تحييد المنطقة الجنوبية نتيجة مقايضة أميركية – روسية والمتضررون النظام وإيران وحزب الله

العميد د. نزار عبد القادر (اللواء)

أعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في مؤتمر صحفي عقده على هامش «قمة العشرين» في هامبورغ بعد اجتماع الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين بأن الاجتماع قد أفضى الى الاتفاق على وقف لاطلاق النار في جنوب – غرب سوريا، بما في ذلك على جبهة الجولان مع إسرائيل. واعتبر تيلرسون بأن هذا التوافق «يشكل أول نجاح لنا»، وبأنه يأتي نتيجة التعاون والتنسيق بين البيت الأبيض والكرملين، وكان تيلرسون قد استبق اجتماع الرئيسين بإعلان استعداد الولايات المتحدة لبحث وضع آلية مشتركة مع روسيا من أجل احتواء مجريات «الحرب الأهلية في سوريا».
تعتبر بعض المصادر الأميركية بأن الاتفاق على وقف اطلاق النار في هذا الجزء الحسّاس من سوريا، اعتباراً من يوم الأحد الموافق التاسع من تموز (يوليو) يُشكّل بداية لبلورة استراتيجية أميركية تجاه سوريا، وعلى الأقل في المدى القريب، حيث أظهرت إدارة ترامب في وقت سابق لقمة هامبورغ عن رغبة لتجاوز عقدة ذهاب بشار الأسد عن السلطة في محاولة جادة لفتح صفحة جديدة للتعاون مع روسيا، بعد التوتر الذي حدث اثر إسقاط الأميركيين لمقاتلة سورية في منطقة دير الزور الشهر الماضي.
يبدو من تصريحات الوزير تيلرسون التي سبقت لقاء الرئيسين ترامب وبوتين في هامبورغ، ومن مضمون المؤتمر الصحفي اللاحق بأن اتفاقية وقف النار في جنوب – غرب سوريا والتي تضم درعا والسويداء والقنيطرة في الجولان ليست جزءاً من مقررات مفاوضات استأنة-5 بل هي اتفاقية منفصلة، تقتصر أطرافها علی واشنطن وموسكو، مع مشاركة اردنية واسرائيلية، مهّد لها الأميركيون في مفاوضات منفصلة، سبقت اجتماع هامبورغ باسبوعين.
وهكذا يمكن الاستنتاج من المعلومات المسرّبة عبر مقال في صحيفة «هاأرتز» الإسرائيلية نشر يوم الأحد بتاريخ التاسع من تموز (يوليو) بأن الدبلوماسية الأميركية قد هيأت كل الأجواء اللازمة لإنجاح الاجتماع على هامش قمّة العشرين بين ترامب وبوتين، وبالتالي فتح الباب لمرحلة جديدة من التعاون الأميركي – الروسي لإدارة الأزمة السورية، واحتواء تداعياتها الخطيرة على مسار الحرب على الارهاب، وادارة المناطق التي يجري تحريرها من الدولة الاسلامية في الرقة ودير الزور، وايضاً تداعياتها في مناطق حسّاسة على الحدود الاردنية مثل درعا وريفها والسويداء وعلى خط الفصل في الجولان بما فيها جبهة القنيطرة، بعدما تكررت الاشتباكات على هذه الجبهة الاخيرة.
في رأينا ان الهدف الاساسي لهذه الاستراتيجية الاميركية الجديدة يتركز على ان تضمن الولايات المتحدة تحقيق هزيمة كاملة ونهائية للدولة الاسلامية، وتجاوز كل التساؤلات والشكوك حول من يسيطر على الرقة، وبعدها دير الزور بعد تحريرها. ولا يريد الاميركيون تكرار التجارب السيئة التي حصلت في العراق لجهة عدم توافر قوى مسؤولة قادرة على الامساك بالارض «المحررة» من سيطرة «داعش»، وبالتالي منع الارهابيين من الالتفاف والعودة اليها.
بالاضافة الى هذا الهدف، فهناك خشية اميركية من حصول سباق بين كل القوى على الارض، بما فيها قوات النظام والميليشيات الايرانية، وبدعم او مشاركة روسية من اجل المشاركة في معركة الرقة. وستتولد جراء اختلاط مختلف القوى في قتال ضارٍ في جبهة واحدة حالة من الفوضى، والتي يمكن ان تستفيد منها الدولة الاسلامية لافشال العملية او اطالة فترتها، وتكبيد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة اميركيا خسائر فادحة لا قدرة لها على تحملها.
من البديهي، بأن لا تسلّم الولايات المتحدة المناطق التي يستعيدها حلفاؤها من الدولة الاسلامية الى نظام بشار الاسد، وتؤكد هذا الامر مصادر رسمية اميركية، وهذا لا يعني بأن اميركا ستنشر قواتها المسلحة لحماية وفرض الاستقرار والامن في هذه المناطق، ولكنها ستجهد لوضع ترتيبات امنية وادارية لهذه المناطق، وتكلّف بتنفيذها حلفاءها على الارض.
اما في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والتي ستشكل جزءاً من المنطقة الجنوبية، فإن الترتيبات التي سيجري بحث تفاصيلها الآن ستتولي القوات الروسية الاشراف عليها وحمايتها. ويدرك الروس ومعهم النظام السوري والايرانيون بأن الولايات المتحدة ستكون جاهزة للتقيد للقيام بما يلزم من اجل حماية حلفائها، وهذا ما اثبتته عملية اسقاط طائرة للنظام عندما شكلت خطراً على بعض هؤلاء الحلفاء.
السؤال الذي لا بد من طرحه: كيف يمكن ان يتعايش مختلف الاطراف مع الاتفاق الاميركي – الروسي الجديد؟ كيف ستتعامل اسرائيل مع هذا الاتفاق؟ وهل ستحد من طلعاتها الجوية، وقصف بعض مواقع النظام او مواقع حزب الله في المنطقة الجنوبية او في ضواحي دمشق؟
ما هو موقف ايران وحزب الله من الاتفاق، في ظل جعل القنيطرة وخط الفصل في الجولان جزءاً من المنطقة الجنوبية – الغربية؟
وهل تعتبر مختلف فصائل المعارضة السورية (مع اجنداتها وارتباطاتها الخارجية المتعارضة) بأنها معنية بتنفيذ هذا الاتفاق، الذي جرت هندسته من قبل قوى دولية واقليمية، ودون استشارتها او مشاركتها في وضعه؟
اسئلة كثيرة محرجة، ولا تتوافر اجابات واضحة عنها، من قبل اي من هذه الاطراف، بما فيها اسرائيل وايران وذلك بالرغم من مشاركتهما في التحضيرات التي جرت سواء عبر الاتصالات الاميركية مع اسرائيل او الروسية مع ايران.
هذه التعقيدات تدفع الى التساؤل ايضاً عن مدى قدرة وقف النار الذي اعلن ظهر الاحد الماضي على الصمود. هل يكون مصيره كالقرارات التي سبقته، حيث تعرضت للسقوط بعد فترة وجيزة من دخولها حيّز التنفيذ؟ وكان ابرزها عمليات وقف النار في حلب وريفها، وفي القلمون، وفي درعا وفي ارياف دمشق.
في رأينا سيرتبط نجاح وقف النار بالترتيبات الامنية التفصيلية التي سيضعها الاميركيون والروس في الايام المقبلة، وبمدى جدّية الروس والأميركيين للضغط على حلفائهم لاحترام هذه الترتيبات وخصوصاً كل من اسرائيل وايران والنظام، وايضا بمدى استعدادهم لمعاقبة الاطراف غير الخاضعة لسلطتهم في حال انتهاكها للترتيبات الخاصة بهذه المنطقة الجنوبية المحددة.
في الوقت الذي عبّر فيه بنيامين نتانياهو عن ترحيب اسرائيل بالتهدئة ووقف اطلاق النار في سوريا، شرط ان لا تسمح هذه الهدنة لايران واتباعها بالتمركز في سوريا، وخصوصا في المنطقة الجنوبية. لكنه عاد ورسم خطوطاً حمراء تؤكد على عدم حصول حزب الله على اسلحة عبر سوريا، او التمركز في مناطق قريبة من حدود اسرائيل، كما طالب بعدم السماح للايرانيين بالتواجد على الارض السورية، وتؤكد صحيفة «هاآرتز» بأن نتانياهو قد ابلغ هذه الخطوط الحمر لكل من الاميركيين والروس.
سيؤدي التوافق الروسي – الاميركي الجديد، ومراعاته للتوجهات الاستراتيجية الجديدة لادارة ترامب الى شق فجوة في علاقات روسيا مع ايران ومع النظام، خصوصا في ظل وضع خطوط حمر لتواجد ايران وحلفائها في المناطق الجنوبية، كما ان التوجه الاميركي لجهة الحرب ضد الدولة الاسلامية او لجهة السيطرة على المناطق المحررة، (والتي لن يسمح الاميركيون بعودتها للنظام) لن يرضي بشار الأسد، والذي كان يتحضر لتوسيع سيطرته باتجاه دير الزور وبادية الشام والحدود السورية – العراقية.
الموقف الايراني واضح حيث تريد طهران ان يحكم حليفها الاسد كل الاراضي السورية بينما لا يرى الروس امكانية تحقيق ذلك، وهذا ما دفعهم للتقارب من الطروحات الاميركية الجديدة.
في النهاية يبدو بأن هناك عملية مقايضة اميركية – روسية، حيث قبل الاميركيون «بترتيبات السلام» والتي نصت عليها مفاوضات استانة بمشاركة ايرانية وتركية، مقابل قبول روسيا بالترتيبات الخاصة للمنطقة الجنوبية الغربية، والتي تراعي مصالح حلفاء اميركا اي الاردن واسرائيل، وعلى حساب المصالح والتطلعات الاستراتيجية للنظام السوري وحليفيه ايران وحزب الله. من هنا فإن الهدوء الذي ساد الجبهة الجنوبية خلال الايام الماضية قد لا يصمد لفترة طويلة، حيث تهدده التناقضات والتعقيدات القائمة، بما في ذلك المصالح الاستراتيجية للنظام وحليفيه ايران وحزب الله.