أخطر مُربع في الصراع

د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

الإجراءات العدوانية التي تُنفذها سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» على مداخل المسجد الأقصى في القدس؛ تُعتبر حلقةً قاسية من حلقات الغطرسة، وقد تؤدي إلى تفاقُم الأُمور إلى الحدود التي يمكن أن يستحيل ضبطها في المستقبل. ورئيس جهاز الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج، وصف الوضع بأنه المربع الأخطر في الصراع العربي – «الإسرائيلي».
كانت حجة قوات الاحتلال في فرض الإجراءات الجديدة؛ العملية التي نفذها ثلاثة من الشبان الفلسطينيين ضد ضباط من الشرطة في الساحات الخارجية للمسجد في 14 تموز/ يوليو، وأدت إلى استشهاد الشبان ومقتل اثنين من الشرطة. ولأن النوايا «الإسرائيلية» دائماً تحمل الخبث والسُقم؛ كان أفراد الشرطة من الذين يخضعون للتجنيد الإجباري من عرب العام 1948، والهدف بطبيعة الحال إحداث فتنة بين العرب.
الأعمال العدوانية «الإسرائيلية» شملت هذه المرَّة؛ منع المُصلين من الدخول إلى المسجد نهار الجمعة الماضية، واعتقال إمامه عكرمة صبري لمدة من الزمن لأنه تحدى قوات الاحتلال ورفض تعليماتها. وأهم من كل ذلك؛ كان تركيب كاميرات مراقبة أمام المسجد الأقصى وفي ساحاته، ووضع بوابات للكشف الإلكتروني، وإلزام المُصلين على الدخول عبرها قبل تأدية الصلاة.
رفض المصلون الفلسطينيون هذه الإجراءات، كما امتنعوا عن دخول المسجد عبر البوابات، وأدوا الصلاة في الباحات الخارجية في نهار الغضب الذي دعت إليه الجمعيات والتنظيمات العربية الفلسطينية نهار الأربعاء في 19-7-2017.
ردود الفعل على العدوان «الإسرائيلي» الجديد على الأقصى كانت واسعة جداً في الداخل الفلسطيني، وعلى المستوى العربي والإسلامي، وفي أنحاء العالم، ذلك لأن وضع اليد على المسجد الأقصى ومحيطه؛ يُعتبرُ طموحاً لقوات الاحتلال، عمِلت في سبيل تحقيقه في الماضي من خلال عمليات عدوانية، وعبر اقتحامات مُتكرِرة، منها على سبيل المثال: رفع الجنرال موردخاي غور ومرافقوه العلم «الإسرائيلي» فوق مآذن المسجد عند احتلال القدس في 7 يونيو/ حزيران 1967، مُدعياً زوراً وبهتاناً أنه أرضاَ «إسرائيلية»، وكذلك عندما دخل الإرهابي إريل شارون إلى المسجد في الاقتحام العدواني الشهير عام 2000، وأدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية العارمة في وجهه.
يعرف العرب والمسلمون عامة، والفلسطينيون على وجه الخصوص؛ أن الهدف «الإسرائيلي» لا يقتصر على حفظ الأمن في المسجد وفي محيطه كما يدعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بل الهدف الحقيقي هو السيطرة الكاملة على المسجد وساحاته تمهيداً لهدمه، وبناء «هيكل سليمان» مكانه، وفقاً لدعوات المُتطرفين من الحاخامات الذين يعتبرون أن تلك الادعاءات العدوانية؛ استحقاقات دينية موعودة (على حدِ زعمهم).
ملكية المسجد الأقصى تعود للأوقاف الإسلامية، والمُنشآت عليها روائع مُدرجة على لائحة التراث العالمي وفقاً لقرار منظمة اليونيسكو، والمنظمة اتخذت قراراً واضحاً في 18/10/2016، يعتبر الأقصى بكامله – بما في ذلك باب المغاربة و«حائط المبكى» – مُقدسات إسلامية خالصة. وقد وصلت منظمة اليونيسكو إلى هذه الحقيقة بعد إجراء عدد كبير من الاختبارات والفحوصات على المباني والجدران، وكلها موسومٌ عليها الحرف العربي في الكتابات وفي التواريخ.
الوحشية «الإسرائيلية» على أبواب الأقصى؛ تحمل الكثير من المخاطر، وهي تُهدِد بانتاضة عربية شاملة قد تتجاوز في تأثيراتها الانتفاضات السابقة، كما أن الحكومات العربية استنكرت إجراءات الاحتلال، وحذَّرت «إسرائيل» من تفاقُم الوضع أكثر فأكثر، إذا لم تتراجع عن موقفها. ولعلَّ التحذير المصري ل«إسرائيل» يعتبر الأول من نوعه منذ فترةٍ طويلة، وقد يجرُّ الاستهتار «الإسرائيلي» إلى تداعيات غير محسوبة.
دعوة الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضبط النفس، وإلى الهدوء، تضمَّنت دعوة واضحة «لإسرائيل» لاحترام التعهدات الدولية، على اعتبار أن إدارة المقدسات الإسلامية في القدس؛ من مسؤولية السلطات الأردنية، ولا يحق لقوات الاحتلال الدخول إلى هذه الأماكن، أو محاولة فرض أنماط جديدة عليها.
المربع الأخطر في الصراع؛ يدفع باتجاه توحيد الرؤية لدى مُختلف الفصائل الفلسطينية التي تنضوي داخل إطارات السلطة، والتي هي خارجها. والمسؤولية الوطنية والعربية تفرض الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الذي هبَّ للدفاع عن المُقدسات بالصدور العارية، وهو يرفض القمع والعدوان.
لقد تجاوزت «إسرائيل» كل المُحرمات في مسِّها الوقح بالمقدسات. وإعلان حكومتها: أن الإجراءات هي بهدف حماية المُصلين؛ لا تُقنع أحداً.! المجتمع الدولي مدعو للتصدي للغطرسة «الإسرائيلية» منعاً لتفاقُم الوضع بشكل واسع هذه المرة، وقد يُهدِد بجولات من العنف غير محسوبة النتائج. – See more at:

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الخليج الإماراتية)

واشنطن وبكين وبحر الصين الجنوبي

إدلب والحسابات الاستراتيجية الدولية

مصر والتوازنات الاستراتيجية الجديدة

موسكو تحصد نجاحات غير متوقعة

قرية «بانمونجوم» ومستقبل المخاطر النووية

العدوان المتجاوز كل الحدود

سكريبال والحرب الدبلوماسية الساخنة

عن العقيدة السياسية للدول الكبرى

لماذا صواريخ «إس 400» في جزيرة القرم؟

روسيا في العام2017

الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة

استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط

استفتاء كردستان ليس حرباً عربية – كردية

أفغانستان الجريحة

مؤشرات التطرُّف المُقلِقة

توازن الرعب في أقصى الشرق

الموصل مدينة العذابات الكبرى!

واشنطن وبيونج يانج و«الصبر الاستراتيجي»

جُزُر الكوريل وتوترالعلاقات الروسية اليابانية

إعادة خلط الأوراق في العلاقات الدولية