“هآرتس”: العربي الجيّد هو العربي الميّت

•لنفترض أن المتظاهر الذي قتله رجل الأمن كان يهودياً. لنفترض أنه كان متظاهراً حريدياً [من المتدينين المتشددين] أو أثيوبياً، أو مستوطناً. من الصعب تخيل ذلك، لأن هذا لن يحدث على الإطلاق. لكن لو قتل مواطن يهودي على يد قوى الأمن، لضجت الدولة، وذلك وفق تصنيف أثني – سياسي مسبق: إذا كان القتيل أثيوبياً- ضجة أقل، وإذا كان حريدياً – ضجة أكبر، أما إذا كان مستوطناً – فهذه نهاية العالم. عناوين أولى، لجنة تحقيق، وموقع على اسمه “تعويضاً”، ويوم مخصص لذكراه محدد في القانون.

•لكن من سوء حظ محمد طه أنه ولد عربياً، لا مستوطناً، ولا حريدياً، ولا حتى أثيوبياً؛ من سوء حظه أنه كان عربياً في حياته وفي مماته أيضاً. لذلك طمس الإعلام الإسرائيلي موته ولم يعتبره كارثة. أول من أمس كانت قصة الأستاذ الذي ارتكب أفعالاً شائنة مع تلميذاته قصة أكبر، لأن ما حدث له علاقة بأولادنا الصغار الأعزاء. أما المواطنون العرب الصغار فهم أعزاء أقل بالنسبة إلينا. لذلك جرى تنحية خبر مقتل متظاهر عربي إلى الزاوية. من الصعب أن نصدق: إن قتل الشرطة متظاهراً هو قصة هامشية فقط إذا كان عربياً.

•من المصادفات الغريبة أن المتظاهرين الذين يُقتلون في إسرائيل هم دائماً عرب. وحتى اللصوص الذين تطلق عليهم النار ويقتلون هم تقريباً دائماً عرب. 13 شهيداً في تشرين الأول/أكتوبر سنة 2000 كانوا عرباً، ويعقوب القيعان كان عربياً، وكذلك محمد طه عربي. ومن المصادفة أن 55 مواطناً عربياً قُتلوا منذ تشرين الأول/أكتوبر سنة 2000 على يد القوى الأمنية ومواطنين يهود، وفقاً لأرقام مركز مساواة [للدفاع عن حقوق المواطنين العرب في إسرائيل]. ومثلهم كانت الشابة العربية نوف أنفيعات [16 عاماً] التي قتلها الجنود الإسرائيليون الأسبوع الماضي أثناء فرارها، مثل كل فتيات المقصات وأولاد السكاكين الذين قتلتهم قوى الأمن عبثاً.

•من المصادفات التي لا تصدق أن المتظاهرين الذين تطلق عليهم النار ويُقتلون هم دائماً من العرب. لكن الحقيقة هي أنه لم يولد رجل أمن يمكن أن يطلق النار على متظاهر يهودي من موقع حراسة محصن، ببساطة، لأنه ” شاهد الموت في عينيه”. يميل الإسرائيليون منذ ولادتهم إلى رؤية الموت في كل مرة يرون فيها عرباً، ولذلك هم يطلقون النار عليهم ويقتلونهم. لقد جرى قتل جميع العرب ليس لأنهم تظاهروا، أو أحرقوا سيارات، أو حاولوا طعن جندي- بل قتلوا لأنهم قبل كل شيء عرب.

•كان يجب على رجال الشرطة في إسرائيل التعامل مع كفر قاسم بتوقير خاص. وكان يجب على دولة إسرائيل منذ وقت طويل أن تحني رأسها خجلاً وإحساساً بالذنب كلما ظهر اسم هذه البلدة في المجال العام. فقبل 60 عاماً، قُتل 46 من سكان هذه البلدة بينهم 9 نساء و17 طفلاً وشاباً، على يد قوى الأمن والشرطة. كان على الدولة أن تطلب منذ وقت طويل الغفران، بالإضافة إلى اعتذار شمعون بيرس عندما كان رئيساً للدولة. وكان يتعين على الشرطة أن تحرص على أمن سكان هذه البلدة أكثر من البلدات الأخرى.

(*) نقلا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية