هل عادت المارونية – السنية السياسية؟!

د. صلاح ابو الحسن

مصطلح المارونية السياسية الذي كان سائدا قبل الحرب الأهلية في لبنان، لم يكن يعبّر فعلا عن التركيبة السياسية الحقيقية لهذا “المصطلح” وان كان الموارنة يمثلون الغالبية الساحقة، لكنها كانت تضم قلة فاعلة من المذاهب الإسلامية وقلة ايضا من المذاهب المسيحية الأخرى.. وباعتبار ان الموارنة كانوا في أعلى مراتب السلطة في ذلك الوقت اي في رئاسة الجمهورية.. فنُسبت التسمية اليهم باعتبارهم الممسكين الحقيقيين بزمام السلطة السياسية..

ولذلك كان يُطلق يومذاك على بعض رؤساء الحكومات صفة “باش كاتب” للدلالة على انهم “ملاحق” للسلطة السياسية “العليا”.. التي ترأسها الطائفة المارونية..

ورغم هذه “التشكيلة” السياسية المتنوعة والتي تضم طوائف مختلفة، فهذا يعني في مكان ما، ان الإنقسام السياسي في تلك المرحلة كان وطنيا أكثر منه طائفيا او مذهبيا الى حد ما، أي ان الإنقسام السياسي في لبنان كان أفقيا، اي انقساما بين فئات المجتمع.. وليس عاموديا مذهبيا.. بين طوائفه.

لكن، لا بدّ من الاشارة ان احزاب الحركة الوطنية اللبنانية، والذي كان على رأسها الشهيد كمال جنبلاط والحزب التقدمي الإشتراكي، كانت اوسع تمثيلا وانتشارا على صعيد كل الوطن وكذلك الأمر بالنسبة للأحزاب القومية واليسارية.. فيما احزاب اليمين اللبناني كانت بمجملها اما مناطقية او ذات صبغة طائفية.. علما ان “المعلم” كان يميل أكثر الى القول، ان الإنقسام السياسي في لبنان ليس بين اليمين واليسار، على اعتبار ان “اليمين” في لبنان “غبي” و”اليسار” “متخلف”.. كما كان يقول كمال جنبلاط، والذي كان يفضّل تسمية الإنقسام السياسي القائم بـ”الخط الوطني” و”الخط اللاوطني”.. وكان التركيز دائما من قبل الأحزاب اليمينية على “رشق” الآخرين وكل من لا يسير في ركبهم، بـ”اليسار”، بقصد اثارة العصبيات الطائفية المتعصبة والتحذير من “جرثومة” الإلحاد الشيوعي.. والبعض يذكر القرار الشهير الذي اتخذه “المعلم” عندما كان وزيرا بعقد صفقة مع الإتحاد السوفياتي، بمبادلة التفاح اللبناني بالسكّر الأسمر.. فلجأت الدولة وقتها الى ترك السكر لبعض الوقت في البحر وسرّبت المياه الى داخل الباخرة.. ثم انزلته الى الأسواق بعد ان فسُد.. ليقولوا: كمال جنبلاط يريد إطعام اللبنانيين السكّر الشيوعي الفاسد والأسمر!

الحركة الوطنية وكمال جنبلاط

ولا بدّ من الإشارة ايضا، الى ان احزاب المارونية السياسية وحلفاءها من باقي الطوائف، كانوا دائما موالين ومناصرين لكل العهود، فيما الأحزاب التقدمية والشخصيات الوطنية تقف في صفوف المعارضة المطالبة بالإصلاح السياسي وبالحريات السياسية والإقتصادية الإجتماعية.

وكم هي “شماعة” الإلحاد شبيهة اليوم بجرثومة داعش والإرهاب.. وهما اختراع وانتاج الغرب والأنظمة العربية الديكتاتورية.. وقبلا، خيّروا المسلمين بين الدين والإيمان وبين الإلحاد الشيوعي.. وكم هناك من تشابه بين الأمس واليوم، عندما يضعون العرب امام خيارين: اما داعش او الأنظمة المخابراتية.. او فلنقل بين السجن العربي الكبير وبين الديمقراطية التي تخدم “العدو” الصهيوني.. وكلها تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”… وهو ما أدّى الى تخيير الشعب بين الحرية والعيش الكريم وبين “جزمة” النظام او أقبية السجن الكبير..

Riad_as-Solh_Bechara_El_Khoury_Georges_Catroux

وبالعودة الى لبنان، فإن إعادة احياء “المارونية السياسية” التي كانت أحد أسباب الحرب الأهلية” التي لم تستمع الى نصائح العقلاء.. يوم وجّه كمال جنبلاط رسالة الى “الحفنة” الحاكمة الى “التنازل عن بعض الإمتيازات “السياسية” وبعض “فتات المائدة” لصالح الشريك “المسلم” لتجنب الحرب الأهلية، ودعاهم الى الأخذ بـ”البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي” فرفضوا.. وكانت الحرب التي دمّرت لبنان وأعادته الى الوراء لأكثر من نصف قرن.. وكان الطائف وكانت “المناصفة” بعد ان كانوا في مجلس الـ99 نائبا يمتلكون 54 نائبا مقابل 45 نائبا للمسلمين!!.. عدا باقي الإمتيازات في الرئاسة الأولى.. غريب امرهم كم يحبون المغامرات القاتلة.. ثم يتنازلون “مكرهين”..

الحرب الاهلية3

اليوم، يحاولون إعادة الخطأ ذاته.. وبحلة جديدة.. ولكن علنية.. اسمها: “المارونية – السنية السياسية”.. والفارق بين القديمة والجديدة ان الأولى كانت تهدف الى حصر كل الإمتيازات   السياسية فيها دون شريك لها.. فيما الثانية تهدف الى توافق الشريكين على خوض معركة تكسير رؤس الفرقاء الآخرين من كل المذاهب..

وليعرف الطرف “السني” جيدا ان الطرف الآخر لا يهوى الشراكة مع أحد.. خاصة ان الشريك “الشيعي” كثير الحذر والريبة من التفاهمات السنية – المارونية، خاصة التي حصلت قبيل الإنتخابات الرئاسية.. ويبدو أنها مستمرة.

وليعرف “الطرفان” أيضا ان العودة الى التحالفات المشبوهة والمريبة التي كانت قائمة قبل الحرب الاهلية هو لعب بالنار.. وهي بضاعة فاسدة وغير قابلة للترويج.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم د. صلاح ابو الحسن

“الدروز” الى أين؟؟!!

هل “هزة” حماة وحلب تُبدل قواعد اللعبة

الى رفاقنا وأهلنا وأصدقائنا في المتن الأعلى “تجربتكم مع هادي سبقت نيابته”

ترامب ومصير الإنتخابات

الناخب بين “الحاصل” و”المحصول”

قانون الإنتخاب “الإلغائي” و”شفافية” التزوير..

لا تصدّقوا وعود الإنتخابات

لا تستخفوا بالمعترضين

بعد الغوطة.. الإرهاب أرحم

ولماذا الإنتخابات؟!

انقلب باسيل على تفاهم مار مخايل.. وقضي الأمر!!

هكذا صهر يُعفي العهد من الأعداء

مصائر الديكتاتوريات متشابهة!

بين نداء الحريري ونداء “صاحب الزمان”!!

ما أحوجنا اليك

وأخيرا… “طفح الكيل”!

“كأنه حُكم على اللبنانيين أن يحكمهم دائما الجهال”..

رسالتي الى الرفيق تيمور

إنتصار “الأوهام” الكاذبة!

صنّاع الإرهاب هم صنّاع تقسيم سوريا!