سبع البياضة!

وهبي أبو فاعور

في ربيع عام 1976، إنهار تفاهم تحييد الجبل الجنوبي ورسمت حدود جبهة جديدة من “المونتيفيردي” حتى أعالي صنين لأسباب عديدة:

– أولها: خروج بعض الثعابين من جحورها وإصطياد الأبرياء في المتنين الأعلى والشمالي ممّا أوقع العديد من الضحايا من العبادية وأرصون وزرعون وطرد النشطاء الديمقراطيين من أبناء تلك المنطقة إلى خارجها مع عائلاتهم وخاصة من الرفاق القوميين الإجتماعيين والشيوعيين ممّا خلّف نقزةً عارمة لدى الوطنيين على هذه التصرّفات الحمقاء.

– ثانيها: ممارسة الضغط على الحياة العامة وتهديد الأهالي الوطنيين على إمتداد المتن الشمالي بهدف الوصول إلى المناطق الصافية إنعزالياً ممّا دفع بالقادة جورج حاوي وإنعام رعد إلى استنباط حلول للمحافظة على قواعدهم الديمقراطية.

– ثالثها:عدم السماح للقوى المناهضة للحركة الوطنية بحماية ضهر زحلة في البقاع ورفدها بالعتاد والمقاتلين إستفادةً من تجارب التاريخ في الحروب الأهلية في القرن التاسع عشر.

– رابعها: فائض القوة لدى الحركة الوطنية بعد أن تمّ فرط عقد الجيش الذي كان يمثل رأس حربة للنظام في الحفاظ على مغانم السلطة والتمييز العنصري لدى المارونية السياسية ضد الغالبية من فئات الشعب اللبناني والمسلمين خاصة.

– خامسها: وهذا ما زال مدار خلاف في مضمون ما قاله أحد قادة الثورة الفلسطينية من أنّ “طريق القدس تمرّ في جونيه”.

رغم تعدّد الآراء والإجتهادات حول الأسباب، لا خلاف إطلاقاً بأنّ الهدف الأساسي كان ممارسة الضغط لإمرار تسوية وطنية ترسخ مبادئ العدالة والمساواة بين المواطنين.

خلوات البياضة1

أعطى المرحوم كمال بك توجيهاته بأنّ دعم الجبهة الجديدة سيكون على عاتق منطقة البقاع وكلّف الرفيقين محمود جميل الميس وكيل الداخلية وعادل سيور قائد القطاع بدعم جبهة المتن في المرتفعات الجبلية من سلسلة جبال لبنان الغربية.

وكان للحزب التقدّمي الإشتراكي طاقاتٌ فاعلة ومؤثرة في كافة نواحي البقاع وكان يحيط بالرفيقين المرحومين محمود وعادل كوكبة من النخبويين الناشطين أمثال ابراهيم أيوب وعلي فايق وسليمان الهندي وعبد الوهاب شعبان وزياد محمود وحمودي الخشن وخليل سويد وابراهيم الفوعاني ومعهم المئات من برالياس والمنارة وراشيا وقراها وسحمر ومشغرة للتطوع في المهمة القتالية الدفاعية المقدّسة من أعالي صنين حتى قرطاضة في المتن.

وفي تموز عينه، كان دور فصيل منطقة حاصبيا الذي تطوّع من كافة قراها ليؤدي دوره في عملية الدفاع عن العرض والأرض، وبعد آداء المهمة الصعبة عاد الفصيل يحمل على كتفيه الشهيد نبيل علي هزيمة من حاصبيا الذي حظي برحمة من كمال بك في مقر القيادة وسبعة جرحى أذكر منهم سلمان زبد وسميح عماشة وكمال بركات والمرحوم فايز علّود.

كان نبيل شهيدنا الأول بعد الشهيد الكادح هاني علم الدين من ميمس الذي إغتيل يوم السبت الأسود على طريق المرفأ.

في مسيرتنا إلى مدافن الشهداء في حاصبيا لنواري نبيل الثرى وسط غابة من الأعلام واليافطات والشعارات والآلاف من أبناء مرجعيون وحاصبيا وراشيا وعشرات الأفواج الشابة من جمعية الكشّاف التقدّمي من المنطقة والجوار.

كان أعلام البياضة المرحومون المشايخ ابراهيم أبو حمدان وجمال الدين شجاع ومهنا حسّان قد أفسحوا المجال للمشيعين من الرفاق في الحركة الوطنية اللبنانية أن  يُظهروا حماسهم واندفاعهم في تكريم شهيدهم، كان مشايخنا الكبار تقاة أصفياء يسيرون كوكبةً يلفها الصمت والورع والتقوى وخلفهم المئات ممّن يتابعونهم من رجال الدين الأفاضل يسيرون خلف الجنازة من الداودية إلى زيتونات العيد يتلون الشهادتين مردّدين أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

والشهيد ملفوفٌ بعلم الحزب.

إقتربتُ من المشايخ ألثم أياديهم طالباً الدعاء وصفو الخاطر وسألتهم إذا كانوا سيطلبون من الله الرحمة لنبيل وهو الجاهل لأمور الدين بحسب العرف السائد في أوساط المجتمع التوحيدي فسألني سبع البياضة المرحوم الشيخ أبو علي مهنا حسان طيب الله ثراه سؤال العارف عمن كان يدافع الشهيد؟

فقلت:عن العرض والأرض، فأجابني على مسمعً من أقرانه: لقد غسل جهله بدمه رحمه الله، والرحمة عليك يا سبع البياضة وعلى رفاقك الصالحين الفاضلين.

وكم كان لقوله وموافقة الأعلام من حوله من أثرٍ كبير ولّد ارتياحاً في نفوس الأهل والمشيعين فيما إعتبر البعض المراقب والمحايد والمحازب أنّ الرحمة رسالة تأييد ودعم لكمال بك في حربه المحقة ضد الظلم والإضطهاد.

وفي المناسبة، تحية صادقة إلى الرفاق في معتمدية حاصبيا يومها سامي أبو فاعور ومحمود علّود وفؤاد مرداس وسليمان الشوفي وفضل الله جمّاز وسليم الخماسي وكمال علامة وكافة الآخرين.

(الأنباء)