لبناني أنا!
محمود الاحمدية
10 أغسطس 2017
لا أعرف لبنانكم أيّها السادة.
ولا أريد أن أعرفه.
لبنان الفساد، والكهرباء الغائبة، والنفايات السائبة على الطرقات، وفي البحر والوديان، لبنان الـ 8000 عائلة ملياردرية تمصّ دم شعب بأكمله، لبنان احتراق الأعصاب بمجرد أن ترى الشارع مزدحماً حتى الاختناق لمجرد حدوث حادث بسيط، لبنان الطرقات المتهالكة العتيقة المنهكة يومياً بمئات ألوف السيارات والشاحنات، ولا رؤيا ولا تخطيط، لبنان المتوجّه نحو التصحّر واليباس، لبنان السقوط من 63% من الأخضر إلى 13% خلال نصف قرن وما زالت أرزتنا تزيّن علمه رمز عنفوانه، لبنان باختصار شديد سياسة اللامنطق السائدة في كل زاوية من زواياه، لبنان الذي غيّبوا فيه كل رجل دولة وكل كبير صاحب رؤيا ومعتدل وكانت جلجلة قوافل الشهداء، لبنان التوك شو السياسي المخجل حتى الإذلال، لبنان البيوت العتيقة والفقر المدقع…
أنا أعرف لبناناً آخر… لبناني أنا… لبناني أيّها السادة، كان صبياً صغيراً حالم العينين يأكل مناقيس الزعتر وينام على وقع الميجانا ويصحو فيرقص الدبكة… لبناني كان ترسانة كتب ومصنع شعر وسفراً في النجوم وموعداً تاريخياً مع الإبداع…
لن تأخذوا مني لبناني… بكل أحزابكم وطوائفكم وبنادقكم وسياراتكم المفخخة…
لن تأخذوا مني رعشة الحب البريء الأول في حي من أحياء بيروت الحسناء…
ولن تأخذوا مني خطواتي الأولى الحذرة على الثلج الأبيض النقي في الأرز العتيق ولا القصيدة التي كتبتها على شجرة صنوبر…
لن تأخذوا مني المطعم الذي يغني فيه شيخ عجوز ولا بائعة الفل التي تنطرني كل مساء على باب المقهى، ولا خرير مياه الباروك ولا غنج مدينة زحلة والبردوني ولا ضجة البسطة مع الناس الطيبين، ولا إغراء الروشة ولا دراق شتورة ولا كرز حمانا ولا تفاح الجرد العالي ولا الطلة الحضارية البيئية في الشوف الجميل، ولا عنب مغدوشة ولا زيتون غريفة وشارون، ولا كورنيش صوفر، ولا دلال عاليه…
لبناني أيّها السادة لم يمت ولكنّه سافر في رحلة مؤقتة من أجل ما فيه إلى أبشع ما فيكم… ولكنّه سيعود…
وذات صباح والثلج الأبيض يتساقط على الأرز العتيق سأجد في انتظاري صبياً لبنانياً صغيراً حالم العيون يأكل مناقيش الزعتر ويهتف بي: أهلين! اشتقنالك!.
*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود
(الأنباء)