هل تخلط الأزمة الخليجية أوراق التحالفات والتوازنات في المنطقة؟

تراوح الأزمة الخليجية – القطرية مكانها تحت سقف التوازنات الدبلوماسية، التي فرضتها التدخلات الإقليمية الداعمة لقطر من (تركيا وإيران)، والتي أبقت المساعي الكويتية لحل الأزمة دون مستوى المبادرة الفاعلة، بفعل الشروط التي وضعتها الدول الأربعة المقاطعة لقطر، المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، والشروط المقابلة التي أعلن عنها وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأن بلاده “لن تتفاوض مع الدول العربية التي قطعت العلاقات الاقتصادية وروابط النقل معها ما لم ترفع إجراءاتها ضد الدوحة”.

كما وساهمت ازدواجية الموقف الأميركي بإطالة عمر الازمة الخليجية ومراوحتها، حيث استفادت قطر في توسيع دائرة مناورتها السياسية، فالدعم العسكري الأميركي وإشادة عدد من القادة العسكريين الاميركيين بالدور القطري في مواجهة الإرهاب، قلل من أهمية وتأثير تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر حسابه على “تويتر” المؤيدة للموقف السعودي وللإجراءات التي اتخذتها ضد قطر، كما ضاعف الدعم التركي العسكري والسياسي ورسائل ايران الودية والاقتصادية من ثبات موقف الدوحة، وهذا ما أشار إليه أيضاً وزير الخارجية القطري، بقوله أن بلاده “سنعتمد على تركيا والكويت وعمان إذا استمرت الأزمة وعلى ايران أيضا في توفير ممرات للطائرات”.

1024120389

التوازنات الجديدة التي فرضتها الازمة القطرية، تنذر اذا ما استمرت في مراوحتها بخلط كبير لأوراق التحالفات الإقليمية في المنطقة، خاصة داخل تحالف الدول الإسلامية والعربية التي وقعت على بيان قمة الرياض الأخيرة بحضور الرئيس الأميركي، والتي اتفقت خلالها تشكيل تحالف شرق أوسطي لمحاربة الإرهاب ومواجهة التوسع والنفوذ الإيراني في المنطقة لا سيما العراق وسوريا.

ان استمرار مراوحة الازمة الخليجية وفق المسارات التي اتخذتها باتت تهدد مستقبل ووحدة مجلس التعاون الخليجي وامنه، وتضع المملكة العربية السعودية والدول المؤيدة لها لا سيما الامارات العربية المتحدة والبحرين، امام معركة استنزاف اقتصادية مرهقة وطويلة الأمد، وجها الى وجه مع ايران، مواجهة لا تقل خطورة عن معركة الاستنزاف العسكرية التي تخوضها المملكة والتحالف العربي في حرب اليمن.

في هذا السياق، وفيما دخلت الازمة القطرية مرحلة جديدة مع بدء سريان قرار مغادرة القطريين أراضي الدول المقاطعة، دعت الإمارات العربية المتحدة أوروبا إلى الضغط على قطر كي تتراجع عن سياساتها، وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش إن أبو ظبي تقترح “مراقبة أنشطة الدوحة في المنطقة إذا تراجعت عن مواقفها”، وإن “القوى الغربية قد تضطلع بهذه المهمة كي لا تملأ تركيا وإيران الفراغ”. وقال قرقاش إن المقاطعة التي تفرضها دول خليجية “قد تستمر سنوات إذا لم تغير قطر مسار سياساتها الداعمة المتشددين”، وأضاف أن الدول المقاطعة تعد قائمة بالشكاوى ستعلنها قريباً.

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2017-05-01 20:04:08Z | | W4

قطعُ العلاقات الديبلوماسية بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر ووقف حركة النقل مع قطر منذ الخامس من حزيران الجاري. واتهام الدول الأربع الدوحة بتأجيج الاضطرابات في الشرق الأوسط وتمويل الإرهاب والتقارب مع إيران، كان محط اهتمام الباحثين الغربين، والتي تباينت قراءتهم للحدث، فالباحث في معهد الدفاع عن الديمقراطيات ديفيد أندرو فينبرغ رأى أن الأزمة اليوم تعود إلى العام 1990، وللآراء المتناقضة بين السعودية وقطر حيال قوتين صاعدتين: إيران والإخوان المسلمين. بعد غزو قوات صدام حسين الكويت في 1990، والتي تسببت بخلط كبير للمسارات، “فالرياض واجهت ضغطً من دعاة الإخوان المسلمين المحليين الذي طالبوها بتقديم تنازلات سياسية، بما في ذلك وضع حد للترتيبات الأمنية بين المملكة والقوات الأمريكية، وأنهى السعوديون علاقتهم الحميمة بالإخوان. أما قطر فقد اتخذت مساراً منفصلاً، وأدرك قادتها أن بقاء الإمارة يتطلب بناء نفوذ مع القوى الكبرى، وحتى ربما مع لاعبين من غير الدول في ما وراء شبه الجزيرة العربية. وعندها برزت قطر بصفتها الداعم الإقليمي الأكبر للإخوان المسلمين في المنطقة”.

وأشار فينبرغ إلى أن قطر استفادت من نقل الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية من السعودية إلى أراضيها في العديد. ومذذاك منحت القاعدة الدوحة حصانة من الضغط الأمريكي وقللت من اعتماد قطر على جيرانها الخليجيين في سياستها الدفاعية. وفي عام 2011 وضعت الدوحة كل ثقلها خلف جماعات الإخوان المسلمين في محاولة لتحدي النظام القائم. وهذا ما فرق من جديد بين الرياض والدوحة. إن دعم قطر لميليشيات الإخوان أو لأحزاب سياسية في أنحاء المنطقة، أقلق بقوة لاعبين عرباً آخرين خصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية. وبرز التوتر أكثر ما برز في مصر، حيث دعمت الدوحة حكومة الرئيس محمد مرسي الإخوانية بينما دعمت السعودية والإمارات الانقلاب عليه.

ولفت الباحث إلى ان الأزمة نجمت عن إخفاق الدوحة الظاهر في التزام الخط السعودي ضد إيران، مما أعطى الرياض سبباً جديداً للانضمام إلى الإمارات في حملتها ضد الإخوان المسلمين.

قطر-1

أما مدير مشروع شتاين لمحاربة الإرهاب في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” ماثيو ليفيت، والباحثة في المشروع نفسه كاثرين بوير، اعتبرا أنّ الدول العربية عاقبت قطر لصلاتها مع عناصر تطرف متنوعة تبدأ بطالبان وتمرّ بإيران وتنتهي بالإخوان المسلمين. لكنّ صلاتها الأكثر إثارة للقلق هي تلك التي تقيمها مع القاعدة. وشدّدا في مقالهما ضمن مجلة “فورين بوليسي” الأميركية على أنه قد آن الأوان لكي تنتهي تلك العلاقة.

ويشير الباحثان اللذان كانا مسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية إلى أنّ هنالك جواً قطرياً يضفي الشرعية على القاعدة في سوريا لأنها تحارب نظام الأسد و(داعش). والعديد من المتبرّعين ينظرون إلى مقاتلي القاعدة على أنهم “متطرفون معتدلون” في نزاع متعدد الأطراف، ويلفتان إلى أنّ موازنة التنظيم قد تصل إلى 10 ملايين دولار سنوياً من بينها عدة ملايين تأتي من متبرعين فرديين تساعدهم بعض وسائل التواصل الاجتماعي. كما وأن قطر دفعت مئات ملايين الدولارات لتنظيمات مرتبطة بالقاعدة من أجل إطلاق سراح أعضاء من العائلة الحاكمة اختُطفوا في رحلة صيد داخل العراق.

ويرى الباحثان إنّ لائحة داعمي وممولي الإرهاب (59 فرداً و 12 كياناً) التي أصدرتها الدول العربية تؤمّن للدوحة فرصة للمساعدة على حل مشكلتها مع دول الخليج كما يكتب الباحثان. ويمكن لقطر أن تتخذ “فوراً” إجراءات ضد هؤلاء الأشخاص والكيانات وهم كانوا أساساً على لائحة التصنيف الأمريكية والأممية وبالتالي كان على قطر أن تتحرّك مسبقاً في هذا المجال. وعلى وجه الخصوص يمكن للدوحة أن تركز على العديد من ممولي القاعدة في هذه اللائحة وتتخذ خطوات عملية بناء على إعادة التزامها بمكافحة تمويل الإرهاب في قمة الرياض.

بدوره الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست، شكك في قدرة الدول الأربعة “تركيع” قطر عبر إغلاق حدودها وفرض الحصار التام عليها. وأوضح هيرست في مقال له بعنوان “لماذا الحملة ضد قطر مكتوب عليها الفشل؟”، إن هناك ثلاث قوى إقليمية تتسابق على السيطرة: “القوة الأولى تتزعمها إيران- واللاعبون الذين ينضوون ضمنها منهم دول مثل العراق وسوريا، ومنهم جماعات مثل المليشيات الشيعية في العراق وحزب الله والحوثيين”.

saudi-army1

أما القوة الثانية فهي النظام القديم المتمثل بالملكيات السلطوية في منطقة الخليج: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وينضم إليها كل من الأردن ومصر. بينما الكتلة الثالثة تقودها تركيا وقطر، ومعهما جماعة الإخوان المسلمين والقوى الفاعلة في الربيع العربي.

وقال هيرست إن “عنصرين غيرا من قواعد اللعبة، وأثرا على مسار الحملة السعودية ضد قطر، وهما قرار البرلمان التركي تسريع إصدار تشريع يسمح للقوات التركية بالانتشار في قاعدة داخل قطر، وبيان قوات الحرس الثوري الإيراني الذي اتهم السعودية بالمسؤولية عن الهجوم على البرلمان الإيراني ومرقد الخميني”.

ولفت هيرست إلى أن الحسبة لدى المملكة العربية السعودية، أخطأت إذ سعت لفرض إرادتها على دولة قطر الصغيرة، لأنها بمحاولتها تلك خلخلت النظام الإقليمي الذي اعتمدت عليه في التصدي لنفوذ إيران في مختلف البلدان المحيطة بالمملكة.

مهما اختلفت القراءات والتحليلات فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بخطوتهما تلك المدعومة من دولة مصر ومملكة البحرين أودعتا قطر وداعميها مسؤولية تمويل الإرهاب والتطرف، واطلقتا حملة تنظيف البيت الإسلامي من الإرهاب، وإن كان ذلك يتطلب مواكبة تلك العملية، بحوار إسلامي – إسلامي تنويري معمق، يخرج الفكر السلفي من دائرة العنف والجهل والتكفير، الى فضاء الفكر الإنساني التسامحي المنفتح.

 

فوزي ابوذياب – الانباء