السعودية أمام مرحلة جديدة …هل يحمي الأبناء ما بناه الآباء؟

طغى خبر إحباط الأجهزة الأمنية السعودية للعملية الإرهابية التي كادت تستهدف المعتمرين والمسجد الحرام في مكة المكرمة، على ما سبقها من أحداث هامة وتحولات استراتيجية تعيشهما المملكة العربية السعودية، هذه الفترة لاسيما التغيرات التي أدخلت على نظام البيعة وقضت بمبايعة الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، بعد إعفاء الأمير محمد بن نايف من مهامه.

الخبر الأمني ليس الأول في المملكة العربية، بل يبدو تكراراً لسيناريو مشابه استهدف المسجد النبوي الشريف في رمضان العام الماضي، لكنه كشف حجم التحديات والمخاطر التي تعيشها المملكة السعودية في هذه المرحلة الدقيقة، حيث تحيط بها النيران من كل حدب وصوب وتقود مواجهة شبه مباشرة مع الإرهاب والفكر التكفيري، من جهة، والتمدد والتدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة والجوار من اليمن الى سوريا مرورا بالعراق وقطر والبحرين، من جهة ثانية.

لقد بينت مجريات الاحداث المتتالية التي شهدتها المملكة العربية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية جهوزية المملكة واستعدادها مواكبة التحولات وقدرتها على حماية وتعزيز تماسكها الداخلي واستقرارها الأمني، وما إحباط القوى الأمنية للعمل الإرهابي الذي كان يستهدف الحرم المكي وإلقاء القبض على المجموعات الثلاث في عملية استباقية، بعد ساعات على الأمر الملكي الذي قضى بتعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، والأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، وزيرا للداخلية بدلا من عمه الأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق، إلاَ تأكيد على هذه الجهوزية المؤسساتية.

“الأنباء” قرأت في معاني التحول المهم في السعودية وأبعاده المستقبلية وانعكاسه على الدور الريادي الذي تلعبه المملكة على المستويين الدولي والإقليمي. الدكتور كمال حمَّاد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، رأى أن الأسباب التي دفعت الى إصدار الأمر الملكي الذي قضى بتعديل نظام البيعة الأساسي المتبع منذ عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وسمح بانتقال سلطة الملك وسلطة ولي العهد، بين أبناء وأبناء أبناء الملك المؤسس عبد الله بن عبد العزيز، بعد أن كان يحصر تولي هذه السلطات على غير أبناء الملك المؤسس، “فرضتها التحديات التي تواجه المملكة على المستوى الأمني والوضع الإقليمي في اليمن وفي إيران وفي ليبيا وسوريا، وحتى التوتر مع قطر، كما فرضتها طبيعة علاقات المملكة مع الدول الكبرى، فالوقت الآن هو الأنسب لإجراء تلك النقلة النوعية، حيث أن الملك سلمان رجل كبير بالعمر وحالته الصحية ليست جيدة، وأراد إجراء هذا الانتقال المريح لحكم المملكة الى ولده الأمير محمد بن سلمان الذي يعتبر بنظر الشباب السعودي “أمل المملكة”، وهو لا يتجاوز الـ31 سنة من العمر فيما ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف يبلغ الـ 59 سنة، كما ينظر الى الأمير الشاب بأنه صاحب رؤية، وهو من أطلق خطة المملكة 2030، ويعرف عنه بأنه مهندس العلاقات الاقتصادية مع الدول الكبرى، وهو يمسك بأكبر الملفات في المملكة، ويعتبر الرجل الأقوى فيها، في الوقت الحاضر”. 

واعتبر حمَّاد “أن الانتقال الذي أراده الملك أمام عينيه وفق نظام البيعة بحيث اعلن عن تأييد 31 عضو من 34 عضو للأمير سلمان، ما يعني تأييد العائلة الحاكمة للملك المستقبلي، وبالتالي فإن هذا الانتقال لن يؤدي في المستقبل الى أي زعزعة بتماسك العائلة الحاكمة، حيث بات لديها نظرة جديدة للأمور، كما أن العالم بدأ ينظر الى المملكة السعودية نظرة مختلفة عن السابق، وبالتالي فالمستقبل أمام الجيل الجديد الذي يجسده الأمير محمد بن سلمان صاحب الرؤية والسياسة، ويعرف ماذا يريد للسعودية في الداخل وفي الخارج”.

من جهة أخرى يُعرف عن الأمير محمد بن سلمان نشاطه وحضوره الاقتصادي والدولي المتميز، وبأنه يريد الانتقال بالمملكة من منطق الاتكال على الاقتصاد النفطي، الى مشاركة الاقتصاد غير النفطي الاستثماري في زيادة الإنتاج والدخل القومي، وهذا يتطلب مشاركة القطاع الخاص مع القطاع العام في إعداد موازنة الدولة المالية، والتي كانت ترتبط  بالسوق النفطي وأسعاره لتحقيق الانتعاش في النمو او العكس.

الأمر الآخر الذي يعزز من تماسك الحكم السعودي، برأي حمَّاد، “انتقال وزارة الداخلية من أن الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، إلى ابن أخيه الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، بعد أن كان قد تولى وزارة الداخلية منذ رحيل والده الأمير نايف عام 2012، حيث كان والده قد تولى وزارة الداخلية منذ العام 1975، وذلك لضرورة الحاجة إلى مقاربة جديدة لمكافحة الإرهاب، خاصة بعد التوتر الحاصل مع دولة قطر، وهذا قد يكون من الأسباب التي سرعت الشروع في تلك التغييرات، حرصا على تماسك العائلة وعدم تزعزعها”.

أما هشام دبسي مدير مركز تطوير للدراسات والباحث في الشأن السعودي والعربي، رأى أن للحدث طابع مفاجئ نسبياً، بحيث أن هذا التحول كان يعد له منذ فترة، وكان يحتمل وفق التقديرات سنة أخرى، لكن عوامل مرتبطة بتطورات الحالة السعودية على المستويين الإقليمي والدولي سرعت في إنجازه، ما يستدعي قراءة هذا الحدث من عدة زوايا.

فالمملكة العربية السعودية خاضت خلال السنتين الماضيتين حروباً وصراعات مختلفة، وأنشأت أحلاف متعددة، واستطاعت تغيير وجه المملكة السياسي، سواء من زاوية التحالفات والاتفاقات التي وقعتها مع معظم الدول الكبرى في مجموع دول الثمانية، أو في مجموعة الدول العشرين، حيث وقعت اتفاقات اقتصادية ضخمة، مع اليابان وماليزيا والصين، وفي الوقت الذي كان خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز في الصين، كان ولي ولي العهد محمد بن سلمان في واشنطن، وكلاهما قال كلاماً واضحا وبسيطاً، بأنهم ينشؤون تحالفاتهم على أساس المصلحة وليس على أساس الإيديولوجيا، وهذا ما يفسر برأي دبسي، “الحضور السعودي الجديد على المسرح الدولي”.  

واعتبر دبسي أن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى السعودية، شكلت نقطة تحول بإعادة ترتيب الوضع الداخلي السعودي، حيث وضع فيها ولي ولي العهد بمكانة خاصة، لاعتباره مهندس العلاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة، منذ زيارته الأولى إلى واشنطن، بعد تولي الرئيس ترامب إدارة البيت الأبيض حيث كان الأمير محمد بن سلمان من أولى الشخصيات التي استقبلها، كما أن واشنطن ترغب بالاطمئنان على انتقال الحكم في المملكة من الجيل الأول والثاني إلى الجيل الثالث، وبمثل هذه الحالة لا بد من ضمانات دولية لا سيما من البيت الأبيض، الركن الأساسي العلاقات السعودية – الأميركية، ليس لضمان سلامة هذا الانتقال فحسب، بل لضمان متانة هذه العلاقة، التي يجب أن تكون متينة وخالية من أي صدام مباشر.

وأوضح دبسي، أن التعينات التي شملت جيل الشباب من أبناء الأسرة الحاكمة، من أبناء الملك فيصل والملك فهد والملك عبد الله والملك خالد، نالوا مناصب ومواقع ضمنت إعادة التوازن داخل الأسرة الحاكمة، كما أن التعديل الذي اعلن عنه، يمنع بعد ولاية الملك سلمان، أن يكون الملك وولي العهد من فرع واحد من أبناء عبد العزيز، وهذا المسعى يضمن بقاء التماسك على داخل الأسرة الحاكمة، واعتبر أن الإعلان عن أن 31 من 34 عضو من هيئة البيعة دعموا هذا التغيير، يعني أن الاسرة الحاكمة، مدركة لحجم المخاطر التي تحيط بها، ومدركة للاحتمالات التي تواجهها فيما لو حصلت أي انشقاقات داخلها.

وشكك دبسي بدقة المعلومات التي تطلقها بعض وسائل الاعلام عن تزعزع الاسرة الحاكمة، مقللا من أهمية هذا الكلام قائلاً: “نحن أما عائلة حاكمة ذات طبيعة بطريركية، ضابطة لأوضاعها الداخلية في سر وكتمان، وخبرة تمكنها من عبور المنعطفات الحساسة ببصيرة ودقة وروية، وتمكنها من إعادة إنتاج توازناتها بحرفية عالية، كما لديها من المناصب والمال، ما يرضي الجميع”. 

وكشف دبسي أن النجاحات الاقتصادية التي حققتها السياسات الجديدة بفعل الإجراءات التي اتخذت خلال السنة الماضية، وفرت ما يوازي 35% من الموازنة من خارج المداخيل النفطية، في الوقت الذي تخوض فيه المملكة حرب عسكرية تستدعي مصاريف ضخمة، ورغم ذلك لا تزال المملكة السعودية رابع دولة في العالم تحتفظ بأكبر مخزون من العملات الصعبة، بعد الصين واليابان وكوريا أو ألمانيا، فلم يتأثر احتياطهم المالي خلال السنوات الثلاث من عمر الأزمة، فهم يملكون أكثر من نصف ترليون دولار احتياط عملة صعبة، وبالتالي فإن عناصر القوة المالية متوفرة فهم لم يلجؤوا بعد إلا إلى إعادة النظر في هيكلية الصرف وهيكلية الاقتصاد غير النفطي، وهذا ما ترتكز علية رؤية ولي العهد للسعودية 2030″.

المملكة العربية السعودية أمام مرحلة انتقالية جديدة بدأن مع تعيين الأمير الشاب محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وهي اليوم تبدأ خطوتها الثانية من تلك المرحلة بتعيين الأمير الشاب ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، في ظل عالم عربي متحول وجبهات سياسية وعسكرية مفتوحة من حولها وعليها، فالأنظار شاخصة إلى المملكة وعلى مستقبلها الذي بات بعهدة جيل الشباب، فهل تضمن مكانتها كقوة إقليمية وازنة، وتحافظ على موقعها الصاعد كلاعب رئيسي في مسرح الشرق، وعلى المسرح الإسلامي السني، والمسرح الدولي كواحدة من دول العشرين؟

فوزي ابوذياب