مثلث نفق بحمدون… حكاية وطن ينهار!

محمود الاحمدية

ماية ألف سيارة وشاحنة تعبر يومياً، الطريق ذهاباً وإياباً من بيروت إلى البقاع وبعضها إلى سوريا، والعكس صحيح نزولاً… أي حوالي نصف مليون نسمة يعبرون يومياً هذه الطريق الأوتوستراد، وعند الوصول إلى أحدث ما شهدته الهندسة في عالم الألفية الثالثة نفق بحمدون، ترى البسمة ممزوجة بالألم والسخرية عند استعمال هذا النفق…

“الجور” تشكّل مفاجآت جميلة للذي يعبرها للمرة الأولى… والفواصل الخرسانية الفاصلة بين السيارات النازلة والسيارات الصاعدة منظر جميل لا نُحْسَدُ عليه، كتل من الباطون مهشّمة كل واحدة منها تحمل شكلاً هندسياً مختلفاً عن سابقه وبينهم كل ما يسر العين من النفايات على أنواعها وألوانها حتى تقول للقاصي والداني نحن في إحدى عواصم السياحة في لبنان الحضارة، لبنان الحرف، لبنان الأخضر…

وقمة السوريالية اللوحة  الحديدية المائلة بشكل مدهش إلى الأرض وفيها قوس يدلك على النفق، والأجمل مجموعة الأعمدة الكهربائية بين بحمدون وصوفر بدون مصابيح نعم منذ سنين بدون مصابيح وهم حزء من مشروع النفق وتوسيع الطريق بين بحمدون وشانيه صوفر… ومشهد تكدس السيارات أمام النفق مسخرة حقيقية فبدل أن نسهل انسياب تحرك السيارات خلقنا لهم مثلثاً عقدة تحتار هل تختار اليمين فتدخل إلى بحمدون ومنها إلى الأوتوستراد من جديد أو استعمال النفق غير المضاء وتلتقي في آخره بالطريق التي اختارها غيرك عبر مدخل ساحة بحمدون… والحلّ هو المفروض أن يكون اليمين حكماً إلى بحمدون والنفق إلى عاليه بيروت فتخف قليلاً العجقة بالرغم من تحيير السيارات أي اتجاه تستعمل…

ومما زاد الطين بلّة حادثان كان لهما دوي كبير في المنطقة الأول عندما أفاق صاحب أحد المحلات وهو صديق عزيز وتفاجأ بسرقة محله في الليل وهو على بُعد عشرين متراً من فندق شيراتون، وفي نفس الأسبوع هجوم مسلح على الطريقة الهوليودية على أحد المصارف البعيد فقط 50 متراً عن المحل المسروق ودخل ثلاثة لبنانيين في وضح النهار واستعملوا السلاح واطلاق الرصاص ترهيباً للموظفين وسرقوا الصندوق كاملاً ونفذوا العملية بطريقة احترافية كاملة والحمدلله لم يرهم هيتشكوك المخرج العالمي قبل وفاته لجعل منهم ممثلين درجة أولى اتقاناً وتنفيذاً وبرودة أعصاب.

بحمدون

وعلى أبواب هذا الصيف رأينا الناس كلها تتحدث بيأس والبطالة تخترق كل الحواجز وتدفع بشبابنا إلى اليأس وكان الأمل أن يكون هذا الموسم خيراً وبركة فإذا به وفي بدايته مرعباً مخيفاً يجعل الناس تتوجس بعضها وتنتقز من بعضها ونظرة بسيطة إلى وجوه الناس وأولهم السائقين ستتفاجأ بحجم المأساة وبهول الكارثة…

أصعب ما في مسيرة الأوطان أن يفقد المواطن ثقته بكل شيء وأولهم المسؤولين ويتضاعف (دوز) اليأس عندما يراهم على الشاشات وهم يقهقهون عالياً.. نعم كل شيء آخر همّهم… بعضهم من حديثي النعمة أصابهم نوع من السادية فرؤية فقير يتعذب، ألذ وأطيب من الكافيار والسومون، ورؤية الآخرين في حالة حزن وتفكير عميقين بمثابة كأس تقديرية لجهوده الحثيثة التي أوصلت شعبه إلى هذا المستنقع…

من سرقة المحل إلى اقتحام المصرف إلى فضيحة النفق في مساحة طولها لايتعدى المايتين متراً وعرضها لا يتعدى عشرين متراً، اختصار للحالة المزرية التي يعيشها الوطن والمواطن… عبثاً نحاول إذا لم يجترح المسؤولون حلاً شاملاً وإذا لم تعالج قضايا الناس بعيداً عن كل الفضائح وفي كل الملفات، فسيأتي يوم لن ينفع معه الندم لأن الناس كفرت بكل شيء…

زيارة لأحد المسؤولين إلى أحد البيوت العتيقة سيرى حجم المأساة اليومية التي يعيشها الناس…

وزيارة أخرى لمثلث الرعب في بحمدون وللشارع الرئيسي في بحمدون وكل أبوابه مقفلة تصفر فيها الريح سيشاهد فيلماً حقيقياً بدون رتوش عنوانه: حكاية وطن ينهار…

(*) رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة