الموازنة اللبنانية بين المعلوم والمَخفي!
د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)
15 يوليو 2017
هناك جوانب سياسية مرتبطة بملف الموازنة العامة للدولة اللبنانية، منها ما هو مُعلن، ومنها ما هو مخفي – أو غير مُعلن – والموضوع له صِلة بالحرب الباردة التي كانت قائمة في لبنان بين العام 2005 والعام 2016، وهو اليوم مُتداخل مع الكباش السياسي بين بعض القوى التي تتشكَّل منها الحكومة، وقد يكون جزء من المشكلة – أو على الاقل موضوع قطع الحساب – مرتبط بتصفية فواتير قديمة بين فرقاء النزاع السابق، وربما يكون طرح قطع الحساب أيضاً يهدف إلى قطع الطريق على بعض المرشحين المحتملين للإنتخابات النيابية القادمة، ومنهم على سبيل المثال الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة الذي إتهمت حكومته عام 2006؛ أنها غير ميثاقية بسبب إنسحاب وزراء (الثنائي الشيعي) منها.
لم يسبق أن مرَّت دولة ديمقراطية في العالم من دون موازنة على مدى 12 عاماً كما حصل في لبنان منذ العام 2005 حتى اليوم، رُغم أن وزارة المالية كانت تُقدِّم مشاريع موازنة في الأوقات المحددة إلى مجلس الوزراء، وغالباً ما كان مجلس الوزراء يُقرّ المشاريع من دون أن تصل إلى خواتيمها السعيدة في مجلس النواب.
ولولا المناعة الإستثنائية التي يتمتع بها الإقتصاد اللبناني، بالإضافة إلى حصانة سياسية من نوعٍ خاص تحمي الانتظام اللبناني؛ لكان الوضع الإقتصادي وحتى الإداري قد إنهار بالكامل.
موازنة العام 2017 التي أقرتها الحكومة، وناقشتها لجنة المال والموازنة في مجلس النواب بالتفصيل؛ تبلغ 24,7 ألف مليار ليرة لبنانية، منها 7 آلآف مليار خدمة دين عام للدولة الذي بلغ نهاية 2016 ما يقارب 75 مليار دولار – اي 142,2 من الناتج الاجمالي، كما يُقدر العجز في هذه الموازنة حوالي 7283 ألف مليار ليرة، اي 31% منها، رغم المحاولات الحثيثة التي بُذلت من قبل وزارة المال لزيادة العائدات وخفظ النفقات.
لا يمكن إنكار وجود صراع بين بعض المرجعيات والقوى على موضوع إقرار موازنة العام 2017، وهناك في الزوايا السياسية بعض الخفايا غير المُعلنة؛ تؤكِّد وجود تبايُن جوهري حولها، برغم أن هيئة مكتب مجلس النواب اقرَّت (وفقاً لما اعلنه نائب رئيس المجلس فريد مكاري) أن الموازنة هي بند رئيسي على جدول أعمال الجلسة العامة المقبلة لمجلس النواب في عقده الاستثنائي الحالي.
أهم أوجه الصراع المخفي حول ملف الموازنة؛ هو قضية عرض حسابات الدولة عن السنوات السابقة على مجلس النواب ليوافق عليها، قبل نشر موازنة السنة الثانية (كما تنص حرفياً المادة 87 من الدستور) وهذا الموضوع مُختلف عليه، خصوصاً أنه يطال حسابات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في الأعوام 2006 و 2007 التي أُتهمت أنها غير ميثاقية بعد إنسحاب وزراء الثنائي الشيعي منها، ولأن السنيورة كان محل إستهداف من القوى التي تدور في فلك التيار الوطني الحر أيضاً.
هذا الأمر يحتاج إلى تسوية سياسية وميثاقية من الطراز الرفيع لتجاوزه، أو لإيجاد المخرج له، قبل عرض الموازنة على الهيئة العام للمجلس، وهذا ما يعمل عليه رئيس لجنة المال النائب إبراهيم كنعان مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبغطاء سياسي رفيع المستوى.
الموضوع الآخر الذي يحمل بنود خلافية غير مبتوت بها نهائياً بعد؛ هو ملف سلسلة الرتب والرواتب التي ادرجت نفقاتها من ضمن الموازنة، لكن المشروع معروض على جدول أعمال الجلسة العامة بشكلٍ مُنفصل، والأمر الخلافي لا يقتصر على الشكل، أو كيف سيُعرض المشروع؟ بل إن التباينات السياسية ما زالت قائمة على بعض بنود السلسلة، وهناك قوى سياسية وازِنة لم تُعط إشارة خضراء للسير به حتى الآن. كما أن تعديلات مُقترحة على مشروع السلسلة لم يُتفق عليها بشكل نهائي، لا سيما موضوع الزيادات على رواتب المُتعاقدين والعسكريين.
وهناك بنود أُخرى من الموازنة ما زالت محل خلاف مع القوى التي تتأثر بالهيئات الإقتصادية، والتي تربطها مصالح مع أصحاب المدارس الخاصة الذين يعترضون على السلسلة، وهذا ما ظهر واضحاً خلال انتخابات نقابة المعلمين الأسبوع الماضي، وأدى إلى إقصاء النقيب السابق نعمه محفوض.