عن فترة السماح السياسي للعهد

 د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

كل القوى السياسية اللبنانية تراعي بعضها البعض، ولا تريد الاشتباك، او القطيعة، على خلفية مُجاراة الوضع الجديد الذي قام في البلاد منذ إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية نهاية نوفبر/ تشرين الثاني 2016. بالمقابل؛ يُؤخذ على الفريق المُقرَّب من رئيس الجمهورية انه حشَرَ بعض الحلفاء، واستفزَّ بعض الاصدقاء، وهمَّش بعض القوى الحزبية الأُخرى، وتصرَّف على اساس انه مُنتصر منذُ ما يُقارب 6 اشهُر.

القوى السياسية الوازِنة في لبنان؛ لا تُريد الخصام السياسي مع العهد، ولكنها لم تحتظنه في آنٍ واحد. ولو كانت الظروف السياسية في المنطقة مُختلفة؛ لكنا شاهدنا جولات توتر تُشبه ما كانت عليه البلاد في العقد الاول بعد الالفية الثانية (اي بين العام 2001 والعام 2009). لكن صورة مشهد العلاقات بين المؤسسات الدستورية ليس على ما يرام، كما ان حالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ” القوي ” تبدو انها تحتاج لعوامل قوة إضافية من خلال إحتضانه وزيارته، وهذه وتلك كانت على الدوام مصدراً لإعلاء شأن الرئيس بين الاوساط الشعبية والدبلوماسية وفي الخارج.

فالزيارات الاسبوعية لرئيس مجلس النواب الى قصر بعبدا؛ غير موجودة. ولقآت الرئيس تكاد تقتصر على استقبال بعض الموظفين، والهيئات المحلية والبلدية، ووفود تذهب برفقة بعض الطامحين للوجاهة ولإلتقاط الصور، بينما الشخصيات الوازنة في البلاد؛ لا تتردَّد الى القصر، وهي تتجنَّب طرح الشؤون العامة مع الرئيس، رُبما لأنها تشعُر ان مفاوضة الرئيس؛ لا تجري في بعبدا، بل في مكانٍ ما خارجه، او من خلال اللقاء مع مُقرَّبين  لهم مونة كبيرة على الرئاسة، وربما اكثر مما يتحمل الوضع. رغم ان هذه الشخصيات التي لا تزور القصر؛ لا تُكنُّ عداءً للرئيس، ولا تُريد ربط نزاع معه منذ الآن.

وفترة السماح السياسي للعهد؛ طالت، وربما تطول اكثر فأكثر. والمراعاة السياسية للنهج القائم واسعة، وما يُثار من بعض وسائل الاعلام، او من قبل بعض الشخصيات المُتابعة حول الاخطاء، او ما يُطلق عليها في لبنان ” الصفقات ” يُعتبر عادياً، وفي حدودهِ الدنيا، ولو كان هناك نوايا إشتباكية، لقامت القيامة في مواجهة بعض هذه الاخطاء، مثل ملف الكهرباء؛ حيث اصحاب إقتراحات المعالجة بواسطة تلزيم البواخر بمناقصات محصورة اليوم؛ كانوا قيمين على القطاع منذ اكثر من 15 عام ولم يُحرِّكوا ساكناً.

يُساهم في مرحلة “السماح السياسي” معظم القوى الفاعلة، بما في ذلك ما يُطلق عليه ” الحراك المدني ” الذي اختفى بعضه فجأة عن الشاشات.

فالرئيس نبية بري لا يريد الاشتباك مع العهد، وحزب الله لا يبدو انه مُغطبط بممارسات المقربين من بعبدا، وقد اعلن: ان ثقتهُ محصورة بالرئيس دون غيره. ونادي رؤوساء الحكومات السابقين على إختلافهم – إضافةً الى بعض الشخصيات المقربين من تيار المستقبل- عبَّروا عن إمتعاضها مما يجري، واعترضوا علناً على التساهل الدستوري والإجرائي الذي يُقدمه الرئيس سعد الحريري للعهد. اما القوى والاحزاب التي تتبنى طروحات سياسية غير تقليدية – ومنهم الحزب التقدمي الاشتراكي – فيشعرون ان المطلوب منهم إلغاء ذاتهم، من خلال طلب موافقتهم على مشاريع لقانون الإنتخاب، تتضمن إعتماد المذهبية والطائفية في التأهيل، او في إنتخاب نوابهم، وهذا يتعارض مع اللوائح الداخلية لإحزابهم.

وتتعرَّض بعض القوى السياسية – لا سيما المسيحية – لمحاولة إلغاء او تحجيم من خلال الاستقواء عليهم من قبل المُقربين من العهد، او من خلال تهديدهم بتسونامي الثنائية المسيحية، وهذه القوى التي تُعتبر تاريخياً مؤيدة لرئاسة الجمهورية ومدافعة عن الموقع – خصوصاً حزب الكتائب – لا تزور القصر الرئاسي، ولا تشعُر ان الرئاسة تحتضن الجميع، كما هو مُفترض، او كما أُعلن عن لسان الرئيس بُعِيد تسلمه مقاليد الحكم، انه ” بي الكل “.

هل تنطوي فترة السماح السياسي للعهد مع إقتراب الاستحقاقات الدستورية الداهمة فيما يتعلق بإنتهاء ولاية مجلس النواب في 20/6/2017؟ ام ان هذه الاستحقاقات ستكون محطة لإطلاق عربة التعاون السياسي في البلاد مدفوعةً من الجميع بإتجاه واحد، وليست بحصانان، واحد يشدها الى الامام وواحد يشدها الى الخلف، كما كان يُشبِه البطريرك صفير الوضع قبل الإنسحاب العسكري السوري عام 2005؟

اقرأ أيضاً بقلم  د. ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

نظرية العزل السياسي سقطت الى غير رجعة!

الموازنة اللبنانية بين المعلوم والمَخفي!

التعقيدات التطبيقية في قانون الإنتخاب الجديد

الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر

عن الانتخابات والاكثرية والنسبية والطائفية وصحة التمثيل

الحكومة اللبنانية بين التكليف والتأليف والميثاقية

السلَّة والدستور اللبناني  

المختارة تُعيدُ التذكير بالفكرةِ اللبنانية

جهل بالتعاملات المصرفية ام قرار بقلب الطاولة؟

عن المزاج الشعبي بعد الانتخابات البلدية في لبنان

الانتخابات البلدية: حسابات القرايا* وحسابات السرايا

عن دور الدبلوماسية اللبنانية

كيف تتعطل إنتخابات الرئاسة اللبنانية؟

النازحون السوريون إلى لبنان: مأساة إنسانية متفاقِمة

الإنعطافة القواتية!

2016: زمن الاعتدال ونوافذ الانفراج

الحكومة اللبنانية: إتفاق وإختلاف تحت سقفٍ واحد