جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

زار رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط برفقة نجله تيمور وعدد من نواب اللقاء حاضرة الفاتيكان في روما، والتقى مع البابا فرنسيس، وتباحث مع امين سر دولة الفاتيكان ( رئيس الحكومة) الكاردينال بارولين ووزير الخارجية بول غالاغر في آخر التطورات التي يعيشها لبنان، وما يُحيط بالمنطقة العربية من مخاطر.

زيارة جنبلاط كانت لتأكيد ارتياحه للمواقف التي ادلى بها البابا فرنسيس إبان زيارته الى القاهرة في 28/4/2017، والتي تناولت بموضوعية ما يجري في الشرق الاوسط، خصوصا لناحية تأكيده: “ان الاسلام دين سلام وليس دين ارهاب” واعتباره ان الحوار وثقافة تفهُم الآخر هما السبيل لحل جملة من المُشكلات التي تعيشها المنطقة، والعالم.

والَّلفتة الجنبلاطية بإتجاه روما؛ تحمُل العديد من الدلالات، ولها دوافِع لبنانية مُلحَّة. فعادةً ينشط التواصل بين المختارة وقادة الفاتيكان؛ عندما تكون الاوضاع متوترة، او بمناسبة التأسيس لمقاربة تتعلَّق بالمستقبل اللبناني، او لمعالجة قضية على صِلة بالعلاقة بين الموحدين المسلمين الدروز والمسيحيين في الجبل. وتلك عادة جنبلاطية قائمة منذ العام 1761؛ عندما عالج البابا بناديكتوس الرابع عشر التوتر الذي ساد في الجبل اللبناني بين الرهبانيات، بمساعدة الشيخ علي جنبلاط.

في العام 1984 تكثًّفت الاتصالات بين جنبلاط والفاتيكان لتأمين سلامة اهالي دير القمر المحاصرين ولتخفيف وقع الكارثة التي سببها الاحتلال الاسرائيلي. وفي العام 1994 التقى جنبلاط مع البابا يوحنا بولُس الثاني لوضع اللمسات الاخيرة على خطة عودة المهجرين المسيحيين الى الجبل وإجراء المصالحات التي تُوِّجت بزيارة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير بمباركة فاتيكانية الى الجبل والمختارة في آب/ أغسطس 2001.

يرى جنبلاط ملامح لمرحلة غير عادية يمرُّ بها لبنان، وهي تحتاج الى عناية خاصة، والى ” شمسية فاتيكانية” لاسيما في الجبل، من خلال ترسيخ اجواء المصالحات والتعايُش، ولإبعاد الجبل عن كل عوامل التوتر المُحيطة، لأن  الخصوصية الجبلية لاتُشبِه غيرها من الخُصويات المناطقية الأُخرى، وهي فريدة من حيث دِقة التعاطي معها، لأن الأخطاء في الحسابات البسيطة في الجبل، تُنتِج فوارق واسعة في بيدر الحصاد اللبناني عامةً. وجنبلاط لديه حساسية مُفرِطة إتجاه الإشتباك السياسي في الجبل، لأنه قد يتحوَّل الى توتر إجتماعي عِند اية فرصة. ولا يمكِن مع ذلك تجاهُل تأثيرات هذا الامر على الإجتماع السياسي اللبناني برمته، بصرف النظر عن الوقائع الجيوديمغرافية.

رَاعىَ جنبلاط تفاصيل الحياة السياسية في الجبل الى حدود واسعة، واسَّسَ علاقات سياسية مع كل القوى المسيحية – بما في ذلك التي يختلِف معها بالخطوط العريضة – بهدف إشاعة جو من الإطمئنان عند ابناء الجبل كافةً، وبعض ما قام به؛ كان لمصلحة أخصامه السياسيين. إلا ان المواطنيين من ابناء الجبل – وتحديداً من المسيحيين – يحفظون له هذا الدور، بصرف النظر عن العملية الإنتخابية ونتائجها. وفي هذا السياق فقد رافق المصالحات الشعبية في بلدات الجبل، اتفاقات تعاون ارساها جنبلاط مع الرئيس امين الجميل ومع الرئيس ميشال عون( قبل ان يتولَّى سدَّة الرئاسة) ومع رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وغيرهم. وايد منذ البداية المصالحات المسيحية- المسيحية، وكذلك وصول العماد عون للرئاسة الاولى.

من تغريداته وتصريحاته في الفترة الاخيرة؛ تتوضَّح بعض مخاوف جنبلاط. فهو لا يشعُر بالإطمئنان من كون اغلبية من الطبقة السياسية الحالية – خصوصاً من الجيل الجديد – لا تُعيرُ اهتماماً كبيراً للحفاظ على الخصوصية اللبنانية – بما في ذلك على ثراث لبنان العمراني وجمال طبيعته –وهي تتطلَّع لتحقيق مصالح سياسية او غير سياسية سريعة. وفي بعض تصرفات هؤلاء وعنادهم شيء من المغامرة قد تُنتِج توترات ليست في مصلحة مستقبل التعايُش، ولا في مصلحة المستقبل اللبناني. وهو يأخذ على بعض السياسيين اللبنانيين آنيتهم – او شعبويتهم – التي إن فادت في الإنتخابات؛ لكنها لا تفيد ابداً على المدى البعيد، لأن المرحلة القادمة صعبة ومُعقدة، وتحتاج للحوار ولتفهُّم الآخر وللتواضُع، كما قال البابا فرنسيس.

علَّ الرسالة التي تسقط احياناً من فوق، تُقرأ قبل الرسائل التي تأتي من أماكن قريبة.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية

عن فاتورة دواء مُعالجة مرض الفراغ الرئاسي