مناطة بالملازمَين بديع طربيه وحسين عواد وكنا من كل لبنان نلتقي على مبادئ العدالة والقيم التي يعطينها إياها المدرّبون المدنيون والرتباء العسكريون وما أن اجتزنا الجسر باتجاه الجديدة حتى نادانا شاب يحمل مجرفة بيده ويسقي جلول الإجاص بالمياه الجارية بالتحية فرددنا بمثلها والتقينا على الحائط الوسيط وتجاذبنا أطراف الأحاديث عمّن نكون وأين كنّا وهل الدورة صعبة لأنّه سيخضع بعد 15 يوماً لدورة مشابهة، أحاطنا الفتى أنور الممتلئ صحةً وقوةً وهيبةً ودماثة بكل محبة وأبى إلى أن يزودنا بكمية من الإجاص الميروبي ويعبئ لنا الشنطات التي كنّا نحملها في أكتافنا ودعانا إلى المبيت في داره وطاب الحديث عن البكالوريا والعلامة اللاغية ومستوى مدرسة الرسل في جونية التي يدرس بها وتواعدنا على أن نلتقي.

أنور الفطايري

وبعد سنة في تشرين الأول 1964 إلتقينا وكنّا نتقّدم لإمتحان دخول إلى دار المعلمين والمعلّمات العليا في الأونيسكو التي صار إسمها كلية التربية وتبادلنا ما بين المسابقات في أمورٍ عامة وخاصة فقبل هو في اختصاص الرياضيات فيما لم يحالفني الحظ في امتحانات اللغة العربية ولكنّه يوم عامر بالصداقة والود وخبايا المستقبل وحب الدار التي كان له فيها عمّه أبوفريد حارس من حرّاس هيكلها أعني دار المختارة. وقضينا الأوقات الحلوة بين كلية التربية ومعهد العلوم الإجتماعية حيث يسعفنا قرب الأمكنة باْختصار اللقاءات.
لم تكن الإتصالات متيسرة كما في وقتنا الحاضر حتى التقينا في 14 تشرين الثاني  1968 في مفوضية الطلبة والرياضة والشباب في مركز الحزب، وكان الإجتماع برئاسة المفوّض المرحوم نزيه يمين تأييداً للحركة الطلابية التي كنّا جزءاً منها ولم تكن الأطر التنظيمية لطلاب لبنان قد وجدت بعد إلا في إطار كليات الجامعة منفردة حيث حيينا في بداية اللقاء شهيدي الحركة الطلابية مازن المرعبي من حلبا وإدوارد غنيمة من صور وكانت مهمتنا تشكيل وفد للمشاركة في تأبين المرحوم الشهيد مازن المرعبي في حلبا حيث انطلق تجمعنا باكراً بنقليات الأحدب إلى طرابلس ومنها بميني باص إلى حلبا حيث كان للمرحوم أنور كلمة موفقة على حجم نبوغه  وآماله وتطلعاته.

الفطايري2
أذكرك اليوم يا أنور في ذكرى لقائنا الأول الذي استمرّ في ميادين الحزب 26 عاماً كان فيها الحلو و كان فيها المر ولكنّها كانت موفقة ورابحة في معظمها واليوم في ذكرى المصالحة الثانية غير تلك التي زفّتك شهيداً للوطن كلّه، المصالحة يا أنور بلغت سن الخطوبة أي السادسة عشرة ولها خطّابها وحاسدوها ولكنّ عصمتها مصونة في رعاية البطريرك صفير أطال الله بعمره والرئيس وليد بك أمدّ الله بحياته.
في الذكرى سلام الله عليك وعلى منبتك وأرومتك على شجاعتك وإقدامك على قيادتك ومحبتك وأظن أن نصيحتك هي الحيّة والصائبة والفاعلة اليوم: إنّ المناطق الصافية مقتل رهيب لكل أسباب وجود لبنان من تنوّع وتعدّد.

رحمك الله يا رفيقي ورحم من قضى معك وكل شهداء النضال.
(الأنباء)