بدء معركة تحرير “الرقة” والعين على “البادية” و”البوكمال”

أعلنت “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية انطلاق معركة تحرير الرقة من تنظيم “داعش”، حيث سيطرت قواتها على نصف حي المشلب شرق الرقة، وعلى تل البيعة الأثري في شمالها الشرقي، وتمكنت القوات، من التقدم نحو منطقة دبسي عفنان، ووصلت إلى مشارف قرية القادسية، عقب تقدمها في البادية، تزامناً مع شنها هجوماً على منطقة شعيب الذكر، وسيطرت “قوات سوريا الديمقراطية” أيضاً على قرى، الرمثان والهيب وجب احمد الخلف والبو عاصي، في ريف الطبقة الغربي، بعد انسحاب تنظيم “داعش” منها.

وبالتزامن مع انطلاق معركة تحرير العاصمة الثانية للتنظيم بعد العاصمة الأساسية الموصل في العراق، بدأت معركة “البادية السوريا” تأخذ أولوية لدى الأطراف الدولية والإقليمية المتصارعة، مع تحذير روسيا من تداعيات قصف”التحالف الدولي” عناصر ميليشيات تدعمهم إيران على الحدود الجنوبية الشرقية لسوريا، حيث تدرّب أميركا معارضين سوريين في “قاعدة التنف” قرب مثلث الحدود مع الأردن والعراق،

وتفاقمت التوترات بين واشنطن وحلفائها على الأرض، والقوات النظامية السورية والميليشيات الموالية لها بعد ضربة جوية أميركية على جماعات تدعمها إيران قرب مثلث الحدود بين سورية والأردن والعراق. وقالت واشنطن إن قوات موالية للحكومة السورية دخلت مناطق “منع الاشتباك” الذي توصلت له واشنطن خلال المحادثات الأميركية – الروسية في عمان، ما يؤشر إلى إصرار إيران على دفع ميليشياتها نحو كسر هذا الاتفاق، وتهدف لربط حلقة الوصل الأخير في مشروع “الهلال الشيعي” من خلال التقاء مقاتلي الحشد الشعبي في العراق وقوات النظام السوري والميليشيات الداعمة لها عبر الحدود السورية العراقية شرق التنف والبوكمال، ما يربط طهران بشاطئ البحر الأبيض المتوسط عبر خط بري يمر العراق ودمشق نحو طرطوس وبيروت.

تحذير الخارجية الروسية جاء بعد ساعات من “قائد غرفة عمليات قوات حلفاء سورية” الموالية للنظام، من أنه قد يضرب مواقع أميركية في سورية إذا استدعى الأمر، محذراً من أن سياسة “ضبط النفس إزاء الضربات الأميركية على قوات موالية للحكومة السورية ستتوقف إذا تجاوزت واشنطن الخطوط الحمراء”.

ويأخذ الصراع بالبادية السوريا مواصفات استثنائية نظرا لتنوع القوى المتمترسة في المنطقة، وعلى رأسها إلى جانب القوات الأميركية، قوات بريطانية نشرت “بي بي سي” صورا لها قبل نحو عام في منطقة التنف الحدودية مع العراق، عندما كانت البادية بعيدة عن الأضواء، كما تتواجد في المنطقة قوات من المعارضة السورية المدعومة بشكل مباشر من غرفة الدعم العسكرية “الموك”: والتي تقودها الولايات المتحدة، وتدعمها دول الخليج وتقدم خدماتها اللوجستية الأردن، وإلى جانب تلك القوات هناك فصائل سوريا مدعومة بشكل مباشر من الأردن وتشكل قوات دفاع متقدمة عن الحدود الأردنية، وفي عديد هذه القوات مقاتلين وقيادين شخصيات أردنية، لا سيما وأن هذه الفصائل تضم أبناء العشائر العربية في البادية وهي عشائر متداخلة بين سوريا والأردن.

روسيا بدورها ليست بعيدة عن الصراع في البادية، إلا أنها لم تتخذ موقفا واضحا من هذا الصراع، فهي لم تدافع عن اتفاقها مع الولايات المتحدة، كما لم تدافع بشكل واضح عن الميليشيات الإيرانية التي لا تستطيع التخلي عنها، لا سيما أنها تشكل القوة الأكبر على الأرض ضمن الحلف الذي تقوده روسيا في سوريا، وإن قرار التخلي عن هذه الميليشيات سيكلف الروس كثيرا، حيث ستضطر موسكو لزج قوة برية روسية اكبر في سوريا، ما يكلف الكرملين الكثير من المال والارواح، لا يبدو أن سيده قادر على دفع مثل هذه الفاتورة خاصة وأن تجربة أفغانستان مازالت في ذاكرته المؤلمة.

الولايات المتحدة الأميركية حذرت الميليشيات إيرانية من خطورة التقدم نحو منطقة السبع بيار باتجاه معسكر التنف، وألقت طائراتها منشورات تضمن التحذير. كما أنها أبلغت روسيا خلال المحادثات في عمان ضرورة وقف تقدم الإيرانيين في البادية السوريا. لكن الاشتباكات المشتعلة بين التشكيلات العسكرية المعارضة المدعومة من التحالف الدولي، وبين الميليشيات الإيرانية التي عززت وجودها في أكثر من نقطة شملت منطقة السبع بيار وسط سوريا، وريف السويداء جنوباً إضافة إلى القامشلي ودير الزور شمال شرق سوريا، لم تتوقف، في وقت وصلت طلائع “الحشد الشعبي” العراقي من الطرف الآخر الى الحدود العراقية.

مصادر في المعارضة السورية كشف لـ”الأنباء” أن واشنطن تعمل عبر قنواتها السياسية، على الضغط من أجل وقف تمدد الميليشيات الإيرانية من العراق إلى سوريا، وقال “إن الجانب الأميركي أبلغ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بضرورة وقف “الحشد الشعبي” من عبور الحدود”، في وقت ترددت أنباء عن زيارة قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري قاسم سليماني مناطق حدودية.

وأوضحت المصادر أن التحالف الدولي لا يسعى إلى محاربة قوات النظام أو الميليشيات الموالية له، لكنه مستعد للدفاع عن نفسه إذا رفضت القوات الموالية للنظام إخلاء منطقة منع الاشتباك”. وقالت أن “القوات الأميركية عملت على تعزيز تواجدها في البادية السوريا، لتقيم وجودا عسكريا موازيا للوجود العسكري الروسي في سوريا ما يقوي نقاطها التفاوضية مستقبلا، ويحمي مصالحها في سوريا والعراق، لا سيما مع تنامي الحلف الإيراني الروسي وتوسع الميليشيات الإيرانية في المنطقة.”

وكانت القوات الأميركية وخلال الفترة الماضية قد أقامت سبع قواعد عسكرية في “البادية” السورية، القاعدة الأولى تقع في مطار “رميلان” قرب أبار النفط شرق القامشلي قرب الحدود العراقية، وتم إنشاؤها في تشرين الأول عام 2015، وهي مجهزة لاستقبال الطائرات الأميركية ويتواجد فيها جنود وخبراء أمريكيين، والقاعدة الثانية في قرية “المبروكة” غرب القامشلي، وهي قاعدة صغيرة فيها حوالي 45 عنصراً من القوات الخاصة الأمريكية، وتنتشر في هذه القاعدة محمية من قوات حليفة.

والقاعدة الثالثة وأقامتها القوات الأميركية، قرب معمل اسمنت “لافارج” غرب مدينة عين عيسى، وهناك يجري تجهيز مركزٍ لتدريب المقاتلين في تلك القاعدة ومكان آخر لهبوط طائرات الهليكوبتر، في حين كانت القاعدة الرابعة في مدينة “عين عيسى” التي تُعدّ أكبر القواعد الأمريكي مساحة، ويتواجد فيها ما يزيد عن 100جندي أمريكي.

القاعدة الخامسة تقع في مطار “روياريا” بمحيط مدينة عين العرب يتواجد فيها أكثر من 300 جندي أمريكي، بينهم خبراء جاؤوا للإشراف على عمليات التحالف مساحتها 35 هكتاراً، والقاعدة السادسة في منطقة “تل بيدر” شمال محافظة الحسكة وهي بلدة حدودية، فيها مدرج لهبوط المروحيات العسكرية، ويتم فيها تدريب القوات غير العسكرية وتجهيز أماكن أخرى لبناء قواعد للمروحيات الامريكية، أما القاعدة السابعة فهي في مدينة “تل أبيض” على الحدود السورية التركية فيها حوالي 200 جندي أمريكي حيث رفع العلم الأمريكي فوق عدد من المباني الحكومية في تلك المدينة.

القوات الأميركية عززت وجودها العسكري أيضاً، شرق سوريا وأقامت قاعدة جديدة في منطقة “الزكف” على بعد 70 كيلومتراً شمال معسكر “التنف” الذي تقيم فيه وحدات خاصة أميركية وبريطانية ونرويجية لتدريب فصائل المعارضة المعتدلة التي تتولى قتال تنظيم “داعش”. وقاعدة “التنف” مهمة لدى القوات الأميركية وقوات المعارضة لاستخدامها منصة انطلاق للسيطرة على البوكمال، وهي بلدة على الحدود السورية- العراقية وطريق إمداد مهم لـ “داعش”. كما أن وجود “قوات التحالف” في التنف الواقعة على الطريق السريع بين دمشق وبغداد يهدف أيضاً إلى منع الجماعات المدعومة من إيران من فتح الطريق البري بين العراق وسوريا.

المصادر كشفت أن “القوات الأميركية أقامت قاعدة “الزكف” لتعزيز إقفال الطريق أمام قوات النظام والميليشيات الإيرانية التي تسعى للتقدم نحو الحدود السورية – العراقية – الأردنية من جبهتين: الأولى، من منطقة السبع بيار شرق تدمر. والثانية، من الريف الشرقي للسويداء جنوب دمشق”. وبالتالي، تمكنت القوات الأميركية من خلال قاعدتي “التنف” و”الزكف”، تعزيز قوة حلفائها قبل خوض معركة دير الزور، لاسيما مع سعي قوات النظام والميليشيات الإيرانية الموالية له التقدم من البادية شرق تدمر وحمص باتجاه البوكمال على حدود العراق ثم المضي إلى دير الزور، حيث تجري معارك بين قوات النظام وحلفائها بغطاء جوي ومدفعي روسي لطرد تنظيم “داعش” من هذه المدينة.

يبدو أن السباق إلى البوكمال، بات التوجه العسكري الأبرز في شرق سوريا، وقد تصاعدت أهمية المدينة بالنسبة للنظام وحلفائه، بعدما أقفلت الولايات المتحدة فرص وصول النظام إلى التنف. باتت المنطقة خاضعة لحماية التحالف الدولي، الخطورة الرئيسية الآن “تكمن بين حدود كردستان شمالاً حتى معبر البوكمال جنوباً، حيث تتقدم ميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق، والقوات المدعومة إيرانياً في سوريا، وتقع بينها على الجانب السوري مدينتي الميادين ودير الزور التي تسعى إيران للسيطرة عليهما لفتح الممر الإيراني من طهران إلى دمشق فبيروت”.

(*) فوزي ابو ذياب – “الأنباء”