الحريري وجنبلاط… العتب على قدر المحبة

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إنحسر التراشق الاعلامي الذي حصل بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، وتبيَّن ان الازمة العابرة في طريقها الى الحل، حيث لم يلق الخلاف اي تأييد من أية جهة، كما ان الأُفق مسدود امامه، ومن غير المسموح تفاقُمه، والرغبة في تسوية التباينات جامحة عند مؤيدي الفريقين الذين يتواصلون في اكثر من مناسبة، كما ان عدم تصعيد الخلافات مطلب عند القوى السياسية الصديقة للطرفين، وفي المُقدمة الرئيس نبيه بري.

لكل من جنبلاط والحريري عتبٌ على الآخر من بعض آداء المرحلة الماضية، ولكن الإمتعاض الجنبلاطي كان كبيراً من بعض المواقف التي اعلنها الحريري امام وفد اللقاء الديمقراطي الذي زاره بهدف التنسيق مطلع يناير/ايار الماضي وكان من ضمنه تيمور وليد جنبلاط. ورداً على الإستفسار عن الاتفاق الذي حصل على التصويت على قانون الإنتخابات الذي يعتمد على التأهيل الطائفي، قال الحريري للوفد: لقد تخلَّى عني وليد بك عندما مشى مع الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2010، وليس غريباً ان اتخلَّى عنه اليوم، فالسياسة تتغيَّر، وسمع رداً من الحاضرين يقول: ان خيارات جنبلاط في ذلك الوقت كانت بهدف إنقاذ البلاد من الحرب الاهلية ولم تكُن موجهة ضدكم ابداً. وانتقل الوفد ذاته لدارة الرئيس نبيه بري في عين التينة، وسمعوا منه كلاماً مختلفاً تماماً، ومثله كان كلام قاله السيد حسن نصرالله؛ مؤيد للتوافق، ومعارض للتصويت على قانون إنتخابي يُهمِّش جنبلاط او اي فئة لبنانية أُخرى.

عتب جنبلاط على الحريري كان كبيراً ” وعلى قدر المحبة” الكبيرة التي يُكنها للأخير والتي بانت واضحة خلال مشاركة الحريري في الذكرى 40 لإغتيال كما جنبلاط في المختارة.  أطلق جنبلاط تغريدات لا يرتاح اليها الرئيس الحريري، ومنها خاصةً : “ان الرئيس بري وحده الصديق الصدوق” اما التغريدة التي تحدثت عن ” الإفلاس ” فلم يكُن المقصود فيها شخص الحريري بالتحديد، وفقاً لتوضيح جنبلاط، اما المواقف الأُخرى التي تناولت موضوع الكهرباء والنفط والأنترنت؛ فهي مواقف عادية، عادةً ما يُعلن مثلها جنبلاط في اية مناسبة، او امام اي حدث يشعر ان فيه إختلال، وهذه المواقف تصويبية اكثر مما هي تخوينية او إتهامية.

وعتب الرئيس سعد الحريري على جنبلاط كان كبيراً ايضاً ” وعلى قدر المحبة ” الكبيرة التي يكنها لجنبلاط، وهو يَفترض ان الاخير حليف، وموقعه دائماً مدافع عن سياسة الحريري، او على الأقل غير معارض لها. لذلك جاء رده على تغريدات جنبلاط قاسياً، وفيه بعض الإنفعال، خصوصاً خلال افطارات في بيروت وطرابلس. صحيح انه من حق الرئيس الحريري التطلُّع الى حلفاء آخرين لتدعيم موقعه في رئاسة الحكومة على كامل ولاية العهد الجديد – وبهذا الموضوع لا يكفيه حلفه مع جنبلاط – ولكن الصحيح ايضاً ان جنبلاط سنداً اساسياً لموقع رئاسة الحكومة، ومن يُخاصمه يتعب كثيراُ، فهو حيثية وطنية وليس زعيماً طائفياً.

الفريقان يحتاجان لبعضهما البعض في السياسة، وفي الإنتخابات. فجنبلاط يحتاج للتحاف الإنتخابي مع الحريري في اقليم الخروب والبقاع الغربي وفي بيروت، والحريري يحتاج لهذا التحالف ايضاً. وخيارات اي طرف منهما بعيداً عن هذا التحالف؛ تؤذي الطرف الآخر سياسياً وإنتخابياً. حتى في بيروت؛ فإن اصوات جنبلاط الخمسة الآف؛ يمكن ان يُسببوا أذاً بالغاً إذا لم يقترعوا الى جانب لائحة الحريري.

يشعُر جنبلاط: انه لم يسترد اي من الدين الذي قدمه تسهيلاً لخيارات الحريري في السير مع النائب سليمان فرنجية للرئاسة اولاً، ومن ثُمَ السير بخيار الرئيس ميشال عون، ولم يستفِد جنبلاط بشيء من تسهيل مهمة العهد والحكومة، بل ان بعضاً من التهميش اصاب فريقه السياسي، على حساب تقدُّم دور ” بعض المُنتفعين الجُدُد” الذين قالوا في احد المجالس الخاصة: ان جنبلاط لا يملك اكثرية إنتخابية حتى في الشوف.

صحيح ان جنبلاط قال: ان هناك خارطة تحالفات جديدة، مع التبدلات التي حصلت في لبنان والمنطقة، ولكن الصحيح ايضاً: ان لا الحريري ولا جنبلاط لديهما قراراً بالقطيعة، والحريري يعرف بالتأكيد اهمية مساندة جنبلاط لأي حكومة، ومعنى ان يكون خصماً لها، كما ان جنبلاط لم يحاول في اي وقت الإنتقاص من موقع رئاسة الحكومة، وصداقاته مع القوى السياسية الأُخرى ليست على حساب صداقته للرئيس الحريري.

تحتاج إعادة المياه الى مجاريها كاملةُ لمزيد من المبادرات، او ربما الى مزيد من الواقعية وهدوء الاعصاب.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل