“الأنباء” تنشر الرواية الكاملة لمشروع سد “القيسماني” ودور جنبلاط في تنفيذه

إنتهى العمل والتعب وعُقدت ربطات العنق تحضيراً لاحتفال التدشين، إستراح المعول وأهله لتبدأ الضوضاء وحفلة حجز مقاعد الصف الاول، وقرصنة الإنجازات وتوظيفها في غير مكانها بعد إدارة الظهر لمن كان له اليد الطولى في البناء والإنجاز، فيما المحتفلين اليوم حاولوا مراراً عرقلة العمل باعتراضات سياسية وانتخابية بحتة.

فبعد مخاض عسير وجهود مضنية بدأت منذ العام 1996، لم يوفر فيها أي طاقة إو إمكانية الحزب التقدمي الاشتراكي بشخص رئيسه النائب وليد جنبلاط أو عبر الوزير أيمن شقير الذي تابع الملف منذ العام 1996، وفي العام 2009 كان أقام شقير حفل غداء تكريمي موسع لممثل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في لبنان الدكتور محمد الصادقي لشكره على موافقة الصندوق على تمويل السد، الامر الذي يعكس متابعة اللقاء الديمقراطي عبر النائب شقير هذا الملف منذ فترة طويلة، هذا بالاضافة الى متابعة الامر عبر مجلس الانماء والاعمار من خلال مفوض الحكومة الدكتور وليد صافي، وبالتعاون والتنسيق الدائم مع وزارة الطاقة منذ ذلك الحين، ها هو سد القيسماني في أعالي فالوغا وحمانا يبصر النور بقدرة إستيعابية حوالي المليون متر مكعب مياه، ومحطة تكرير قادرة على تأمين 12 ألف متر مكعب في اليوم.

وتدشين سد القيسماني يعني تأمين مياه الشفة الى 48 الف نسمة في 30 قرية في المتن الأعلى وقضاء بعبدا، مع ضمانات للاهالي بأن السد لن يكون له اي تأثيرات سلبية عليهم، وعلى ضوء الدراسات المتطورة التي تم القيام بها وبالحوار مع اهالي المنطقة لا سيما مع بلدية حمانا تم تذليل الاعتراضات على انشاء السد وفتح الطريق امام ولادته.

لم يكن العمل سهلاً فالعقبات كانت كثيرة والمشوار طال أكثر، ففي العام 1996 ورد مشروع سد القيسماني في الخطة العشرية لوزارة الطاقة، وحاولت الوزارة عدّة مرات أن تلزّم المشروع، ولم تتمكن من إنجاز المناقصة بسبب إعتراضات جوهرية وضعها آنذاك ديوان المحاسبة.

في العام 2006، أجرت وزارة الطاقة مناقصة ولم تتوصل إلى ترسية المشروع على أي متعهد بسبب عدم توفر الاعتمادات، فالعرض الأدنى الذي قدّم في هذه المناقصة بلغت قيمته حوالي 13 مليون و400 ألف دولار أميركي، والمشروع الذي كانت قد حددته وزارة الطاقة سابقاً حدد سعة السد بـ ٥٥٠ ألف متر مكعب من المياه مع إنشاء محطة تكرير تؤمن حوالى حوالي ٦ ألاف متر مكعب من المياه يومياً.

بعد العام 2006، وبسبب عدم قدرة وزارة الطاقة على تلزيم المشروع، سعى النائب وليد جنبلاط الى نقل المشروع الى مجلس الانماء والإعمار فنجح في سعيه هذا وقرر مجلس الوزراء تكليف مجلس الإنماء والإعمار في 21-5-2007، بإستكمال الدراسات اللازمة للمشروع، وتأمين التمويل له وتنفيذه.

وهنا يوضح مفوض الحكومة لدى المجلس الدكتور وليد صافي مسار الأحداث عبر “الانباء” قائلا: “توجهنا بعد قرار مجلس الوزراء للمفاوضات مع الصندوق الكويتي للتنمية الإقتصادية والإجتماعية لتأمين تمويل هذا المشروع، لم يجد الصندوق الكويتي جدوى اقتصادية كبيرة للمشروع  كما هو مطروح فطلب من مجلس الإنماء والإعمار تعزيز هذه الجدوى عبر توسيعه لكي يقوم الصندوق  بتمويله. فتقدّم الإستشاري “ليبان كونسلت”، الذي درس المشروع سابقاً في وزارة الطاقة، بخيار جديد قضى  بتوسيع السد ليستوعب حوالي المليون متر مكعب مياه، مع زيادة قدرة محطة التكرير لتؤمن 12 ألف متر مكعب في اليوم، هذا الخيار أدّى بالتالي إلى توسيع نطاق السد جغرافياً ولكن بقي الخيار الثاني هذا ضمن حرم نبع شاغور حمانا- أي منطقة فالوغا- كما قام الاستشاري بتخفيض إرتفاع حاجز السد الامر الذي يشكل عوامل أمان أفضل “.

ويضيف صافي: “قمنا بدراسات عدّة منها متعلقة بالأثر البيئي والإجتماعي، لكي نرى ما إذا كان هناك أثر سلبي على المنطقة وسكانها، وقمنا أيضاً بدراسات للتكوين الجيولوجي، وأجرينا دراسات أخرى لنتمكن من معالجة حالات مثل: الفيضان، او تسرب المياه من جسم السد، والتاكد من قدرته على مقاومة الزلازل. وقد ساعدنا ودقق في الدراسات هذه وكذلك في موقع السد الجديد أحد أهم خبراء السدود الفرنسي Bernard Tardieu الذي كان يعمل في شركة cohue et belier”.

هذا ولا بد من التوقف عند الاعتراضات التي واجهت المشروع والتي كانت مبنية على نقطتين أساسيتين: الأولى تتمثل بخطر إنهيار السد على سكان البلدة، والثانية التأثير على مياه نبع الشاغور. ولكن أجرى مجلس الانماء والاعمار كل الدراسات العلمية، وأثبت من خلال الدراسات هذه أنه ليس هناك إطلاقاً أي مخاطر لإنهيار السد على حمانا، كما لا توجد أية مخاطر على نبع الشاغور.

وبعد أخذ ورد دام اكثر من سنة، تم التوافق مع لجنة الأشغال النيابية أن تستمع اللجنة في نفس الوقت إلى خبراء بلدية حمانا والخبير الفرنسي Tardieu، وقد إستمعت اللجنة فعلا للخبراء وللخبير الفرنسي، الذي أنهى مداخلته الأخيرة بالقول إن “الخيار الذي اعتمده مجلس الإنماء والإعمار لإنشاء السد في الموقع الحالي هو خيار من الناحية الإقتصادية مفيد للدولة اللبنانية ولاهالي المنطقة، وأن هذا الخيار لا يشكل أي مخاطر على سكان حمانا لا من ناحية الزلازل ولا يوجد اي تأثير سلبي على نبع الشاغور، وأشار الخبير إلى أنه درس وأشرف على تنفيذ حوالى أكثر من 200 سد في العالم، وهناك مناطق أصعب بكثير من طبيعة الأرض اللبنانية ومنها مناطق زلازل، وأن الشروط التي يتم فيها بناء سد القيسماني هي من أفضل الشروط العلمية المعتمدة لبناء السدود”، خاتما مداخلته بجملة شهيرة قائلا: “أتحدى اي من الخبراء الموجودين أن يثبت علمياً عكس ما اقوله عن الدراسات وعن شروط تنفيذ سد القيسماني”.

وكان لافتاً جداً في مسار الاعتراضات آنذاك أن طلب عضو تكتل التغيير والاصلاح النائب حكمت ديب وقف المشروع وإستكمال الدراسات، وبعد نقاش حاد في لجنة الاشغال النيابية رفع رئيسها النائب محمد قباني الجلسة دون التصويت على إقتراح النائب ديب.

ولاحقاً، طلبت لجنة الأشغال النيابية إيضاحات فنية ومالية من مجلس الإنماء والإعمار وقام المجلس بتقديمها، ولم يصدر عن اللجنة بعد هذه التوضيحات أي موقف من شأنه ان يوقف العمل بالمشروع، كما أن مجلس شورى الدولة نظر بدقة بكل المعطيات وأصدر قراره باستكمال الاشغال.

وهكذا تواصل العمل في المشروع ضمن الخطة المرسومة حتى ابصر النور وسيكون قريباً جداً في خدمة سكان المنطقة، حاملا بصمة الحزب التقدمي الاشتراكي الانمائية والذي أراد لهذا المشروع ان يكون متنفساً لاهالي المتن الاعلى وملبيا لحاجاتهم.

إلا أن مسار التحضيرات لحفل التدشين يوم الاحد في 11 حزيران 2017، بعد 19 عاماً من العمل، يثير الاستغراب في ظل التنكّر لجهود الآخرين وإستغلال ما تم إنجازه وتوظيفه لصالح فريق سياسي معين فقط لانه تولى الوزارة المعنية، والتي كانت عاجزة عن تلزيم المشروع حتى ولاحقاً لم يتوانَ هذا الفريق نفسه عن محاولة عرقلته ووقف اعماله في لحظة انتخابية دسمة شبيهة باليوم.

من جهته، ما إعتاد الحزب التقدمي الاشتراكي أن يجلس في الصفوف الخلفية بين أهله وجمهوره، فكيف إذا كان هو صاحب اليد الطولى بالانجاز بعد هذا المسار الطويل من وزارة الطاقة الى مجلس الوزراء فمجلس الانماء والاعمار والصندوق الكويتي وصولا إلى الاهالي وتحضير كل الاجواء المؤاتية للبناء والإعمار.

(الأنباء)