نظام قديم بحلة جديدة!
وهيب فيّاض
17 يونيو 2017
منذ ما يقارب المئة سنة، ولد لنا إبن أسميناه نظام لبنان الكبير، فقير لا يملك من الثروات إلا ماءه العذب وهواءه العليل وأدمغة وزنود أهله الميامين.
ولكنه ولد في منزل بعدة منازل، وكل غرفة منه منزل. أرضه ضيقة على أهله، ولا يستطيع لتوسيعها سبيلا إلا باتجاه البحر، ردماً أو هجرة، ومع ذلك يطمع جيرانه بأملاكه المتروكة بوراً على حدوده بلا رعاية ولا عناية..
رغم كل الصعاب كبر هذا الصبي، مستعيناً بمناعته الطبيعية، واستطاع أن يبقى حيّاً رغم الحروب الداخلية والاجتياحات الخارجية، وبقدرة قادر بلغ العقد التاسع من عمره، ولكنه بعد أن خسر ماءه الزلال وهواءه العليل، والكثير من أدمغة وزنود أبنائه الميامين، أضحى عاجزاً عن مجاراة عصره.
وفجأة إكتشف ورثته المحتملين أن في أرضه وبحره ثروة لا تقدر بثمن فتسابقوا على طلب الوصاية عليه، وعينهم على إرثه المستجد، وكان لهم ما أرادوا بوصاية جماعية.
وبدل أن يبادروا إلى إنعاشه وقد بلغ من العمر عتياً، وإدخاله إلى مصحة لتشخيص أمراضه الواضحة والمكشوفة، والتي وجد لها الطب الديمقراطي علاجات شافية، ستروا عوراته وأمراضه بخياطة بدلة جديدة له، عصرية التصميم، ولكن قماشها طائفي، وبطانتها قديمة، وأزرارها لا تستر عورة، ولفوا حول عنقه ربطه زاهية الألوان، ولكنها رغم جمالها، أداة جر وسحل، ولو كانت من صنع أرقى دور الأزياء!
طبلوا وزمروا، لإقناع الجميع أن الحلة الجديدة تطيل العمر، وتشفّي من الأمراض، عجائبية المفعول إسمها قانون الانتخاب. النسبي العنوان، الاكثري المضمون.
فإذا لبسها الشيخ عاد إلى صباه، واستطاع الحفاظ على مياهه من التلًوث أو الذهاب هدراً إلى البحر، بعد أن شفته البدلة من التهابات البروستات، كما حلت مشكلة تكدس النفايات في معدته بعد أن أصبح قادر على الإبراز والإفراز.
وبقدرتها العجائبية ستشفيه من سرطان صدره المبتلي بالمرامل والكسارات، ومن إرتجاف يديه اللتين لا تقويان على ذب السارقين والمارقين والمهربين، عن وجهه الذي بدت عليه قروح الإجرام، كما المصاب بمرض الجدري.
أيها الأوصياء المعينون، والورثة المحتملون، أن بدلة جديدة عصرية قد تستر مرضاً ولكنها بالتأكيد لن تشفيه، وقد يموت الشيخ المتصابي إذا بددتم ماله على مظهره دون علاجه.
لو علم أينشتاين أن نظرية النسبية التي اكتشفها، سيطلق إسمها على قانون الانتخاب في لبنان، لابتلع أوراقه، وأخذها معه إلى قبره!
(الأنباء)