عن إنقسام اللبنانيين حول معركة جرود عرسال! /بقلم فؤاد طربية

ليست المرة الأولى التي ينقسم فيها اللبنانيون على خلفية أحداث محلية أو إقليمية، إنما ما ميّز إختلافهم على مبدأ وتفاصيل معركة جرود عرسال بالأيام المنصرمة، منذ بدء المعركة، أن الإنقسام لم يكن عامودياً كما جرت العادة، بل صادفنا العديد من الذين أيدوا المعركة ومن الذين إستنكروها ينتمون لبيئة مناطقية وحزبية واحدة، لا بل ظهر الإختلاف ضمن البيت الواحد…

خلفيات الاختلاف بين الفئتان ظاهرة وجلية ومنها مبررة حسب رؤية وموقع كل منهما؛
*فئة تعتبر أن ليس جميع المسلحين المتواجدين في جرود عرسال هم إرهابيون، وفِي حال وُجب تحرير تلك الأرض اللبنانية فهو واجب وطني، على الجيش اللبناني أن يقوم به منفرداً وله وحده أن يحدد توقيت المعركة وأن يخوضها دون مساعدة أو تنسيق مع أي قوى داخلية كانت أم ”شقيقة”، خصوصاً تلك القوى المتهمة من قبل المجتمع الدولي باستخدام أسلحة كيماوية أو المصنفة إرهابية دولياً..

رفض هذه الفئة للمعركة نابع عن قلقهم من تبعاتها وآثارها الجانبية على النازحين السوريين وعلى أهالي عرسال اللبنانيين وعن إعتبارهم بأن الطريقة التي أُعطيت بها المُهل للمسلحين و قُرِرَ توقيتها وتسميتها، ”الثأر للامام الصادق”، كله مفعم بالتحدي للشريك الاخر بالوطن و للدولة وفيه إنتقاص كبير من هيبتها وله تأثير على الشراكة الوطنية والاستقرار العام،

وهؤلاء مصرين بأن قلقهم لم يأتي من فراغ، بل من عدة وقائع سابقة أثبتت لهم أن ‘المقاومة’ لطالما استغلت نفوذها ووظفته في السياسة الداخلية وفرضت مشيئتها وقراراتها على مفاصل أساسية في الحياة السياسة اللبنانية، منها؛ تعيينات أمنية، تأليف وإسقاط حكومات، إقفال المجلس النيابي، قانون الانتخابات النيابية وأخيراً وليس آخراً عطلت إنتخاب رئيس للبنان إلى ان فرضت شخصاً في قمة الهرم..

ويتساءلون ”كيف بالحرى ستوظِف ‘المقاومة’ النفوذ الذي ستكتسبه بعد إنتصارها المتوقع في معركة جرود عرسال ولماذا تزامن الترويج عمداً أو صدفةً لمقولة سبق لبشار الأسد أن أطلقها إبان تلقيه الدعم العسكري من إيران؛ ”سوريا هي ملك لمن يحميها ويحررها” مع بدء المعركة!

كما وهنالك خشية من قبل الفئة الرافضة على سلامة النازحين السوريين الموجودين في عرسال وجرودها الذين يقدر عددهم بأكثر من مئة ألف نازح، ناهيك عن الخطر الذي قد يتعرض له أهالي البلدة…

عدا عن أن بعض متطرفي هذه الفئة المنتقدة والرافضة لمعركة جرود عرسال يثيرون مسألة يعتبرونها أساسية ومحقة، ألا وهي شرعية اي سلاح خارج سلاح الدولة وخصوصاً عند وجود هذا السلاح خارج جغرافيته الطبيعية أي في جنوب لبنان.
*أما الفئة المقابلة فهي تؤيد المنفذ أياً كانت معركته وبجميع اشكالها ومهما كانت آثارها الجانبية وتوقيتها والاستراتيجية المتبعة والتنسيق القائم بينها وبين اية جهة يختارها، وذلك نتيجة ثقتهم التامة بكل ما خصّ القائمين على المعركة وقراراتهم. كما وأنهم يعتبرون أن تأمين الحدود الشرقية واجب وطني تقوم به ‘المقاومة’ نيابةً عن جميع فئات الشعباللبناني، لا بل يعتبرون أنه واجب على كل مواطن أن يؤازر ويدعم ويشكر وينحني ‘للمقاومة’ تقديراً لفضلها وتضحياتها…
اذاً شهدنا اعتبارات ومخاوف وتأييد وإمتعاض وآراء غزيرة ومتناقضة طُرحت ونوقشت وكُتبت وصُرح بها مع بدئ المعركة ولغاية اليوم لكنها بقيت نسبياً ضمن السقف المقبول لآداب التخاطب والانتقاد المعتدل والموضوعي، مما أدى إلى انقسام غير حاد أي غير عامودي كالذي عهدناه في محطات سابقة، و كل فئة عبرت عن آرآئها باعتدال مرحب به…
إلى أن تفاجأنا بالأمس بمقال لكاتب، سيّد ومؤيد للمعركة، لا بل شبه ناطق بإسم منفذيها، يتوجه به إلى الفئة التي تعارضها بعبارات نابية غير مألوفة في صحافتنا المكتوبة ولا المرئية، مثل؛ خونة، عملاء، تافه، حقير، تكفيري و عميل. كما وتوجه الكاتب السيّد بتهديد مباشر لبعض رموز تلك الفئة قائلاً: ”وليس علينا سوى التعامل معهم على أساس أنهم عملاء وخونة” قاصداً سعد الحريري وسمير جعجع وفارس سعيد ومعين المرعبي الذين ذكرهم بالأسماء في مقاله!

فعجباً لأسلوب هذا الكاتب الذي يعتبر متمرساً ومثقفاً وراقيٍ ويفترض به أن يلتزم بتوجيهات وإستراتيجية مُشغلهُ الذي سبق له أن دعى ”للتهدئة في الداخل و لنتقاتل في الخارج” أي في سوريا.

فإذا كان المقال هفوة أو نابع عن نشوة، ولديه نية الرجوع عنه فأستذكر شعراً ورد فيه ”غلطة الشاطر بألف وأنت سيّد العارفين”.

أما العجب فقد يزول، مع تفاقم القلق والتشاؤم، اذا كان مقال الكاتب السيّد تنفيذاً لتوجيهات السيّد!
(الأنباء)