لماذا زار تيمور جنبلاط عائلات ضحايا 16 آذار 1977؟

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

تُظِهر الاحداث المتراكمة عبر التاريخ؛ ان نموذج العيش المُشترك بين المُسلمين والمسيحيين في لبنان – لا سيما بين الموحدين الدروز والموارنة في جبل لبنان – مُستهدفٌ على الدوام من قبل الاطراف الخارجية التي يروُقُ لها التدخُل في الشؤون الداخلية اللبنانية. والتدخُّل في لبنان مُغرٍ لأنه من خلال لبنان يمكن توجيه رسائل في اكثر من إتجاه اقليمي او دولي. وتأجيج الصراعات بين الفئات اللبنانية؛ كانت سِمة من سمات سياسة ابراهيم باشا المصري في النصف الاول من القرن التاسع عشر، ومن ثمَ كانت مرحلة سياسة القناصل الاربعة، كذلك؛ فإن الاتراك اعتمدوا هذه المُقاربة لتثبيت نفوذهم الطويل في البلاد قبل هزيمتهم في العام 1917، وعلى ذات المنوال من سياسة ” فرِّق تسُد ” قامت ثوابت دول الإنتداب، لاسيما الفرنسيين في النصف الاول من القرن العشرين، وكان للعدوان الاسرائيلي دوراً في زيادة الشرخ بين الفئات اللبنانية، لاسيما بعد إجتياحهم للبنان في العام 1982، ولعبت القوات السورية التي كانت تتواجد في لبنان قبل العام 2005، دوراً في منع التلاقي بين اللبنانيين، وفي اكثر من محطة.

في 16 آذار/مارس 1977 اغتيل زعيم الحركة الوطنية اللبنانية، والسياسي والمفكر المعروف كمال جنبلاط، وبيَّنت التحقيقات التي جمعها القاضي الراحل حسن قواص: ان افراد من اجهزة الامن السورية تقف وراء تنفيذ الجريمة. وعلى أثر هذا الاغتيال وقع ما يقارب ال100 من المسيحيين الابرياء في القرى المُحيطة بالمختارة – مقر الزعامة الجنبلاطية – ضحايا ردة فعل شنيعة، يبدوا انها كانت مُنظمة – او متوقعة – من أجهزة الامن السورية، لتوسيع الشرخ بين المسيحيين والدروز في الجبل، وإشعال فتنة عارمة، واغلبية الشهداء كانت تربطهم علاقات سياسية بالبيت الجنبلاطي منذ القِدم، حيث ان الإنقسامات في الجبل غالباً ما كانت حزبية، وليست طائفية.

قام تيمور وليد جنبلاط الاحد الفائت برفقة وفد نيابي وحزبي بزيارة الى عائلات الشهداء الذين سقطوا يوم إغتيال جده كمال جنبلاط، ووضع اكاليل من الزهر على اضرحة هؤلاء الضحايا تحديداً، رُغم وجود العديد من الشهداء غيرهم، ومن كل الطوائف، سقطوا إبان الحرب البشِعة التي وقعت في لبنان بين العام 1975 والعام 1990. ولهذه الزيارة رمزية كبيرة في هذا الوقت بالذات، تؤكد على ختم الجرح، وعلى السلام، وتكاد تكون باكورة إطلالات تيمور جنبلاط السياسية النوعية، بعد اكثر من سنتين على تسلُّمه مُتابعة الملفات الخدماتية والإنمائية من والده وليد جنبلاط.

كان لكلام تيمور جنبلاط في كنائس بلدات مزرعة الشوف وبطمة ومعاصر الشوف والباروك امام جمهور من المُستقبلين؛ وقعٌ بالغ الأثر، حيثُ اكد على ان مهمته الاساسية: هي المحافظة على الدروز والمسيحيين في الجبل، وعلى نموذج التعايُش بين كل اللبنانيين مهما كانت إنتماءاتهم الدينية، او السياسية، والتعالي فوق الجراح والمآسي التي تركتها الدماء البريئة التي سقطت من كل الاطراف، بل والتأسيس على التضحيات الكبيرة  لزيادة اللُحمة بين اللبنانيين.  وهذه المهمة ترتقي فوق الخلافات السياسية والحزبية، مُشيراً الى كلام قاله له والده منذ 6 سنوات ” مهما حصل لن يتغير شيء، المهم المحافظة على لبنان وعلى التعايُش وعلى الاستقرار” . وقد توضَّح تأثير كلام تيمور واهمية المبادرة من خلال الخُطب التي القاها رجال الدين المسيحيين ورؤوساء البلديات ترحيباً به.

بدا واضحاً ان رسالة تيمور جنبلاط من خلال هذه الزيارة؛ التأكيد على كون لبنان نموذجاً لتعايُش الاديان وللتنوُّع. وانه رسالة اكبر من وطن كما قال البابا يوحنا بولس الثاني. وتيمور جنبلاط المُنطلق من تراكُم تاريخي جمعهُ اسلافه؛ يُدرك ان هذه العناوين تُلزِمهُ بتقديم التنازلات في سبيل ترسيخ هذه المقاربة التي تُعطي الاولوية للإستقرار في الجبل فوق الحساسيات، وبصرف النظر عن الحسابات الإنتخابية، رُغم ان بعض الجُدُد في تعاطي الشأن السياسي لا يقيمون وزناً كبيراً لهذه الثوابت.

امام تيمور جنبلاط مهامٌ صعبة، وتحديات مُعقدة، ذلك ان مِحفظةُ المختارة ثقيلة، تجمع بين الحواصل الانتخابية والحزبية، وبين المهام الوطنية البعيدة المدى. لكن مراقبين مُحايدين لإنطلاقتهِ يؤكدون: ان ملامحه وحركيته وما بدا من مواقفه حتى الآن؛ يوحي بالثقة، ويُشير الى قدرته على مجابهة الصعاب في المستقبل الذي ينتظره.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل