ماهية الحزب التقدمي الاشتراكي/ بقلم: كمال جنبلاط

ماذا يجب أن نعرف عن الحزب التقدمي الاشتراكي؟

أولاً – يستوحي الحزب التقدمي الاشتراكي فلسفته من مسلّمات التجربة الإنسانية، هذه المسلمات التي تفسر على ضوء الاتجاهات التي رسمتها العلوم الوضعية، وبشكل خاص توجهات التطور البيولوجي، الاجتماعي، الإنساني واهدافه الاكثر سمواً والبعيدة المنال: الحرية والوعي.

ويبدو أن هذه الأهداف تنمو مع خط التطور التصاعدي من خلال تطور الانواع والتطور البيولوجي عبر العصور. وهي تتحقق في إطار المؤسسات الاجتماعية التي تسهم أكثر فأكثر في تحقيق الإنسان وتكريس إنسانيته بشكل كامل.

فالإنسان المعاصر لا يشكل نهاية التطور، بل يمثل إحدى مراحله، ومن الصعب تحديد أهداف هذا التطور.

ثانياً – التجمع البشري

الحرية هي مفهوم داخلي (وباطني) وهي تنبع من الإغناء التام للكائن البشري وانعتاقه من العمل، وتحرره من الضغوطات والأغراض الجسدية والمعنوية.

إنّ تحقيق هذه الغاية يتطلب منكم التزامًا تامًا في الحياة، فلا يحقّ لكم الهروب من معركة البحث عن الحقيقة.

يتبنى الحزب المبدأ القديم المتعلق بالألم والمعاناة والتضحية ونكران الذات، وذلك بهدف تحويل الألم ذاته وجعله أكثر سموًّا ونبلاً.

إن نكران الذات يزيل الألم ويحوله الى فرح لا يوصف؛ ولا يصبح العالم سعيداً إلا بقدر ما يتحول هذا الألم الى تضحية ونكران للذات.

إنّ الألم الأكثر تطهيرًا للذات هو الذي لا يسبّب أيَّ ضرر للآخرين.

يفسّر الحزب التقدمي الاشتراكي مسلمات التطور البيولوجي والاجتماعي والانساني على ضوء تفسيرات العلم ذاته وأهدافه الأشد سموًّا، ألا وهي الحرية والوعي التام (كما ذكرت آنفًا)، لا سيما في تلك المرحلة من مراحل التجمع البشري الذي توصّلت إليه الإنسانية خلال مراحل تطورها هذا. الله والآخرون، الغاية واحدة: هي خروجنا من ذاتنا؛ فنحن لا نستعيد حياتنا إلا عندما نفقدها، (على حدّ قول “بغي-Pégy”).

يؤمن الحزب التقدمي الاشتراكي بتفاؤل الحياة وبأهداف التطور، هنا فالمسألة إذًا هي مسألة رسالة؛ (يمكن تحويل شلال الدموع الى جنة عطف وعذوبة).

إنَّ الجنة الحقيقية موجودة في داخلنا، وعلى وجه هذه الأرض؛ ولا تكمن في فرضية بعيدة يختلف العالم بشأن تعريفها: “بقدر اختلافنا على السماء، انتهينا بفقدان الأرض”.

ينقد البعض أنفسهم من خلال إنقاذهم لغيرهم وللعالم بأسره، لكن أولئك يندر وجودهم أكثر فأكثر.

أما البعض الآخر فيكتفي بإنقاذه ذاته! تأملوا ذلك الأمر بأنفسكم، ماذا يجني الإنسان إن ربح الكون بأسره وخسر ذاته؟!

تأملوا أيضا مدى الصعوبة والإيلام عندما ينقذ الإنسان ذاته ويخسر الكون!

إن المهمة الصعبة هي تحويل الكون الى ملكوت الحقيقة. في هذا العالم الذي يضيق على ذاته هذا الالتزام المزدوج بالسلام الذاتي وبالإحسان، بالسلام الجامع وبالعالم المادي، ستكون صرخة الأجيال المقبلة: “لننقذ أنفسنا معًا أو نفنى معًا”.

PSP

بماذا يوحي إلينا الحزب التقدمي الاشتراكي؟

1) بأن الإنسان حيوان اجتماعي.

2) بأن جميع الشعوب توصلت إلى هذه المرحلة من مراحل تطورها التاريخي التي تشكل موضوع نقاش وجدل حول “التجمع البشري”.

3) بأن الأشتراكية اللبنانية، على مستوى اقتصاد أمة ودون التمييز بين الطبقات، هي وحدها القادرة على حلّ مشكلة النزاعات بين الجماعات والطبقات على اختلافها. كذلك تستطيع الاشتراكية تحقيق الانسجام بين مختلف القيم والطاقات الوطنية.

لذا فإن أهم مبادئ حزبنا تتلخص فيما يلي:

– تحقيق العدالة الإنسانية الفعلية بشكل واسع، وتطوير الحضارة الأرقى قدر الإمكان، هذه الحضارة التي تتوافق مع المجتمع البشري المعاصر:

– يؤيد الحزب التقدمي الاشتراكي التعاون الوثيق مع الدول العربية التي تتوافق مع مبادئه وتحترمها، والتي تنسجم مع متطلبات هذا الزمان والضرورات الحالية.

– علمنة الدولة واحترام حرية المعتقد في كافة المناطق والأرجاء.

– أما بالنسبة للسلع والبضائع غير المنتجة في البلد ذاته، فهي لا تتأثر إلا بالسياسة الاقتصادية الوطنية وبمبدأ التأميم. من يعمل يأكل ومن لا يعمل يحرم نفسه من الغذاء، بل لا يحق له الحصول عليه.

الملكية الجماعية والتأميم:

– تأميم كافة المؤسسات ذات الطابع الاجتماعي، أو التي تحتل أهمية خاصة بالنسبة للاقتصاد الوطني وتلعب دوراً بارزًا في حياة البلد الاجتماعية والسياسية.

– ضبط وضع الممتلكات الخاصة بالدولة وتصفية الملكيات العقارية والزراعية غير المستصلحة والزهيدة الثمن:

– اعتماد نظام الاقتصاد الموجّه.

– يجب أن يكون العامل شريكًا لمدير المصنع، إذ ينال أجره لقاء أتعابه ويحقّ له بنسبة من الأرباح الصافية التي توزع على شكل حصص عادلة بين صاحب رأس المال والعمال.

– تجزيء الملكيات الزراعية الكبرى وبيعها على مراحل للفلاحين والمزارعين العاملين وفق مبدأ الشراكة.

– اعتماد التقسيط الطويل الأمد لثمن الأرض، وإحلال مبدأ الشراكة الزراعية مكان الإقطاعية الزراعية التي كانت سائدة في القرون الوسطى.

– تشجيع التعاون الزراعي، وتأسيس نظام الاعتماد الزراعي المناسب.

– إصلاح النظام الضريبي برمّته، من أجل توفير القدرة المالية للدولة وجعلها قادرة على تنفيذ مشاريع الأشغال العامة، بالاضافة الى المشاريع ذات الطابع الاجتماعي.

– يهدف الحزب الى بناء الكيانات والمؤسسات الانسانية من خلال التزامه بالمثال الإنساني الأرقى. هذا المثال يتطلب على المستوى الطبيعي، أن تتجلى فرادة كل عمل وكل مؤسسة بشرية من خلال التفتّح التام والمتناسق لطاقات الفرد.

– إنَّ الجماعة بشتى مؤسساتها وبشكل خاص السياسية منها، لا تشكل غاية بحد ذاتها، بل تشكل وسيلة لبناء الإنسان. وبالنتيجة تكون الدولة مباركة أو ملعونة، وتكون مؤسساتها  منتجة أو عقيمة على قدر مساهمتها  في بناء الإنسان أو إعاقتها لهذا الإنجاز.

إذاً، ومن منطلق سياسي، يطمح الحزب التقدمي الاشتراكي إلى بناء المجتمع الإنساني على أساس الديمقراطية الحقة. هذا المجتمع الذي يجب أن تسوده الطمأنينة الاجتماعية والعدالة والرفاهية والسلام والحرية، وتؤمّن فيه حقوق الإنسان ويتم احترامها كما نصت عليها شرعة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة؛ فالتكريس الفعلي والتأمل للعدالة الإنسانية في بناء الحضارة هي الأسس من أجل تطوير مجتمعنا المعاصر.

(*) المصدر: كمال جنبلاط، “رسالتي العدالة الإنسانية”، الدار التقدمية، المختارة، الطبعة الأولى، أيار2004، ص 64-70.