الإفلاس السياسي بتعريفه الجديد!

وهيب فياض

التعتيم على أخطاء الحكام، مفسدة للنظام.

لا تستقيم سلطة بدون معارضة؟؟؟ قاعدة كلية، لا تقبل عكسها، إلا في لبنان!

أهل السياسة في لبنان، بأغلبيتهم الساحقة، لا يذهبون إلى المعارضة، إلا إذا تعذرت الموالاة.

تراهم عند كل مفترق، سواء كان عهداً جديداً، أو حكومة جديدة، يزررون السترات على أبواب أصحاب الدولة، عارضين الخدمات، لطلب الولاية.

في لبنان، فقط طالب الولاية يولى حتى آخر منتظر على باب السلطة، إلا إذا نفدت المقاعد الشاغرة، عباءة الموالاة تتسع للجميع، فتجمع ما لا يمكن جمعه، وتبقي ساحة المعارضة خاوية على عروشها، إلا ممن سقطوا سهواً بسبب عدم وجود أماكن شاغرة.

أين هم رجال الدولة الذين كانت المعارضة عرينهم المستهاب، يتقاطر أهل السياسة إليه، كما الناس، ليصبح ملاذ المظلوم ومشكى الضيم، والوعد بالغد الأفضل.

ماذا يبيع رجال السياسة، سوى الأمل بغد أفضل، فإذا وصلوا إلى السلطة، حاولوا تنفيذ وعودهم على قدر الإرادة والاستطاعة، والنجاح دائماً نسبي ومؤقت، فإذا فرغت صناديق وعودهم يعودون إلى جنة المعارضة، أرض لبن الأحلام وعسل الآمال، يغرفون منها لتكون زادهم للعودة إلى السلطة.

ماذا حدث لكم أيها السياسيون، حتى أصبحتم، ترضون الإفلاس في سوق الموالاة، وترفضون الغنى في سوق المعارضة.

إن هذا الكلام ليس نصائح، لمن يوزعون النصائح بالأطنان، ولا رغبة في إنقاذ السياسيين من أنفسهم، فهم الأدرى بمصلحتهم ولكنه بسبب خوفين: أولهما الخوف من فراغ المعارضة ممن يليقون بها، فيعتلي صهوتها من لا يستحق، فيسرق ثروتها، وأحلامها، ويبيعها بعقلية السارق أو الوارث، ويبددها سفها، ويفقدها قيمتها الحقيقية، فلا يترك لنا عرينا نلجأ اليه لشراء الأحلام.

أما ثانيهما فهو أن يكون أهل السياسة، إمتهنوا في الحكم مهنة بيع الخدمات، من كيس الدولة، والخزينة، والقانون، والخدمات الشخصية، وهذا هو الإفلاس السياسي بتعريفه الجديد. إن انعدام السيولة السياسية، يجعل المواطن زبوناً يقايض الولاء بالخدمات، في مجتمع إستهلاكي تتغير فيه الولاءات، كلما إستهلكت الخدمات، وسرعة إستهلاك الخدمات تتزايد بشكل جنوني.

أين أيام الالتزام الطويل الأمد في السراء والضراء، في المعارضة والموالاة كان يقال أن لكل زمان دولة ورجال، فصار يقال نفس الرجال، لكل دولة وزمان.

عسى أن تعود للمعارضة قيمتها ليعود للسياسة وهجها وعسى أن يتذكر من يصلون إلى السلطة، انهم من المعارضة خلقوا وإلى المعارضة يعودون، وهي تميتهم ثم تحييهم ثم إليها يرجعون عَل المعارضة إذا إستعادت قيمتها المفقودة، عاد للسياسة وهجها المفقود.

الحكم بلا معارضة حقيقية، ورشيدة، يقودها المؤهلون لتداول السلطة، حكم قد يجنح إلى أمر من إثنين: الدكتاتورية أو الفساد، حتى ولو كان الحكام من الملائكة.

فالدكتاتور لا يصنع نفسه، بل يصنعه من يوهمه انه دائماً مصيب ولو أخطأ، وفرد لا غنى عنه ولا بديل، من أجل الاستقواء بهيبته وتصوير كل من يعارضه عدواً، وما من دكتاتور إلا ووصل إلى السلطة من أجل هدف سام ونبيل ووطني.

أما الفساد فغذاؤه غياب المساءلة بسبب وجود الجميع في السلطة، مما يجعل الدولة قالب حلوى يوزع على الحاضرين، أو قالب جبنة كما كان يسميه الرئيس فؤاد شهاب.

الوصول إلى الحكم أو إلى المعارضة هدف مشروع لكل صاحب مشروع وطني، لا يكتمل أو يستقيم أحدهما إلا بوجود الآخر، فالثنائية سر الوجود وقيمته الحقيقية.

صوموا تصحوا، وعارضوا تحكموا، ولا تنسوا وأنتم تحكمون أن لكم في المعارضة مقاعد، لا تقل قيمة وشأناً، عن كرسي السلطة إعملوا للوصول إلى السلطة كأنكم تعيشون أبدا، وإعملوا لحجز المقاعد في صفوف المعارضة كأنكم عائدون إليها غداً.

هي ممارساتكم في الحكم، ترد إليكم يوم تعارضون وهي أحلامكم التي تبيعونها في سوق المعارضة، تقبضون قيمتها عندما تمتطون حصان الموالاة الأبيض وأنتم عائدون.

المعارضة إكسير الحياة العامة والسياسية، بدونها لا تجدد، ولا قيامة.

إنها الضرورة بعينها، وكلما كانت نظيفة، شفافة، راقية، ملتزمة، واضحة الأهداف، بعيدة عن الكيدية، واعدة بتحسين الأداء، كلما كانت فاعلة، سواء كان ذلك في الأسرة أو في المجتمعات الضيقة، أو في الجمعيات والمؤسسات والأحزاب، أو على مستوى الوطن.

كم تحن نفسي إلى مقعد معارض، يسقط شعار، قم لأجلس مكانك، لصالح شعار، إنتبه هناك من يمنعك من الزلل والشطط، تحت طائلة حرمانك من الجلوس في كرسي المعارضة، عندما توؤل المسؤولية إلى غيرك، حرص الحاكم على وجود المعارضين، وأخذهم على محمل الجد، بوليصة تأمين على مستقبله في المعارضة ورقي المعارض، في إعطاء الحاكم حقه حين يصيب، وانتقاده حين يخطيء، جواز مروره إلى غده في الحكم.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم وهيب فياض

جنبلاط يهادن مجدداً وينعي اتفاق الطائف

أيها المعلم المشرق علينا من عليائك

نزار هاني: أرزتك أطول من رقابهم!

ما وراء خطاب العرفان!

عن الفتح المبكر للسباق الرئاسي: قتال بالسلاح الأبيض والأظافر والأسنان!

عهد القوة ام العهد القوي؟

من موسكو: تيمور جنبلاط يجدل حبلاً جديداً من “شعرة معاوية”!

لجيل ما بعد الحرب: هذه حقيقة وزارة المهجرين

حذار من تداعيات إزدواجية المعايير!

عن دستور ظاهره مواطنة وباطنه عفن سياسي!

لا تحطموا برعونتكم أعظم إختراع في تاريخ الديمقراطية!

رسالة من العالم الآخر: من أبو عمار إلى أبو تيمور!

لتذكير من لا يذكرون: تجارب وزراء “التقدمي” مضيئة وهكذا ستبقى!

يحق لوليد جنبلاط أن يفاخر!

تبيعون ونشتري

إنه جبل كمال جنبلاط!

إلا أنت يا مير!

ادفنوا حقدكم لتنهضوا!

الإصلاحيون الحقيقيون: إعادة تعريف!

مطابق للمواصفات!