آمال المثلوثي صوت الربيع العربي تنشد الحرية في بيت الدين

إذا كان لكل حدث صورته، و لكل ثورة من يرفع صوتها ويغني لها وباسمها، فـ (آمال مثلوثي) هي صوت الربيع العربي وأغنيته، تألقت بالأمس وللمرة الأولى على خشبة مسرح بيت الدين بثوبها الأبيض، وبغنائها الصوفي والشرقي العربي والتونسي والفرنسي، غنت لتونس وفلسطين للمشردين من سوريا، من بين قناطر القصر التاريخي، الرابض في قلب تلال الشوف، صدحت حنجرة مثلوثي أغنيتها الشهيرة (كلمتي حرة). بين الخشوع الصوفي والتحكم بألوان الإضاءة والرقص التونسي والباليه والشرقي، الى الغناء باللغة الفرنسية واللهجة التونسية (برشا برشا)، تنقلت آمال مثلوثي بحرية وقدرة صوتية واتقان فني وحضور مسرحي مميز، صاحبة صوت اسطوري يشبه تضرع الصوفيين بخشوعه، ووجع الأطفال في أنينه، وقوة آذان الفجر في صعوده، صوت يسيل في الآذان كعبق الياسمين في العروق.

 

بصوتٍ صارخٍ من لوعة الألم غنت آمال المثلوثي التونسية المولد وابنة الثورة الخضراء، وأهدت أغنيتها الجديدة الى أطفال سوريا وقالت فيها: “قَدّيش ناس تهجرت… قَدّيش ناس انسرقت… قَدّيش ناس انقتلت… قديش ناس غرقت بالفلوكة… قديش ناس انظلمت… قديش أفكار انردمت… قديش أيام راحوا… قدّيش….”

استهلت المثلوثي أمسيتها في بيت الدين بأغنية مارسيل خليفة (قومي طلعي عل بال) للشاعر طلال حيدر، بصوت أوبرالي ساحر وأخاذ، يُطرب حين يصدح، ليأخذ الجمهور إلى عالم الاساطير والعشق واللوعة والفقدان والخسارة. ثم قدمت ما يشبه الموال بالإنكليزية وهي تنشد أغنية جيف باكلي (نيو ييرز براير) (صلاة رأس السنة): “لا تشعر بالحرج مما أنت عليه، اشعر كما تشعر المياه المنهمرة، قف (بعد تبرئتك) وراء الكرسي الكهربائي وأنت ترقص ما وراء الصوت الذي في الصوت”.

IMG-20170722-WA0017

غنت الى الغرباء في العالم (لمن لا نراهم) أغنية مستوحاة من أغنية سيرج غينزبور (بلا ملجأ). كما غنت “أنا غريب في هذا العالم” من (كلمات جبران خليل جبران بالإنكليزية)، والتي أخذت بصوتها وأدائها الحاضرين الى عوالم مختلفة، مستخدمة المؤثرات الصوتية والضوئية التي زادت اللوحة غرابة وروعة، حتى يتراء للحاضر في بعض اللوحات أن الموسيقى تنبع من يديها كما في الاساطير السحرية، أو أنك في معبد صوفي تخرقه الأصوات القادمة من السماء.

آمال المثلوثي، مغنية تونسية عمرها 33 عاما، ولدت في كانون الثاني 1982 في تونس، بدأت مشوارها الفني وعمرها لا يتجاوز 8 أعوام، عندما صعدت على مسرح صغير في ضاحية ابن سينا في تونس، محل إقامتها.

انتقلت لفرنسا في عمر 25 عاما، لمواصلة مشوارها الفني بعدما منعتها الحكومة التونسية من الظهور في الراديو والتلفزيون، لقبت بـ(ديفا) العالم العربي، ووصف صوتها بأنه (معقد) يجمع بين موسيقى الروك والهيب، والموسيقى الشرقي.

هي كاتبة أغاني ومؤلّفة ومنتجة، تعد من عظماء المؤدين في العالم العربي. إيقاع أغانيها عابرة للأنواع الموسيقية، من موسيقى الـ (هارد روك) والـ (هيفي ميتل) والراب واللحن البدوي والموسيقى الشرقية، في آن واحد. موسيقاها الرائعة هي كناية عن تزاوج بين الموسيقى التونسيّة والتقنيّة السينائيّة الالكترونيّة. تُعبر أغنياتها الأنيقة عن الحبّ والغضب والمعاناة والأمل في نسقٍ اعترافي شبيه بالموسيقى الدينيّة المقدسة متبعةً أسلوباً لاقى رواجاً في النوادي الأوروبيّة والأمريكيّة وفي أكثر دول العالم العربي لا سيما التي تتوق لحرية التعبير الديني.

IMG-20170722-WA0014

تمكّنت من تكوين نسقٍ خاصٍ بها يجمع بين الموسيقى الالكترونيّة والسمعيّة فأخرجت أسطوانة تُخاطب حواس كلّ شخصٍ يعشق الموسيقى الاستكشافيّة من القلب.

أول ألبوماتها كان بعنوان (حِلمة) ولاقى رواجا كبيرا عام 2009، بعد مشاركتها في “مسابقة راديو مونتي كارلو/ الشرق الأوسط” عام 2006، وألبومها التاني حمل اسم أغنيتها الشهيرة (كلمتي حرة) ويضم 13 أغنية صدر في 24  كانون الثاني عام 2012،.

خلال ثورة الياسمين في تونس، سارت المثلوثي في الشوارع التونسية مع ابناء جيلها تُحمِّس الشباب والثوار بكلمات أغنيتها (كلمتي حرة)، التي أصبحت مع مرور الوقت نشيدا معبرا عن ثورات الربيع العربي، يردده الثوار في شوارع تونس، إلى جانب أغنيتها (تونس يامسكينة)، لُقّبت المثلوثي بـ (صوت الربيع العربي) عام 2015، حيث احتلّت مكانةً عظيمةً على المسارح الدوليّة لاسيما خلال مشاركتها في حفل توزيع جائزة نوبل للسلام في أوسلو وفي الحفل الموسيقي الذي تلى حيث أهلت الحاضرين بأداءٍها الرائعٍ.

IMG-20170722-WA0018

في بيت الدين وحين أعلنت أنها شارفت على ختام الحفلة، هب الجمهور هاتفا ومطالباً بالمزيد يرددون أغنية (كلمتي حرة) فحملت المغنية غيتارها ورددت معهم بصوتها الرقيق الثائر أروع أغانيها، “أنا أحرار ميخافوش/ أنا أسرار ما يموتوش/ أنا صوت اللي ما رضخوش/ أنا حق المظلومين/ أنا حرّ وكلمتي حرّة …”. وسرت حماسة في الجمع، فعلا التصفيق وبلغ التفاعل مداه أنشدت بضع أغانٍ، منها أغنية اسبانية مهداة الى فلسطين، وأخرى من تراث تونس “سبقتها بكلمات قليلة باللكنة التونسية أهديكم في نهاية الحفلة أغنية تونسية : “على باب دارك … يا للا محلا كمونك وريني الدار خلي نزورك ”
أمسية مثلوثي في بيت الدين الرائعة هي من ضمن جولة حفلات عالمية تقودها من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا إلى السويد وقرطاج.

(*) فوزي ابو ذياب -“الانباء”