عندما تتحوّل مآتمنا إلى عروض أزياء وصبحيات نسائية!
22 يونيو 2017
تتطاول على عاداتنا وتقاليدنا الإجتماعية – الجميلة منها والمتعلّقة بموروثنا القيمي والأخلاقي والإجتماعي المميّز كأبناء وطن لطالما تباهى بأعرافه الدالّة على عمق إنساني وحضاري – عادات وممارسات لا تمتّ لتاريخنا الحضاري بصلة!
ولعلّ أكثرها نفوراً ما نشهده في مراسم دفن موتانا. أو ربّما نراه الأبشع لأنه صودف أن اخترنا كتابة هذا المقال فور عودتنا من مأتمٍ تم خلاله تشييع رجلٍ استثنائي بإنسانيّته، وقد استفزّنا ما شهدناه من ممارسات في القسم المخصّص للنساء فيه!
فهنا سيّدة تستعرض ما خفّ سِتره وغلا ثمنه من الأزياء المزركشة والـ “آخر موضة”، وهناك حسناء تصبّ جام غضبها وحزنها المصطنع في علكةٍ لا تتوانَ عن إصدار صوت “التطقيش” بها. هنا “بوطة” من النساء استغلّيْن المأتم لاستكمال صبحيّة كنّ بدأنها ربما على “قرعة متّي”، وهناك أخريات تتبادلن الضحك على “خبرية” أو نكتة. ونحمد الله أنهنّ جعلن ضحكهنّ صامتاً!
وفي الصفّ الأمامي سيّدة ذات دور وموقع وشأن في البلدة، تحاول جاهدةً كبت ضحكتها الخجولة، فلا تقوَ على ضبط ملامح وجهها بالكامل، رغم تأثرها المفترض بوفاة احد ابناء عائلتها ممّن لهم بصمة خير في كل حيّ وشارع وزاوية من زوايا البلدة.
أحاديث وهرج ومرج في مناسبةٍ يُفترض أنها لأسمى درجات الصمت، ليس حزناً على الراحل واحتراماً ومواساةً لذويه المفجوعين فحسب، بل ليتذكّر كلٌّ منّا موتاه، فيترحّم عليهم ويغرف من دروس الموت وعظاته زاداً لإنسانيّته وقربه من خالقه وعياله!
وحدها أصوات قلّة معدودة من السيّدات يردّدن بعض الآيات القرآنية وبعض الأشعار الروحانيّة كانت تحاول اختراق الضجيج، فلا تجد آذاناً تسمع ولا نخوةً تردد بعدها!
ماذا حلّ بنا فعلاً؟ أين هيبة الموت وقيمته؟ وما هذه الظاهرة المخجلة التي تخرّب علينا حزننا، كما خرّبت غيرها من ظواهر الفحش والبتر أفراحنا؟
لا ندري حقّاً. لكن حذار. فالموت حقّ. والحقّ سلطان لا يُعلى عليه. ولا أحد بيننا يرغب بأن يتحوّل مأتمه إلى مسرحٍ لعروض الأزياء والصبحيات النسائية!
(*) غنوة غازي – “الأنباء”