فاتن المصري: من امرأة عادية إلى “خلية نحل”!

تعتبر تربية النحل مهمّة صعبة، وتكاد تبدو شاقّة، لا بل مستحيلة بالنسبة للعنصر النسائي، وسط مخاوف النساء من هذه الحشرة الشرسة نوعاً ما، ناهيك عن الأفكار المسبقة حول صعوبة مجال تربية النحل وإنتاج العسل، والجهل حول طبيعة هذه المهمّة التي يقبل عليها البعض من باب الهواية أو الفضول، ويتقنها البعض الآخر كمهنة ومصدر رزق.

8

أما بالنسبة لرئيسة لجنة المرأة في اتحاد النحّالين العرب فاتن المصري، فإن تربية نحل العسل تطوّرت عندها من فضول وشغف بسبر أغوار خلية النحل وفكّ رموزها وشيفرات عملها، إلى تعلّق بتربية النحل ومعاملته وقطف “ثماره” خليّة بعد خليّة، حتّى انتقل الأمر بها من خليّتيْن في بداية الطريق إلى 300 خلية جمعتها المصري بالصبر والتفاني وعرق الجبين، تحت لواء مؤسّسة شرعيّة تديرها وزوجها الذي انضمّ إليها لاحقاً، وترى فيها متعةً لا توصف، ومصدر رزق غني لتأمين حياة كريمة ولائقة لها ولعائلتها.

IMG9
بهذه السطور القليلة يمكن اختصار عالم فاتن المصري المطعّم بنكهة العسل الطبيعي والصحي والمفيد بكافة المقاييس والمعايير، وإن كانت الكلمات تعجز عن حدّ طموحها بتوسيع مؤسّستها وزيادة فروعها ليتخطّى عدد خلايا النحل عندها الآلاف!

IMG-20170724-WA0050

بدأت المصري رحلتها مع تربية النحل بنزعة فضول. وكالحب من النظرة الأولى وجدت نفسها مغرمة بهذه الحشرة الخلّاقة والمنتجة، فاستعانت ببعض الكتب لتتعلّم منها تفاصيل تربية النحل.. بعدها كان القرار بأن تقتني خليّتيْ نحل لتؤمن ما يكفي عائلتها من مؤونة العسل.. وكانت بداية الطريق.

لاقت اعتراضاً كبيراً من محيطها، وفي مقدّمهم زوجها، الذي أبدى حرصاً عليها من هذا العمل الشاق بنظر كثيرين، إلا أن إصرارها ساعدها، بالإضافة الى نصيحة طبية بأن تكثر من الخروج في أحضان الطبيعة لتتغلب على أزمة نفسية عصبية كانت تمر بها نتيجة مرض طفلها. تجزم فاتن بأنه لولا مرضها لما كانت عائلتها الصغرى تقبّلت رغبتها الملحّة بتربية النحل، خصوصاً أن مجتمعنا الشرقي يميّز في الأدوار بصورة نمطية بين المرأة والرجل، ومهمّة تربية النحل لم تكن يوماً مقبولة للنساء لعدة اعتبارات أولها أنها مصنّفة كعمل شاق، وثانيها أنها قد تهدد المرأة بلسعات موجعة وغير ذلك. إلا أنها تحدّت اعتراضات البيئة المحيطة بها، وكان شعارها دوماً أن “لسعة النحل وإن كانت موجعة لكنّها دواء للإنسان، أما لسع ألسنة البشر فهو داء موجع .. وبلا دواء”!

IMG-20170724-WA0054

تعترف فاتن بأن بداياتها العملية مع النحل كانت أصعب من مرحلة الاطلاع عبر الكتب، وقد واجهتها صعوبات وتحديات كثيرة لا تتعلق بكونها امرأة بقدر ما تتعلق بتفاصيل تربية النحل ومراحل اتقانه، لكن بالإصرار والتفاني والشغف المتنامي بتربية النحل، توسّعت من خليّتيْن إلى 75 خلية، ثم أتقنت عملها كمهنة فوصل عدد خلايا النحل عندها إلى 300 قفير أو خليّة، وأصبحت لديها مؤسّستها الإنتاجية التي تشرف عليها وتديرها عن كثب ولا تتوانَ عن بذل الجهد والتعب في معاملتها بنفسها.

ولأن تربية العسل فنّ سهل، ممتع، صحّي ومنتج في آن، فقد وجدت المصري من الضروري نشر تجربتها وخبرتها ومشاركتها مع الجيل الجديد من الشباب والنساء، في إطار التشجيع على تربية نحل العسل وشرح أهميتها وفوائد العسل الصحية وأنواعه بالإضافة إلى أنواع المنتوجات المتفرّعة منه، مثل الغذاء الملكي، العكبر، وحبوب اللقاح، التي تؤمن مردوداً أكبر من مردود العسل ولا تتطلّب مشقّة نقل العسل من منطقة إلى أخرى باختلاف الفصول، وبالتالي يمكن أن تمثّل مصدر رزق غني لكل امرأة ترغب بخوض غمار هذه التجربة، دون أن يتطلب عملها ترك أولادها والخروج من المنزل بصورة يومية وبدوام عمل طويل.

IMG-20170724-WA0049

من هذا المنطلق، ألفت المصري كتاب “المساعد في تربية النحل” بالشراكة مع الدكتور منتصر الحسناوي من العراق، ثم جالت على عدد من المدارس اللبنانية شارحةً فوائد العسل، وتحديات تربية النحل كمهنة، مشجّعة كل امرأة على اختبار هذه المتعة وإنتاج العسل على الأقل لأسرتها. ونراها اليوم تشرف على تدريب مجموعة من النساء والشابات والشباب الراغبين بالإطلاع على مهنتها، وتساعدهم في التغلب على عامل الخوف من تربية النحل ومعاملته، إيماناً منها بأهمية هذا القطاع الإنتاجي وفاعليته في محاربة الفقر والبطالة للنساء بصورة خاصة. فـ “من خلال ساعتيْن أسبوعياً يمكن لكل سيدة أن تهتم بعشرين خلية نحل، وأن تنتج من العسل ما يكفي بيتها ويؤمن لها مصروفها”.

ختاماً، تؤكّد المصري لـ “الأنباء” أنه “ليس من باب المبالغة القول أن العسل اللبناني هو من أجود أنواع العسل في العالم، لأن الغطاء النباتي اللبناني متنوّع، وبالتالي فإن العسل ينتج من أكثر من مصدر نباتي، ما يجعله غنياً بفوائد صحية وطبية كثيرة ومتنوعة”، وتلفت إلى أن “هناك سبعة أنواع على الأقل من العسل في لبنان حسب كل منطقة، ومنها مثلاً عسل السنديان، عسل الليمون، العسل الجبلي، عسل الكينا، عسل الأرز، وغيرها”، مشددةً على أن”على من يرغب بالحصول على كافة الخصائص الغذائية الموجودة في العسل ألا يعتمد مصدر واحد على الدوام بل أن ينوّع في أنواع العسل التي يختارها وتنوّع مصادرها”.

 *غنوة غازي – “الأنباء”