التاريخ معلم جيّد!

وهبي أبو فاعور

تنفرد كوكبا في قضاء حاصبيا بطقوسها الدينية وأهوائها السياسية، فهي مارونية المذهب وإْنقسامها كان قبل الحرب الأهلية، الإنقسام المسيحي آنذاك بين الأحرار والكتائب والمستقلين، لذلك عمد الحزب التقدّمي الإشتراكي بعد إستشهاد المعلّم سنة 1977 مستفيداً من خبرة المتقدّمين في حفظ التاريخ والنضال أن يجد لها طريقة خاصة للحفاظ على الجيرة والروح الوطنية التي تستفيد من تجارب الماضي.

وحسبما يروي الأستاذ جورج نهرا في كتاب السلطة السياسية في مرجعيون- حاصبيا 1918- 1957 أنّ البلدة تعرّضت لمكيدة من المستعمر الفرنسي حينها بواسطة عملائها بطرس وغطاس كرم والضابط إلياس المدور دفعت ثمنها غالياً لما حاكوه من مؤامرة خبيثة بوجه الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش ممّا أساء للثورة ووصمها بالجهل والإساءة للضعفاء والدموية خلافاً لشعارها الدين لله والوطن للجميع.

كي لا تتكرّر مأساة تشرين الثاني 1925 بحق البلدة وهي آمنة لا يقطنها سوى كبار السن وبعض الشباب المستقل، عمل الحزب على إنشاء نقطة حراسة على الكوع الأول للحي القديم لكبح جماح السيئين من المصطادين في الماء العكر وكلّف بهذا الأمر الرفاق فؤاد الخماسي وسامي الصفدي وفضل الله جماز من معتمدية حاصبيا بالتنسيق مع الأصدقاء سامي إبراهيم ويوسف عطالله وميشال أبو نقول ومارون إلياس فيما العراب الصامت كان المختار المرحوم أبو إلياس كامل القلعاني وأحد قدامى رفاقنا من باب مارع أبو عارف بطرس يعقوب إبراهيم.

بقيت هذه النقطة قائمة بعناصر قوات الشهيد كمال جنبلاط وعاطف حاصباني بارز نتيجة الحوض الجامع للملاكين والعمال من حاصبيا وكوكبا حتى آذار 1978 أي ما سمي بعملية الليطاني للعدو الإسرائيلي. ولما كثر الضغط المدفعي على مراكز القوات المشتركة في حوض الحاصباني آثر رفاقنا الإنسحاب بأسلحتهم الفردية إلى المواقع الخلفية تاركين ما ثقُل حمله في مركزهم دون أن نتكبّد والحمدلله أية خسائر بشرية.

وبعد أسبوع، وكرة المسؤولية يتقاذفها المهزومون في الحرب حول أهداف العدو وكيفية مواجهته، كان قرار مجلس الأمن حول وصول “اليونيفيل” إلى المنطقة والفصل بين القوات المشتركة والعدو الإسرائيلي وعملائه اللحديين وصدر القرار 425 عن مجلس الأمن حيث أصبحت كوكبا ضمن نطاق اليونيفيل.

إنّ حراسة الأمن والأهل في كوكبا كان لها نصيب من النقد والمباركة فالبعض واجهها بالمزايدة واحتكار العمل الوطني فيما الجو الأهلي كان مؤيداً لها.

في ظل هذا الصمت، تفاجأ رفاقنا على مثلث الحاصباني برجل يجرّ دابته المثقلة بالأمتعة المغطاة بالأعشاب الخضراء يصل إلى نقطة الجسر سائلاً عن مسؤول الحزب، وتتكاثر الأسئلة عمّن يكون؟ ولماذا؟ وكيف؟ وما الموضوع؟ حتى يكشف الرجل هويته بأنه مختار كوكبا كامل القلعاني ويقول: “لما تركنا شباب الحزب، تركوا عندنا بعض قطع الأسلحة المتوسطة والأمتعة قررت مع أهل الحي في ظل هذا الهدوء أن أعيد للحزب هذه الأمانة فحضر الرفيق حسن صالح حمدان المعروف بأدهم الطيوني واْستلم هدية الوفاء”.

رحمك الله يا أبا الياس ولا يكافأ الخير إلا بالخير، ورحمك الله يا أدهم الطيوني يا أعز الرفاق.

وهكذا لم يُسمح للعملاء في تنفيذ مهماتهم وما زال الحوار والجيرة الطيبة والصداقة تجمع كوكبا مع كامل قضاء حاصبيا.

(الأنباء)