“التقدمي” يشارك في ندوة “لبنان والنازحون السوريون” في بكفيا

بكفيا- “الانباء”
شارك عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي الدكتور بهاء أبو كروم في الندوة التي نظمها “بيت المستقبل” بالتعاون مع “نادي مدريد” بعنوان “لبنان والنازحون السوريون، اشكاليات الكرامة الإنسانية ومواجهة التطرف والعودة الآمنة”، في سرايا بكفيا، بحضور الرئيس أمين الجميل وبمشاركة رئيس الوزراء السابق للبوسنة والهرسك زانكو لا كمدزيغا، وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، منسق الأمم المتحدة المقيم للشؤون الإنسانية فيليب لازاريني، ورئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل ونخبة من الخبراء والأكاديميين والإعلاميين.

والقى الرئيس الجميل مداخلة فرحب بالحضور وأشاد بالتعاون مع نادي مدريد، واعتبر أن “موضوع هذه الطاولة المستديرة مهم ودقيق وبخاصة في لبنان اكان بالنسبة الى الوضع الإنساني للنازحين او للتحديات التي يشكلونها على الصعد الاقتصادية الاجتماعية والأمنية في ظل تركيبة النسيج اللبناني. خاصة وأنه من الصعب للبنان استيعاب هذا الكم من النازحين “.
من جهته اشار الوزير المرعبي إلى أن “نسبة الكثافة السكانية في لبنان هي الاعلى مقارنة مع الدول الأخرى ونحن كلبنانيين نعي خطورة هذا الموضوع، فلبنان بمساحته الجغرافية الصغيرة وبعدد سكانه لا يستطيع تحمل عبء مليون ونصف مليون نازح سوري يضاف اليهم عدد لا يستهان به من اللاجئين الفسلطينيين”.

وفيما يلي نص الورقة التي قدمها أبو كروم بعنوان: “النزوح السوري في سياق الجدل حول الكيان والهوية”

العناوين والهواجس التي تطرحها الورقة المقدمة كخلفية إلى المؤتمر، تفسح المجال أمام الدخول إلى عمق المسائل الجوهرية التي تحكم منطلقات البحث في هذه المسألة، وهذا إن دل على شيء فهو أن موضوعاً بهذا الحجم لا يمكن تناوله تبعاً لمعطيات فقط مادية، إنما أيضاً وفقاً لتحليل مستفيض للمفاهيم ولمنظومة القيم التي تتحكم بردود الفعل على هكذا أمر.
من هنا فإن التوافق على حجم التحدي الذي يفرضه النزوح السوري إلى لبنان هو واحد من المداخل التي تتيح التوصل إلى سياسات وطنية لمواجهة هذا التحدي أياً يكن حجمه. فوحدة الموقف اللبناني المبني على تشخيص حقيقي وواقعي لهذه المسألة، يضمن تبديد كثير من التداعيات المحتملة على الكيان والهوية وعلى سلّم القيم في المجتمع اللبناني.

مع العلم أن العقل اللبناني العميق غالباً ما يربط بين ديمومة الهوية والكيان من جهة والتوازن بين الفئات التي تتشكل منها صيغة التعايش الإسلامي – المسيحي من جهة ثانية، وبهذا المعنى فالتوازن هو الأساس في بقاء الصيغة وإذا فُقِد التوازن فُقِدَت معها الصيغة. من هنا ينطلق خوف اللبنانيين من المس بالمعادلة العددية، رغم الضمانات والتطمينات التي أقرها اتفاق الطائف. ومن هنا يمكن قراءة الموقف التلقائي لرد فعل اللبنانيين على أي دفق ديموغرافي نحوهم، خاصة إذا بلغ أرقاماً ذات دلالة، أو إذا اتخذ طابعا طائفيا محدّدا.


بهذه الخلفية تعاطى بعضهم مع اللجوء الفلسطيني وبهذه الخلفية يستمرون في التعاطي مع قضية النزوح السوري. لكن في المقابل فإن الإقرار بالهواجس لا يبيح المبالغة في قياس حجم التحدي، أو معالجة الأمر عبر الانتقاص من حقوق اللاجئين، أو عبر إظهارهم مُهددين للكيان أو الهوية، أو باعتماد المقاربة الأمنية في التعاطي معهم.
طبعاً إن ما يُحصّن عملية الفهم المشترك لطبيعة الأزمة مسألتان، الأولى، هي غياب المشروع السياسي للنازحين السوريين في الداخل اللبناني والثانية، هي غياب المشروع السياسي لأطراف لبنانية تهدف إلى استثمار الوجود السوري في التوازن الداخلي سياسياً أو ديمغرافياً. هذان الشرطان إن توافرا إذ ذاك يصبح الحديث عن الخوف على الكيان أو الهوية أمرا مبالغا فيه.
أيضاً هذا لا يعني أن ليس هناك مخاوف على الكيان أو الهوية تتأتى من مصادر أخرى، وهنا لا بد من التمييز بين المشاريع والتحولات الديموغرافية والخرائط التي تنشأ على هامش الحرب في سوريا التي تهدد الجغرافيا السياسية في كل المنطقة، وبين قضية النازحين في لبنان.
فعندما يُحكى عن أكثر من 5 ملايين سوري لجؤوا إلى دول جوار سوريا وعدد آخر إلى دول بعيدة، وأرقام مماثلة نزحوا داخليا، وأعداد كبيرة بين قتلى ومفقودين ومعتقلين، فإن المعادلة التي يجب اعتمادها للتعبير عن خوف اللبنانيين، هي تلك التي تقول أن العقل أو التوجه أو العقيدة أو المحور الذي أذى وشرّد من السوريين ما يُعادل ضعفي عدد اللبنانيين، غير آبه بكل تلك المعاناة، هو الذي يهدد كيان لبنان وهويته، وليس هذا النازح الذي جاء إلى لبنان يبحث عن الأمان لعائلته وأطفاله.
إن واقع العلاقات بين الشعبين اللبناني والسوري لا يمكن اختصاره فقط بملف النازحين لذلك من مصلحتنا أن نبقي على الطابع المؤقت لهذه المسألة.
ومن منطلق سوسيولوجي بحت لا بد من إيراد بعض الملاحظات:

أولاً: إن ما هو قائم حالياً بين لبنان وسوريا أكثر تعقيداً بكثير من مسألة النزوح، ولا أعرف ما سيؤول إليه هذا التداخل اللبناني الذي يجري على أرض سوريا، وهذا القدر من التحكم بقضايا استراتيجية وتغيّرات عسكرية وديموغرافية وبالقرارات إلى حد بعيد، وبالتالي لا يمكنني إلا أن أسأل عمّا يُكنّه لي المواطن السوري على هذا المستوى. أحاول هنا التدليل على أن هناك بالتوازي انفعالات تجري وتتراكم تجاهنا كلبنانيين في الأراضي السورية.
ثانياً: إن الحاجة إلى إظهار توجه لبناني حاضن للنازحين، بالمعنى الثقافي والأخوي، (دون أن يعفينا ذلك عن العمل الدائم للحد من أثر النزوح وتأمين العودة الآمنة)، هي مسألة استراتيجية للبنان تكفل المحافظة على علاقات جيدة بين الشعبين وتضمن لعب لبنان دوراً موزوناً في مستقبل سوريا، ودوراً يعيد إحياء اقتصادنا لاسيما في موضوع إعادة الإعمار.
ثالثاً: لقد تعايشت الديموقراطية اللبنانية بصعوبة بالغة مع نماذج من أنظمة حكم مختلفة في سوريا كان اشدها تأثيراً نظام الأسد، ونحن في لبنان لا يمكن للحظة أن نشتغل بالمستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمعزل عن التأثير السوري الذي يقيم في صميم ذلك التفكير، وهذا الأمر ليس جديداً. واستقرار الديموقراطية اللبنانية حالياً في ظل الحرب السورية، يجب أن يبقى هدفاً استراتيجياً للبنانيين، من هذه الزاوية فقط يمكن النظر إلى التفاوت في التوجهات الداخلية تجاه مسألة النزوح السوري شأنه في ذلك شأن التوجهات المتفاوتة التي تنشأ في دول أوروبا تجاه قضايا اللجوء والهجرة والاندماج، لا أكثر.
طبعاً من الصعب الحديث عن معالجة الإشكاليات المعقدة المتصلة بهذا الأمر دون البحث عن منظومة تشريعات وسياسات وأطر ثقافية تفسح المجال أمام تصليب الموقف اللبناني في مواجهة هذا النوع من التحديات. وتزيد من ثقة المجمتع الدولي ومؤسساته بقدرة لبنان على التصدي لأزمة النزوح.
ولا يمكن لنا الاستمرار في تجاهل كثير من المتغيرات التي تجري. وفي هذا السياق فقد أصبحت دوافع انتقال البشر والجماعات بين البلدان كثيرة، أغلبها يتعلق بالبحث عن أمان سياسي أو اقتصادي أو أمني وثقافي أحياناً كثيرة، وذلك يفرض علينا بناء سياسات وطنية تتعلق بالهجرة واللجوء والجنسية والاندماج الثقافي والتنمية وغير ذلك من وسائل مواكبة هذه التحولات. لم يعد هناك مكاناً للصفاء القومي أو الديني أو الجنسي أو حتى السياسي، والتحدي الرئيسي في هذا العصر يكمن في قدرتنا على إدارة التعددية، وعلى بناء منظومة تشريعات وإجماعات تواكب تلك المتغيرات. وهذا تحدي رئيسي خاصة ونحن نشهد بعض مظاهر التطرف والانعزال والشمولية بفعل هذا العقل الانغلاقي الذي يهدف إلى الوصول لمجتمعات نسقية، فيما الكون يذهب باتجاه التعدد والاختلاط والاندماج والتواصل.
الكون يتحرك ويتقدم ونحن ليس لدينا قانون حديث أو عادل للجنسية، أو ليس لدينا تعريف مُحدّد للاجئ، وليس لدينا سياسة وطنية للحد من هجرة اللبنانيين إلى الخارج. لدينا سياسات، مسيحية هنا إسلامية هناك، منفصلة عن بعضها البعض، لكن ليس لدينا سياسة واحدة حتى في موضوع الاغتراب الذي غالباً ما تقع مؤسساته فريسة الانقسام الطائفي. ومن هذه الزاوية يمكن أن أخلص إلى أنه عندما نفكر كلبنانيين ننجح في رسم سياسات وطنية، وعندما نفكر كطوائف نفشل حتى إذا اعتقد بعضنا أنه بذلك يحمي لبنان. نحمي الهوية اللبنانية الوطنية المدنية عندما نقوي عضد الدولة وسياساتها الوطنية الجامعة.
في النهاية صحيح أن لبنان ليس بلد توطين، ولا بلد لجوء، إنما لبنان لديه أكثر من عدد اللبنانيين المقيمين فيه مهاجرين ومغتربين يعيشون في بلاد ثانية، ولبنان هو بلد مُصدّر للهجرة، وهذا الأمر لا بد أن يعكس نفسه على أدائنا الثقافي وعلى ردّات فعلنا التي تتعلق بأسباب ودوافع انتقال الناس لسبب من الأسباب، وأيضاً هذا الأمر لا بد أن يُقرأ في سياق البحث عن سياسات تحد من هجرة اللبنانيين، وتحكم أطر تعاطينا مع أزمات من هذا النوع.

(الانباء)