عن تجربة الرئيس الحزبي والرئيس غير الحزبي!
د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)
8 يوليو 2017
منذ الإستقلال في العام 1943، تعاقب على موقع رئاسة الجمهورية في لبنان 11 رئيساً، إضافة إلى إنتخاب رئيسين إغتيلا قبل تسلمهما سدَّة المسؤولية، وهما بشير الجميل ورينيه معوض.
وصلاحيات الرئاسة وفقاً للدستور اللبناني؛ كانت على شيء قبل إتفاق الطائف في العام 1989، وأصبحت على شيءٍ آخر بعد التعديلات التي أُجريت على الدستور بموجب الإتفاق المذكور الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية التي إستمرَّت 15 عاماً.
فالمادة 17 من الدستور؛ كانت تنص على أن السلطة التنفيذية في لبنان مُناطة برئيس الجمهورية يعاونه وزراء، بينما بعد إتفاق الطائف، أصبحت المادة ذاتها تنص على أن: السلطة التنفيذية تُناط بمجلس الوزراء مُجتمعاً.
قبل إتفاق الطائف تولَّى الموقع الأول في الدولة سبعة رؤساء، إختلف نهج كلٍ منهم عن الآخر، ولكن تبين أن الرئيس الذي كان يقود حزب – أو حركة سياسية – منهم؛ إنتهى عهده إلى إضطرابات.
فبشارة الخوري (1943- 1952) واجه ثورة بيضاء فاستقال، وكميل شمعون (1952- 1958) واجه إنتفاضة مُسلحة فلم يتمكَّن من التجديد وغادر الموقِع، وعهد أمين الجميل (1982 – 1988) إنتهى إلى حرب طاحنة.
بعد إتفاق الطائف؛ تولَّى موقع الرئاسة حتى الآن أربعة رؤساء، كان لكل منهم تجربة خاصة، ولكن إثنين منهم إلياس الهراوي (1998- 1989) وإميل لحود (2007- 1998) توليا الحكم إبان وجود القوات العسكرية السورية في لبنان، وكانا خاضعين لثأثيراتها إلى حدٍ كبير، ولكنهما لم يكونا حزبيين.
أما الرئيس ميشال سليمان (2008 – 2014) فلم يكُن حزبياً أيضاً، ومارس الحيادية بين القوى السياسية المُتصارعة، ولم يكُن لديه تيار سياسي يستثمِر موقعه، أو يواكبه في حركيته السياسية.
أُنتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بالتوافق في نهاية شهر أوكتوبر/ تشرين الأول 2016، وهو رئيس حزب (التيار الوطني الحر ) ورئيس كتلة نيابية كبيرة (تكتل التغيير والإصلاح). وقد أعلن فور تسلُمِهِ مقاليد الحكم أنه رئيس لكل اللبنانيين، ومسؤول عن رعاية مصالحهم جميعاً، وأقسم يمين الإخلاص للأُمة وحفظ الدستور أمام البرلمان، وفقاً لما تنص عليه المادة 50 من الدستور، ووصفه مناصروه: أنه “بي الكل”.
لم يصدُر عن الرئيس عون حتى الآن ما يوحي بأنه يتصرف بنمطية حزبية، رُغم التداعيات التي حصلت قبل إقرار القانون الجديد للإنتخابات النيابية في مُنتصف حزيران/ يونيو الماضي. والخطاب السياسي العلني الذي يعتمده؛ يحمل توازُناً مقبولاً، وجميع القوى السياسية تتفهَّم ظروفه، ولديها القرار بمساعدته للحفاظ على الدولة، وعلى التماسُك الوطني في ظل الأجواء المُخيفة التي تُحيط بلبنان من كُلِ حدبٍ وصوب. وهذه القوى سهَّلت له تشكيل الحكومة بسرعة قياسية، ولم تختر لدخول الحكومة وزراء مشاكسين، ولم تُعرقِل في أغلبية الملفات التي طرحها الرئيس، رُغم ملاحظاتها الكبيرة، ومنها خصوصاً موضوع النفط والكهرباء والاتصالات.
بعض ملامح الاستثمار الحزبي لموقع الرئاسة برز في المرحلة الأخيرة، ومن هذا الإستثمار شيء يُشبه ممارسات سليم الخوري (أو السلطان سليم كما كان يُطلق عليه) وهو شقيق الرئيس الراحل بشارة الخوري، الذي سيطر على الإدارة اللبنانية في عهد شقيقه، وكان السبب الأساسي للإنتفاضة التي واجهت الرئيس الخوري.
وفي بعض الممارسات التي طافت على السطح في المدة الاخيرة أيضاً؛ ما يُشبه التحشيد الميليشياوي، الذي يُضرُّ الرئاسة، ويضعها في الموقع التحزُبي الضيق، وقد يُجرُّ عليها تداعيات تُشبه ما حصل في الماضي، إذا ما تفاقمت الامور اكثر.
تقول شخصية سياسية وازنة ومتابعة، لم ترغب بالكشف عن إسمها أن بعض الخطابات التي تُلقى بإسم الرئيس بمناسبة تمثيله في تدشين بعض المشاريع الصغيرة؛ لا تَلقَى إستحساناً واسعاً، بل تُنتِج الإمتعاض، لأنها تحمل مؤشرات على إستغلال دور الرئاسة الجامع لإغراض حزبية.