الانتصار الوهمي على حركة التاريخ

منير بركات

بقدر ما تختلف مع فكر ميشال شيحا الكاتب الصحافي وهو أحد اصحاب بنك “فرعون وشيحا” ومديراً له، صهره الرئيس بشارة الخوري. كان شيحا أحد واضعي دستور 1926، وأحد ممثلي ايديولوجية البرجوازية اللبنانية، ان لم يكن ابرزهم على الاطلاق، وهو ابن قرية بمكين الذي ولد فيها سنة 1891 وتوفي سنة 1954، رغم التحولات والتعديلات في الدستور ومرور الحروب والأزمات وجزء منه بسبب رسمه للفكر البرجوازي ومحاولة تأبيده، الا ان الطبقة السياسية اللبنانية لم تخرج من فكر ميشال شيحا، وهي تقتات من فكره حول فلسفة لبنان وفرادته وبداهته بلغة تخدم استمرار نظامه السياسي البنيوي المأزوم، مزينة بإيجابية انتاج الحلول التوافقية مهما اشتدت الازمات والتناقضات، ولكن بإفتعال قسري ليتبين للمراقب بأن الإنتصار الوهمي على سيرورة الحركة التاريخية وضرورتها يبدأ من رفض هذه الضرورة وكونيتها في تحديث الانظمة السياسية في العالم وخارج اطار الردات في الحراك الحالي ما بين انظمة “توتاليتارية” والصراع مع الاصولية الدينية بمتفرعاتها لتضيع بينهما البدائل التغييرية الديمقراطية ويصبح فكر ميشال شيحا نموذجاً لبنانياً منقذاً ما بين الخيارات الثلاث.

وبالرغم ما لهذا الفكر “الايديولوجي”من قدرة على تغييب الأسباب وقلب النتائج نقائضها، ليثبت فكر شيحا بما يحصل حاليا بالعودة الى البداهة: لبنان بلد لا يشبه الا ذاته هذا علينا ان نفهمه أخيراً انه بلد فريد، وكما يبدو الهروب الدائم الى الوراء بسبب مخاطر الهروب الى الامام الذي يهدد الكيان ذاته.

وما الصراع حول إقرار نظام إنتخابي حالياً الا تجلياً لأزمتين متلازمتين ازمة نظام، وازمة بديل، ليبقى شبح البقاء ومخاطر الحرب اهم سلاح لاستمرار فكر ميشال شيحا وهيمنة الطبقة السياسية اللبنانية.

نفهم من خلاصة فكره بأنه ليس بالإمكان إنتهاج نهج آخر.. يعني بذلك أن النهج في تجزئة هذه الكتلة البشرية او هؤلاء البشر الاحياء في لبنان الى مجموعات “طائفية”  كل منها بخانة منغلقة على الأخرى، هو نهج فكري، يجد في الفكر، لا في الواقع المادي. ضرورته، ضرورة فعل التصنيف الطائفي كمنهج افضل من غيره، بمعنى انه ليس الوحيد، ولئن وقع الاختيار عليه، فبسبب “الفرادة” وانسجاماً معه، اذ ان هذا المفهوم يمنع الفكر من اعتماد اي منطق اخر من التحليل يصح على غير لبنان. فهو، اذ يصح على غيره، لا يصح عليه.

انه قطع خطير ورهيب ومشوه مع حركة التاريخ وتبقى الميثاقية والتوافق ميزة ايجابية نسبية في فكر شيحا نستسلم لها جميعا اقلها في المنظور البعيد وما القانون المنشود بمعزل عن تفاصيله الا جرعة جديدة في تجميل النظام السياسي في لبنان دون المس في جوهره.

فلبنان الشيحاوي، هذا الفريد من نوعه والذي يختصر العالم بتنوعه والطبيعة والمناخ؟ لا يصح عليه تحليل طبقي -قد يصح على غيره- لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الفكر او الثقافة، فبأي منطق من الفكر يمكن النظر فيه، وقد اقامت فرادته سداً منيعاً في وجه كل فكر آخر يحول دون النفاذ فيها! فيه من التناقضات الكثير، لكنها فيه تتجوهر وتدوم بانتفاء طابعها التاريخي.

في الاستنتاج علينا النفاذ بأقل الخسائر الممكنة ومن خلال تجاوز الفراغ والعودة الى قانون الستين وإجراء انتخابات على اساس اي قانون توافقي، وأخيراً نقدم التهنئة لميشال شيحا وأبديته؟!

(*) رئيس الحركة اليسارية اللبنانية

 

اقرأ أيضاً بقلم منير بركات

طلّة راقية في ذكرى مولده

لن يتمكنوا من تغيير هوية الجبل ووجهه

التحذير الفرنسي للبنان شبيه بتحذير السفير الفرنسي قبيل اجتياح 1982!؟

مفهوم الدولة وشروط تكوينها 

مكامن الخلل في تجزئة الحرية؟

أهل التوحيد والتاريخ المجيد… غادروا الماضي واصنعوا المستقبل !؟

الألفية التاريخية للموحّدين الدروز

تحفّزوا بالقامات الكبيرة يا حديثي النعمة!؟

بعيداً من التبسيط.. البلد على حافة الهاوية!؟

العقوبات غير المسبوقة تصيب مقتلاً في النظام الإيراني

الموحّدون الدروز: المخاوف من إطاحة الوطن

مبادرة “التقدمي”: خطوة متقدمة لحماية الحريات العامة

على الرئيس المنشود ممارسة القمع لكي يكون مرشح الناخب الأول!؟

تلازم الفاشية مع الطائفية ومأزق الحكم

أين المصير الواحد والبلد الواحد واللغة الواحدة من كل هذا؟

المطلوب وقفة موحدة ضد النظام!

الشعوب ضحية الأطماع الدولية والأسد فقد دوره الأقليمي

بلورة المشروع الوطني المعارض

رسالة الى رئيس الجمهورية

الاطاحة بالطائف يعيدكم الى حجمكم!؟