تمنياتي لإنسان الغد!

محمد خالد

أنباء الشباب

وهل كان بإمكاني تلخيص كتاب “تمنياتي لإنسان الغد” للمعلم الشهيد كمال جنبلاط دون الإستعانه بكلماته؟ فأخذت من فهرست المحتويات ترتيباً لأخط مقدمتي:

ما كان إختيار المعول والريشة شعاراً وعلماً للحزب التقدمي الإشتراكي إلا دليلاً على الزهد والكفاح لتحقيق مبادئ الله من علمٍ ومعرفة لأطفال وشبان وجامعيين ومثقفين في طريق الحياة نحو مجتمع تسوده الوجدانية الكاملة. أفهؤلاء المدرّبون العالمون بأن المعرفة سيف ذو حدين وبأن المتعلم الضال أكثر خطراً على نفسه ومجتمعه من الجاهل يوعدون بالنار؟ فإذا كان ذلك فلكم جنتكم مع خنافس الاغنياء والخبثاء الظالمون، ولنا نارنا مع الفقراء والعمال والفنانون المناضلون. إستيقذوا وأدركوا بأن لكل منا رسالته يشهد ويستشهد لأجلها، نكون نحن في الإجتماع والعمل وتكونون انتم في الخلوة والانفراد والتبشير.

إن النفس البشرية مهما أثقلتها الحياة وقست عليها عبر الزمن تعود تواقة  لطهارة الطفل المكبوت في داخلها. هذا الطفل، الغرس الجديد سيتفتح سنابل ذهبيّه تضيء المجتمع وتعطي الحياة المجتمعيّة طعماً جديداً فيكونون قادتنا ومواطنينا وحماتنا ومناضلينا.

من هنا تبرز الحاجة للإهتمام والعناية بتغذية التربية منذ الصغر، بحيث أن الذهن البشر يتكون من كل ما هو خارج الإنسان. لذلك يترتب على الأهل والفرد والمجتمع التفطن للتفرقة بين العلم والمعرفة، فهما نهجان تربويان مختلفان يكمل الأول الثاني ويوجه الثاني الأول. العلم هو صقل العقل وشحنه بالمعلومات وصهره باتجاه القيم والانتظام، بينما المعرفة هي تهذيب العاطفة والتصرف. فلنساعده على الترفع بسلم المعرفة يجب ان نجمع له ما بين العقلانية والاندفاع العاطفي.

الطالب اللبناني والعربي إذا صح القول منذ ذهابه الى المدرسة تبدأ عمليّة تكديس المعلومات برأسه في ظل منهاج كبير مليء بالحشو الفارغ دون العودة الى أصالة الانسان ونبع النور الذي ذكرته الكتب السماوية، فتغيب العلاقة الإنسانية التي من المفترض ان تبنى بين الطالب والمعلم. فالتعليم يجب ان لا ينفصل عن التربية بل يكون العمود الاساسي الذي ترتكز عليه هذه الرسالة السامية البعيدة كل البعد عن الوظائف المعيشية العادية.

كل ما سبق يدعونا للعودة الى الإنطلاقه دون خجل،  فحضارتنا العربية كانت أجمل ما شهد العالم من حضارات إنسانيّة خلاقة. فبأسلوب طرح الموضوع ومناقشته،  وبتربيتهم أن يكتشفوا الحقيقة ضد التعب والكسل والخوف، وبتزويدهم بمبادئ الإجتماع البشري والاقتصاد والسياسة الى جانب الحياة الكشفية وما فيها من تذوق لروح التعاون وعدم التناحر نستطيع الترفع بالطالب الى مستوى القتال حين تنادي معركة الحياة.

الحضارة العربية

ومن مرحلة المدرسة الى مرحلة الجامعة… فالشباب الذي هو سن ما بعد المراهقة وحتى الدبّ على العصا، هو  أمل حضارة عمرها الاف السنين كادت ان تطمس بفعل الأنانية الفردية. فعليكم أن تكونوا مشاعل تنير دروب الآخرين، عالمون عامون لا تكتفون بمجال ضيق بل تأخذون شيئاً من كل علم وفن فتدحرون جهلاً وتظهرون حق وحرية لو لم تكن فيكم لما سعيتون إليها.

كونوا طبقة فكرية جديدة تجمع ما بين التربية والثقافة بجميع طاقات الجسد والحواس والعقل والشعور للمطالبة باقامة الجامعة اللبنانية والمختبرات والمكتبات والمعاهد العلمانية التي ستوحد وتجعل لكم حياة مشتركة واحدة وشعوراً عاماً واحداً في سبيل إقتباس الحقيقة الوطنيّة بلغة الضاد. ولتعلموا بـأن الثورة يجب أن يكون لها وعيٌ شامل وعميق لأهداف محددة وبأسلوب في الهدم والبناء واضح وموضوعي. لذلك عليكم ان تكونوا مجموعة يربطكم مصير واحد وصيرورة واحدة في سبيل تخطي الصعوبات الطائفية والمادية التي لم تمكن الشباب اللبناني من الوصول الى الحكم.

لا تخجلوا من الفقر، فالفقر فضيلة كيف لا فالقرآن والانجيل وجدا وأنزلا بين ناس فقراء. فإذهبوا للعمل اليدوي والعمل الجماعي، وإنخرطوا بالأحزاب بعد قراءة مبادئها وتتبع تصرفات زعيمها.

بإختصار يمكننا القول بأنها كما تكون المدرسة يكون الطالب، وكما تكون الجامعة يكون المواطن والإنسان. هذا الإنسان الذي يجب أن ترافقه التربية والثقافة بجميع مراحل عمره، فعصرنا هذا هو عصر ثقافة الجماهير. فمسؤوليته أصبحت أخطر من مسؤوليّة الشيخ والكاهن، بعد أن أصبح العلم والمتعلمون يمسكون بجميع مقاليد الدولة.

في وطننا ينتزع المطلب انتزاعاً، فكونوا شهداء على تجلي الإيمان بالنفس وتحققه في مجال العمل والحياة. وإبتعدوا من مجتمعٍ لا يفكر فيه الإنسان إلا بالرغبة والتطلب وإقتناء كل جديد وإستبدال كل قديم. وأخيراً لا تنسوا بأنكم أنتم وحدكم المسؤولون في تكوين الأجهزة التمثيلية عبر الإنتخابات البلدية والنيابية.

كان هذا وجه من وجوه مشكلة نشأة الإنسان في لبنان، اللهم أني قد بلغت، اللهم فأشهد.

 

*تلخيص كتاب تمنياتي لإنسان الغد للمعلم كمال جنبلاط عدد صفحات الكتاب ١٠٦.

(أنباء الشباب، الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم محمد خالد

أما يبس الغصن الأخضر بعد؟

لبنان والفساد التاريخي

من حرب بالكلمة لحرب عليها!

خلاصة عام