⁠⁠⁠⁠⁠”الأنباء” تقرأ التطور الإنتخابي: شتّان ما بين نسبية كمال جنبلاط ونسبية اليوم!

في مطلع السبعينات من القرن الماضي، قدم الحزب التقدمي الإشتراكي برنامجاً إصلاحياً قد يكون الأول في تاريخ لبنان كبرنامج عمل للنهوض بالدولة العلمانية المدنية ودولة المؤسسات، تبنّت الحركة الوطنية برئاسة المعلم كمال جنبلاط البرنامج في 18 آب 1975 وطرحته كمشروع وطني لإعادة بناء الدولة وإنقاذ لبنان من نار الحرب التي بدأت تهدد البلاد حينها، وهو يتضمن رؤية شاملة للواقع السياسي والقضائي والإداري والإقتصادي تقترح الحلول والمعالجات للمشاكل التاريخية التي لا يزال يعاني منها لبنان حتى يومنا هذا ولعل أبرزها مشكلة الطائفية السياسية التي يتم إستحضارها بين الآونة والأخرى لتحقيق مآرب سياسية وأهداف آنية، تماماً كما يجري اليوم لا سيما فيما يتعلق بقانون الإنتخاب الذي لبس ثوب النسبية بنتائج طائفية مذهبية لا أبعاد وطنية له إلا الإسم.

ومن المفيد في هذه اللحظة بالذات أن نعيد نشر ما ورد في وثيقة برنامج الحركة الوطنية الإصلاحي التي نصت حرفياً على “إعتماد قانون جديد للانتخاب على الأسس التالية:

-إلغاء الطائفية السياسية.

-جعل لبنان كله دائرة وطنية واحدة.

-الأخذ بنظام التمثيل النسبي.

-نائب لكل عشرة آلاف ناخب.

-تخفيض سن الإنتخاب لثمانية عشر عاما.

-إعتماد البطاقة الإنتخابية.

-تأمين مراكز الاقتراع في أماكن السكن.

-الإستخدام المتساوي والمجاني لأجهزة الإعلام الرسمية في الدعاية الإنتخابية.

– إعتبار الرشوة جناية والتشدد في معاقبتها.

-تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب لترسيخ مبدأ التكتل البرلماني.

-إنشاء لجنة قضائية للإشراف على الإنتخابات وبت الطعون.

– إلغاء الضمانة المالية.

-إخضاع النائب لمراقبة ديوان المحاسبة ولمحكمة الإثراء غير المشروع.

-وضع سن لتقاعد النواب في الرابعة والستين”.

طرح هذا المشروع المتطور الذي يليق بالأمم المتقدمة منذ أربعة عقود، فيما الطبقة السياسية في الألفية الثالثة عاجزة عن تنفيذ أبسط الخطوات الإصلاحية كتخفيض سن الاقتراع مثلاً.

أما إعتماد النسبية في هذه اللحظة من تاريخ لبنان يبقى ناقصاً ومشوهاً، فالنسبية والطائفية لا يلتقيان، ولذلك إشترط كمال جنبلاط إلغاء الطائفية السياسية بالتزامن مع إقرار النسبية وعدم تشويهها بأصوات تفضيلية لا تعبر إلا عن النفس المذهبي المتصاعد أو من خلال الاحتساب الأفقي للأصوات لمراعاة التوزيع الطائفي للمرشحين في اللوائح.

ليست هذه هي النسبية التي طمح إليها كمال جنبلاط والوطنيون والعلمانيون في لبنان، فللنسبية غاية لا بد أن تحققها لا أن تكون غطاء ليس إلا للتمثيل الطائفي الذي لن يسمح للقوى الناشئة وللمجتمع المدني بإحداث أي تغيير في الطبقة السياسية وبالتالي سيبقى القديم على قدمه وليس هناك من مكان للإنجاز في الصيغة الجديدة لقانون الإنتخاب، ولا حتى للإصلاح، فالإصلاح لم يكن يوماً نسبياً.

المحرر السياسي – “الأنباء”