الأمير شكيب ارسلان: رائد النهضة الاسلامية التنويرية التجديدية / بقلم د. سعود المولى

في العام 1918 اسدل الستار على “الامبراطورية العثمانية” التي انهارت تحت وطأة ضربات الامبرياليات الغربية اثر الحرب العالمية الاولى (1914-1918). وفي الفترة ما بين الحربين الكونيتين (1918-1939)، عرفت البلاد العربية عشرات الثورات وحركات التمرد والممانعة الشعبية التي قمعت بالحديد والنار، وأسست لتجذر حالة العداء للغرب في الاوساط الشعبية ولدى النخب المسلمة.
والى جانب حركات المقاومة المسلحة، والتمرد السياسي الجماهيري، شهدت البلاد العربية ايضا حركة فكرية- سياسية ناهضة حملت راية الصراع ضد “التغريب” و”التبشير”، وضد الاستعمار السياسي والامبريالية الثقافية عل حد سواء… وقد مهدت هذه الحركة بشعاراتها ونضالاتها لظهور حركة الإحياء والنهوض الإسلامي العام. وكانت مصر هي الارض الخصبة لتلك الحركة، وكان الأمير شكيب أرسلان أحد كبار فرسانها، لا بل فارسها المبرز.

مصر بين تيارين
ظهرت بدايات الصراع بين التيارين الكبيرين في الفكر العربي المعاصر، خلال المرحلة العثمانية، وبالأخص خلال فترة عمل المجدد الشيخ محمد عبده (مفتي الديار المصرية لاحقاً)، بعد عودته من المنفى وتعاونه مع اللورد كرومر. ذلك أن “محمد عبده قد استعاد وطور فكر الأفغاني بعد نزع طابعه الثوري عنه.
وقد استمر عمل عبده التجديدي حتى وفاته عام 1905 حيث كان قد اصبح داعية (أو رسولاً) للتطور البطيء والمتدرج للإسلام ولتوافقه مع العالم المعاصر”. ويمكن القول بإيجاز ان عمل محمد عبده قد مهد “وهيأ الأذهان وان بصورة لاواعية، لتقبل فهم جديد للدولة والدين يختلف عن فهم القرن السابق”.

ولعل هذا ما يفسر كيف ان كل أطراف الصراع اللاحق (العلماني- الديني) ادعوا الانتساب الى مدرسة محمد عبده. فمن جهة، ظهرت المدرسة السلفية التقليدية على يد رشيد رضا والمنار، وعلى قاعدة تعاليم “الأستاذ الإمام”، ومن جهة مقابلة، تطورت مدرسة الحداثة والعصرنة مدعية الاستناد الى تنور محمد عبده لتبرير طروحاتها، وخصوصا من طرف طه حسين، وعلي عبد الرازق باشا، واحمد لطفي السيد.

وبين الاثنين وقف الأمير شكيب ارسلان مكملا ومجددا ومطورا رسالة الافغاني -عبده- رشيد رضا، في ظروف دولية وعربية جديدة مختلفة، الامر الذي يجعله بحق رائداً من رواد الفكر الاسلامي التنويري التجديدي، واستاذاً لجيل كامل العظماء في هذا السبيل.

وما كان جديدا وحاسما في ملامح تلك المرحلة هو كونها تختلف اختلافا كبيرا عن مرحلة الافغاني – عبده، ذلك ان تغيرات عنيفة كانت قد حدثت منذ مطلع العشرين. ففي زمن الافغاني وعبده استقر نوع من التعايش او التساكن بين نمطين، ومجتمعين، وسلطتين: نمط الخلافة والاسلام والتقليد من جهة، ونمط اوروبا والغرب والعصرنة من جهة ثانية. اما بعد سقوط الدولة العثمانية واحتلال وتجزئة البلاد العربية، فلم يعد الغرب يقبل بالتساكن او التعاون (الذي طرحه عبده) وإنما بالاستسلام الكامل والتخلي عن الهوية والتاريخ والثقافة.

وكان ذلك يحمل سمة الامبريالية، اعلى مراحل الاستعمار على حد وصف لينين. ومن غير الأمير شكيب يستطيع التقاط تلك السمات الجديدة، وهو الذي عاش في الغرب وخبر سياساته وافكاره، وكان له التجارب الكثيرة مع البلشفية والفاشية، والديمقراطية الغربية بكل الوانها وتفاصيلها، كما كان له التجربة والتاريخ مع الاسلامية العثمانية، والتركية الطورانية، والقومية العربية؟!

وهو ايضا اول من ادرك سبب تطور الوطنية المصرية على قاعدة الاسلام، بخلاف القومية العربية التي تطورت في بلاد الشام على قاعدة رد الفعل ضد الاستبداد الحميدي (1876-1908)، ثم بعد 1908 ضد الدكتاتورية والتتريك الذي مارسته جماعة تركيا الفتاة.

لقد تمظهرت الوطنية المصرية الاسلامية في المشاركة الشعبية ابان الحرب الليبية (1911)، ثم حرب البلقان (1912)، وهي مشاركة كان للأمير شكيب الدور الرائد فيها ان على مستوى التنظير او على مستوى الممارسة العلمية، حيث قاد كوكبة من المتطوعين من دروز الجبل للجهاد في ليبيا انذاك، كما قاد الحملة الشعبية العربية لمساعدة منكوبي البلقان من المسلمين.

كما شهدت المرحلة ما بين 1911 و 1922 تطور التيار الشعبي المصري المؤيد لتركيا، حتى الكمالية، في حربها التحريرية الاستقلالية. ذلك ان مصر التي كانت اصبحت محمية بريطانية منذ 18 ديسمبر (كانون الاول) 1914، ظلت تخفق بالأمل لحصول انتصار عثماني ضد الغربيين. وكانت هزيمة 1918 بالنسبة الى مسلمي مصر هزيمة لهم وللإسلام، ونقطة البداية للحملة التغريبية لسنوات 1922-1929.

ولقد تابع المصريون بقلق وخوف التطورات الداخلية في تركيا، بدءاً من الدستور الجديد لعام 1922 الذي يفصل الدولة عن الخلافة، ومروراً بإعلان إلغاء الخلافة (3 مارس (اذار) 1924)، وإنتهاء بإالغاء اعتبار الإسلام دين الدولة في تركيا(10 أبريل (نيسان) 1928).

وكانت الصدمة كبيرة على المصريين وهم يرون اعمال اتاتورك في فرض القبعة وتغيير الابجدية الى اللاتينية، وفي الغاء العربية والآذان. وهكذا نشأت القاعدة الشعبية للمجابهة المقبلة بين الاسلام والتغريب الاستعماري.

“لقد ادت جملة من التطورات والاحداث، بدءاً من عام 1922 الى ان تتقدم مصر لتتبوأ موقعها في قيادة الدفاع عن المسلمين الخاضعين للإمبريالية الغربية. وهي لم تترد في استلام هذا الدور الذي يعود اليها بالفعل، خصوصا بعد قطيعة تركيا مع الاسلام”.

وهكذا التف المصريون حول ثورة الريف في المغرب بقيادة الأمير عبد الكريم الخطابي (1920-1926)، والثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الاطرش (1925)، حيث تظاهروا وقاموا بجميع التبرعات، واستقبلوا قادة الثورتين في القاهرة والاسكندرية. وفي مصر انطلقت اولى حملات الدعم لفلسطين، وهي تطورت واتسعت بعد حادثة حائط البراق (1929)، والتف المصريون حول قيادة المفتي محمد امين الحسيني والشيخ عز الدين القسام في فلسطين، وحول المطالب السورية واللبنانية والمراكشية التحريرية الاستقلالية.

وعكست الصحف المصرية هذا الجو الاسلامي الذي بدأ يغلي منذ عام 1922، ووصل ذروته مع الظهير البربري الذي حاولت فرنسا فرضه في المغرب (1930). وتؤرخ جريدة المنار، ومن ثم جريدتي الفتح والشورى (بين 1924-1930) لتلك المرحلة، وهي صحف تحولت الى ان تكون اداة التعبئة والتحريض في المعركة ضد الغرب، وفي شحذ سلاح الوحدة والتضامن بين المسلمين. “وكانت تلك الصحف تقرأ في كل البلاد الإسلامية من اقصى الشرق الى اقصى الغرب، من الهند الى المغرب. ومن قراءة هذه الصحف استمدت الوطنية المصرية حيوية وعنفاً”.

وفي هذا الجو، ووسط هذا التيار الذي حمل لواء الدفاع عن الاسلام وبلاد المسلمين، والدعوة الى التضامن الإسلامي، يندرج موقع ودور شكيب ارسلان، وهو الذي منحه شعبيته الكاسحة في مصر وبلاد العالم الاسلامي (من طنجة الى جاكرتا وسومطرة).

ويستطيع الدارس لفكر الأمير ارسلان ان يلحظ كيف انه تطور خلال تلك المرحلة بالضبط؛ فهو حمل بصماتها وملامح ظروفها ومعاركها. ان فكره هو فكر نابع من المعايشة العملية، انبنى عبرها يوما بيوم، في جو الاعاصير والغليان، وفي اوضاع الثورة والعصيانات والمواجهات السياسية والعسكرية والايديولوجية. من هنا عدم تشكل فكر ارسلان في كل متناسق متماسك، او في نظرية متكاملة او في برنامج سياسي وايديولوجي (على ما قد يطالب به البعض).

لقد عبر هذا الفكر عن نفسه في مقالات وسجالات كتبت في اتون المعارك، وهي تحمل حماستها واندفاعاتها وتهدف الى تنوير المسلمين وحثهم على الصمود والنضال. انها صرخة انذار مبكر اطلقها مسلم كان يشعر بان الارض تسحب من تحت رجليه فيفقد الارض ومعها التاريخ والثقافة والسياسية امام زحف الطاغوت الاستعماري. انها دفاع يائس عن العالم الاسلامي ضد مستعمريه في ظروف اختلال كبير لميزان القوى.

لقد عرف ارسلان خلال تلك المرحلة كيف يستثير حمية المسلمين، وكيف يعرض قضاياهم ومطالبهم، وكيف يحدد نقاط ضعفهم وقوتهم، وكيف ينشر الافكار والموضوعات التي تستحق التأمل والتطوير، وكيف يدعو الى اعمال وينظم معارك ويخوض مواجهات محددة ملموسة، وكيف ينتقد ويدحض الافكار الخاطئة والممارسات السلبية. انه مناضل ملتزم بكل معنى الكلمة، وفارس نبيل في زمن الهزيمة والتفكك والتطورات المتسارعة.

2- حاضر العالم الاسلامي

ولعل اهم عمل خلد ذكر الامير أرسلان واعطاه شهرته الواسعة في العالم الاسلامي، هو كتاب حاضر العالم الاسلامي، الذي صار ينسب اليه رغم انه في الاصل ترجمة لكتاب امريكي اضاف اليه الامير تعليقات فاقت حجم الكتاب.
يروي عجاج نويهض- مترجم كتاب لوثروب ستودارد- كيف رد عليه الامير ارسلان برسالة مطولة حين عرض عليه كتابة مقدمة للكتاب المترجم، فيقول ان رسالته له اعطته حجة للكتابة بعد عشرين سنة امضاها ولم ينشر اي كتاب. وهو في رده يقول لنويهض بأن لديه الكثير ليقوله وليس فقط المقدمة التي يطلبها منه.

اما المقالات التي كان كتبها للمنار حول الحرب العالمية الاولى وسياسات تلك المرحلة في سوريا والمشرق العربي، فهي لم تكن اكثر من مذكرات نشرها تحت الحاح رشيد رضا نفسه عند لقائهما في مؤتمر جنيف. ولم تكن تلك المقالات لتشفي غليل الامير وهو كان لديه الكثير ليقوله بعد سنوات من القمع والكبت… وهو لم يكن ينتظر اكثر من الفرصة السانحة التي قدمها له عجاج نويهض عند ترجمة كتاب حاضر العالم الاسلامي.

ولعل الامير “كان يحمل في داخله كل ما يريد قوله او كتابته دون ان يجد المكان او الزمان المناسبين لذلك. وكان طلبي مناسبة لكي ينفجر في سيل من التعليقات والنصوص”.

تشكل تعليقات ارسلان على كتاب ستودارد كتابا كبيرا مستقلا، حيث نجد ان المهم او الهاجس الوحيد للأمير هو الدفاع عن الاسلام ورد الهجمات والتهم.

وظهرت الترجمة العربية وتعليقات الامير عليها للمرة الاولى عام 1925، والطبعة الثانية ظهرت عام 1932. وقد قيل عن هذا الكتاب انه يشكل موسوعة اسلامية صغيرة تطوف بنا ارجاء العالم الاسلامي، وتصل الى ابعد الحدود، وتجمع بين طياتها معلومات اولية ومكثفة حول كل تلك الاصقاع، وحول تاريخ الاسلام والمسلمين. ويقول ارسلان نفسه عن هذا العمل ان مادته هي ثمرة 47 سنة عمل وتوثيق وقراءة وانتقادات وتحاليل.

وقد كان هذا الكتاب بداية الخطوط العريضة لكتابه التاريخي الذي بين ايدينا: “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟”. ولا يمكن ان نفهم روح كتاب “لماذا تأخر المسلمون” إن لم نقرأ روح أفكار أرسلان لتلك المرحلة…

3- الاستشراق والمستشرقون
فاذا كان هدف تعليقات أرسلان الدفاع عن الاسلام ورد ادعاءات منتقديه، فانه يتوجه اولاً الى العرب الذين تركوا الاسلام ولحقوا الافكار والسلوكيات “العصرية” و”الحديثة”. وهو لذلك يخصص حيزاً هاماً من كتاباته وجهوده للرد على المسشترقين ودحض مقولاتهم.
“ان تلك المرحلة (1924-1928) قد شهدت ايضاً حملة كبيرة ضد المستشرقين الاوروبيين، خصوصاً في الصحافة التي كانت سريعة الشك والاستفزاز.
وهكذا فان أسماء مرغليوث، وبرونو وسنوك هورغرونجه كانت تذكر على الدوام باعتبارها أسماء أعداء خطيرين”.
وقد اهتم أرسلان على وجه الخصوص بدراسة مواقف المستشرقين من السيرة النبوية، ومن الفتوحات العربية، كما من السياسة الاجتماعية للاسلام (التسامح والاخوة ونبذ العنصرية أو التمييز)، وأيضاً من السجال حول العلمنة بين أوروبا والاسلام.
ولم يكن أرسلان ليعتبر المستشرقين حسني النية رغم اعترافه بفضل الكثيرين منهم لجهة علمهم وحبهم للحقيقة ودفاعهم عن الاسلام. وهو اعتبر نابليون “أول المستشرقين”، وانه الاكبر، والبطل، لانه أراد التحول الى الاسلام وحمل جيشه على ذلك أيضاً. أما سبب موقف نابليون، فيعود الى ملاحظته عظمة وسرعة الفتوحات العربية الاسلامية، وبساطة حياة وأخلاق الرسول وصحابته.

وكان رينيه غروسيه قد ذكر الافكار نفسها في كتابه “مدينة الشرق”، فاستحق ثناء أرسلان. وفي هذا القسم المخصص للحديث عن الفتوحات الروحية والسياسية الاجتماعية للاسلام، لا يتوانى أرسلان عن كيل المديح والثناء للمستشرقين الكثر الذين يذكرهم بمحبة ليثبت أن الغرب نفسه قد أقر بعظمة الاسلام الروحية والاخلاقية، وبأن سر فتوحاته وانتشاره السريع والسلمي يعود الى تلك العظمة بالذات.

ولكن نفس هؤلاء المستشرقين الذين يمدحهم أرسلان (غود فروي دوموبين- دو ساسي- كاترمير- دو برسفال- رينود- دوسلاين- دوزي- نولدكه- فالهاوزن- دوغوي- غولدزيهر- سنوك هورغرونجه) يصنفون ما بين “منحازين” و”منصفين” في مقاربتهم لحياة ونبوة محمد، وللخلاف اللاهوتي بين المسلمين والمسيحيين حول الصلب والتثليث وحول طبيعة السيد المسيح.
وحين يلخص أرسلان مؤلفات ومقالات وكتب ومحاضرات عدة حول النبي محمد، فذلك لاظهار تحيز العديد من المقولات التي تبتعد عن الموضوعية العلمية والتاريخية.
ولكن المديح الابرز هو ذلك الذي يخص به مونيه Monet واتيان دينيه Dinet (الذي أشهر اسلامه لاحقاً). وكان دينيه قد انتقد معاصريه الذين يحاولون دراسة سيرة الرسول انطلاقاً من أفكارهم المسبقة واطرهم الفكرية الاوروبية. وفي هذا النقد الذي يترجمه أرسلان ويعلق عليه تتردد أسماء دوزي ولامنس ونولدكه وسبرنغر وغريم ودوغوي ومرغليوث.
ويحاول أرسلان في تعليقاته ان يبرز أكثر ما يمكن من الاراء والافكار المؤدية لملاحظة عظمة الاسلام ورسوله. ولكن تعليقه الاهم والاكبر يدور حول كتاب اميل دورمنغهام “حياة محمد” حيث نكشف هنا معلومات ومعارف وعلوم الامير في الفقه والحديث والتاريخ، حين يقارن، ويستشهد، ويعلق، ويدقق كل النقاط الغامضة أو الخلافية المتعلقة بحياة ونبوة محمد. انه محتصر مفيد لكل الطلبة والمبتدئين والاجانب، أو للباجثين الجدد في هذا الحقل.
وبحسب أرسلان، فان المعيار الحقيقي للتمييز بين مستشرق جيد ومستشرق سيء هو المعيار السياسي، ولذا، فانه يذكر على الدوام الموقف السياسي لهذا المستشرق أو ذاك حيال العرب والاسلام، أو حيال قضايا محددة. ومن هنا سبب تخصيصه أشد الهجمات ضراوة للمستشرقين مرغليوث وسنوك هورغرونجه: الاول بسبب ارائه التي نقلها عنه طه حسين حول الشعر الجاهلي، والثاني بسبب كتاباته عن أندونيسيا.

4- البعثات التبشيرية
وهكذا، فان الحرب ضد المستشرقين الاوروبيين يتم خوضها حتى النهاية، والنقطة المركزية فيها تتمحور حول سيرة الرسول؛ وهي نقطة تسمح لارسلان بعرض وكشف تحيز بعض المستشرقين، وابتعادهم عن الدقة والموضوعية. وهو بعتبر هذا الامر بمثابة تصد حقيقي لحملة صليبية جديدة.

ولذا، فانه يربط بين هذا الامر (التصدي للمستشرقين) وبين المعلومات التي تصله، والتي ينشرها في صحف مصر (الفتح والشورى والمنار وغيرها) حول نشاط البعثات التبشيرية في افريقيا. وهو يخصص الصفحات الطوال للحديث عن الصوفية في افريقيا، ولدراسة تاريخها واوضاعها (القادرية- الشاذلية- التيجانية- و السنوسية) خصوصاً من زاوية دفاعها عن الاسلام و وقوفها في وجه التبشير الفرنسي، والانكليزي، والهولندي، وحتى الاميركي.

وهنا يتميز شكيب أرسلان عن موقف الفكر السلفي الذي تحمله الفتح والمنار، والذي كان يخوض حرباً ضارية ضد الطرق الصوفية باعتبارها بدعاً، متهماً اياها بالخيانة والعمالة، وبتضليل واضعاف المسلمين. أما شكيب، فهو يتعاطف مع هذه الطرق ويبرز الجانب الايجابي في نشاطها في افريقيا لحفظ الاسلام ولوقف تمدد البعثات التبشيرية، خصوصاً في الحبشة والسودان ومدغشقر وافريقيا السوداء.

وفي اطار حملته على التبشير، يركز أرسلان على “تعصب الاوروبيين وتسامح المسلمين”، مبرزاً تصورات الاوروبيين عن الاسلام والرسول، و حروبهم الصليبية، ومشاريعهم لتقسيم الامبراطورية العثمانية منذ القرن السادس عشر (يعددها و يذكر أنها مئة مشروع)، وكل ذلك لكي يعود فيرى في الحملات التبشيرية استمراراً للحروب الصليبية وللتعصب الاوروبي.
والحقيقية أن مقالات ونشاطات أرسلان ضد التبشير كانت في أساس تطور الحركة الاسلامية الشعبية في مصر والبلاد العربية، وخصوصاً بعد انتقاد “المؤتمر العالمي للارساليات التبشيرية غير الكاثوليكية” (انعقد في القدس بين فبراير ومارس (شباط و اذار) 1928).

وقد كان تشكيل جمعيات الشبان المسلمين والشابات المسلمات في مصر وفلسطين رداً عملياً على جمعيات الشبان المسيحيين و الشابات المسيحيات، وعلى جمعيات التبشير. ولا ينبغي أن نضع ذلك في خانة التعصب والتبشير أو الدعوة الاسلامية، وانما في خانة رد الفعل على نشاط تبشيري كان غطاءً للنشاط السياسي ولاقتصادي والثقافي للاستعمار الجديد في تلك الايام، وخصوصاً في افريقيا وبعض بلدان اسيا.
ففي وجه التبشير المسيحي، وصف شكيب أرسلان أتباع الطرق الصوفية بانهم “مبشرو الاسلام”، ودافع عن نشاطهم ودعمهم لانه رأى أن ذلك وحده منع تدمير الاسلام في افريقيا. ونحن نلحظ أثر هذا الموقف الارسلاني المخالف للموقف السلفي التقليدي (موقف رشيد رضا تحديداً والوهابية خصوصاً) من الطرق الصوفية، لدى حسن البنا الشاب، في تحديده الاول لحركة الاخوان المسلمين حيث وصفها، من ضمن امور أخرى، بانها طريقة صوفية.
5- عظمة الاسلام واسباب تخلف المسلمين
ولكن الاسلام لم يدمر، ذلك أنه يحمل في ذاته أسباب تقدمه (والتقدم والتطور عموماً). واذا كان المسلمون يرزحون في التبعية والتخلف، فذلك لانهم تركوا الاسلام ونسوا تعاليمه. ان مثال الحضارة العربية الاسلامية يكفي لتدليل عظمة الاسلام وعلى المساهمة العربية الاسلامية في الحضارة العالمية و في تطور العلوم والطب وغيرها. وارسلان يدعم تاكيده بالاستشهادات المطولة المترجمة عن المجلات الطبية والعلمية الاوروبية. وهو يسهب في مديح، وفي وصف الخدمات الجلى التي قدمها الفلاسفة والعلماء العرب والمسلمون للبشرية.

وحين يحدثنا الامير عن “الخلافة والملك”، فانه يستذكر تجربة الخلفاء الراشدين، واضعاً الاسس لخلافة حقيقية، شوروية ديمقراطية غير استبدادية ولا الحاقية. وهو يصف كل الحكومات الاسلامية المتعاقبة على مر التاريخ بالملك، والمملكة، أو بالامبراطورية وقد لاحظت استعادة وتطويراً لهذا الفصل ولموضوعاته الرئيسية، في العمل الخطير للشيخ أبو الاعلى المودودي، والذي تحجم الجماعات الاسلامية ودور النشر عن اعادة طبعه، وعنوانه: الخلافة والملك.
وفي تأكيده على عظمة الاسلام، يستعرض أرسلان أيضاً تاريخ النهضة الاسلامية واعلامها (منذ القرن الثامن عشر) وحركاتها (الثورات في روسيا، السنوسية، المهدية، الوهابية، الطرق الصوفية في افريقيا)، ليصل الى عرض فكرة الجامعة الاسلامية والصراع الذي شهده القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بين الاسلام والاستعمار الغربي.
وفي هذا السياق، يبرز الامير حالة العالم الاسلامي الحاضرة من احتلال وتجزئة واستغلال، ويدعو الى عمل انقاذي والى نهضة حضارية شاملة، ليس فقط للبلاد العربية، وانما أيضاً للمسلمين وللاسلام على العموم، وفي كل مكان. وهو لا يدعو الى الدفاع فقط عن التراث الثقافي والادبي والسياسي، وانما يشمل بدعوته كل ما له علاقة بالاخلاق ونظام الحياة والاذواق، وحتى بما يسميه البعض شكليات.

فهو يدافع مثلاً عن الثوب الشرقي ضد الغربي، وهو يتصدى لمن يدعو لتقليد أتاتورك في فرض القبعة الغربية كلباس للرأس بدل الكوفية أو العمامة، لا بل انه يكتب في العام 1926 مقالة عن اللباس الصحي وعن الغطاء الصحي للرأس، اعتراضاً على قرار الجمعية الطبية المصرية اعتبار الطربوش غير صحي، واعتبار القبعة أفضل لحماية الرأس من حرارة الشمس. وفي مقالته المذكورة، لا يتوقف أرسلان فقط عند الاعتبارات الصحية، وانما يركز نقده على مسألة “التقليد الاعمى للغرب”، والذي يقوم به الشرقيون دون اعتبار لعوامل الثقافة واللغة والدين والاخلاق واختلاف الازمنة والامكنة.
وهو يرى أن الكثير من عاداتنا وتقاليدنا هي أفضل للصحة من تلك التي عند الاوروبيين، ومع ذلك فانهم لا يقلدوننا. ويدعو أرسلان الى ان يبقى الشرقي شرقياً والى أن يحافظ على عاداته وتقاليده، وعلى كل ما يبعده عن الذوبان في شخصية غيره، اللهم الا اذا ثبت بان ذلك مخالفة لمصلحة معلومة او لمعرفة موثوقة. وهو يرى في التزيي بازياء الغرب، أكان في الملبس أم في غطاء الرأس، تقليداً غبياً يصدر عن نفوس مريضة ترى العصرنة تقليداً اعمى، في حين أنها امتلاك للعلوم وللتقنيات العصرية، ومعرفة بحقائق الوجود والكون الجديدة، وبكل ما يتجدد في حقول المعرفة والمكتسبات العلمية.

دعوة أرسلان هي اذن الى التمسك بالهوية، بالذات الثقافية التاريخية، والى عدم التقليد الاعمى للغير، والى التبصر والتعقل في اختيار النافع والجيد مع الاحتفاظ بشخصيتنا، وبخصائص هويتنا. انها دعوة للحاق بالغرب في مجال البحث العلمي الدقيق الذي يجعلهم لا يقبلون اي نظام واي قانون الا بعد اختبارات طويلة وابحاث عديدة تهدف الى استجلاب ما هو صالح ونافع. وهو يقول بان هؤلاء الغربيين قد احتفظوا بكل عاداتهم وتقاليدهم وظلوا غربيين، وان علينا ان نبقى شرقيين مع تطوير علومنا ونقاط قوتنا وابحاثنا ودراساتنا وتجاربنا، وان نقوم الماضي من التجارب، ومن التاريخ، ومن الثغرات، ومن الضعف.

ويستند الامير شكيب الى الديمقراطية الغربية للحديث عن الديمقراطية العربية وعن الشورى الاسلامية، وللدعوة الى الاخذ بهذه الاسباب للتقدم والنهضة. وفي هذا الكلام نفسه للامام المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين حين كان يردد ان علينا استماع القول واختيار احسنه. واحسن القول الغربي اليوم هو الديمقراطية المرتكزة الى اصالة الشعب وهويته وتراثه وحراكه الاجتماعي التاريخي، وان العلوم مشاع للبشرية؛ اذا الحكمة ضالة المؤمن ياخذها أنى وجدها، والمسلم مأمور بطلب العلم ولو في الصين، ومأمور بالعلم والمعرفة اذ هما خير عبادة.

وينصح الامير شكيب المسلمين باستعادة، وباستيعاب العلوم الاوروبية مع البقاء هم ذاتهم، اذ انه يعتبر انه ليس هناك من علم غربي وعلم شرقي؛ فالعلم انساني وعالمي، واوروبا الحالية تدين في علومها وتقدمها للحضارة الاسلامية. واذا كان الغرب اليوم قد سبق الشرق في العلوم المادية، فانه يظل متخلفاً عنه وتابعاً له في حقل العلوم الانسانية والروحية والفنية، وخصوصاً الفلسفة والمنطق، ذلك ان الشرق هو مهد الحكمة والحضارة. واذا قام المسلمون باستعادة بعض ما لهم عند الغرب، فان ذلك ليس نهباً أو سطوا بقدر ما هو تعارفاً وتعاوناً، اذ ان العلم مشاع للانسانية جمعاء.

ولعل اخطر واهم ما كتبه أرسلان في هذا المجال هو كتابه الذائع الصيت: “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟”، وهو كان الى فترة طويلة دليل على عمل الناشطين والدعاة والحركيين الاسلاميين، لا بل انجيلهم الثوري. وقد اتيح لي شخصياً معرفة مقدار تأثير هذا الكتاب على شخصيات تاريخية وحركات نضالية نهضوية في المغرب كما في اندونيسيا، وفي مصر كما في البوسنة والهرسك وكوسوفو. ان السؤال أرسلان عن اسباب التقدم والتخلف هو سؤال النهضة الاسلامية الذي بدأ مع الافغاني- عبده ولم يتوقف الى اليوم:
كيف انطفأت تلك الحضارة العظيمة وتلك الامة الذكية الحية المتوهجة؟ ما هو الداء الذي أصاب الأمة واوقعها في الفوضى والجهل والضعف؟
ان ارسلان هنا يؤسس لفكر الحركات الاسلامية التنويرية التجديدية النهضوية التي ترفض الظلام والظلامية والتعصب والغوغائية. فهي حين تجد في ابتعاد المسلمين عن تعاليم دينهم سبب انحطاطهم وانهيار مجدهم التليد، لا تدعو إلى الانغلاق على الماضي والتاريخ واجتراره، وإنما الى التقدم صوب المستقبل برؤية واثقة قوية عادلة متوازنة أساسها الاخلاق الإنسانية.

وارسلان يتحدث عن الجانب الأخلاقي ونظام القيم الإسلامي الذي مكن العرب من فتح العالم في فترة قصيرة من الزمن، وهذا النظام القيمي، وتلك المبادئ الأخلاقية هي من صنع الإسلام المحفوظ في القرآن الذي لا يتغير ولم تتغير نصوصه، فكيف إذن انحدر العرب والمسلمون الى الهاوية العميقة التي هم فيها اليوم؟ الجواب على ذلك ان المسلمين هم الذين تغيروا، وأن أوضاعهم لن تتحسن ما لم يقوموا بتغيير جديد وشامل في أنفسهم أولا مصداقا لقوله تعالى: ]لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم .[

وهذا التغيير هو أولا، وقبل أي شيء آخر، اخلاقي، يطال القيم والمبادئ والسلوكيات ليجيب على الأسباب الأخلاقية للانحطاط والتخلف. فلقد فقد المسلمون من ضمن ما فقدوا، الحماسة والشجاعة والتعاون والتكافل والتضحية، وحل بهم الخوف والجزع، فهادنوا الإستعمار الفرنسي والبريطاني في المغرب وسوريا وفلسطين، وأصبح الجبن والتخاذل شعارهم بعد ان كانوا يعرفون بالاقدام والجرأة.

وإذا أضفنا إلى ذلك: الجهل، أو بالأحرى “المعرفة الناقصة” التي هي أخطر من الجهل، لعرفنا أي وضع صار اليه المسلمون في العالم اليوم وما سبب ما آلو إليه. وهكذا حل اليأس والتشاؤم، وأصبح العلماء يداهنون الحكام ويتقربون منهم، وصار الناس يرون قوة الغرب لا تقهر والمقاومة فعل انتحار، فاستسلموا للتخلف والهوان. وبحسب ارسلان، فان الاسلام ضاع ما بين جاحد وجامد؛ الجاحدون يريدون نفي وتدمير الشخصية والهوية والتاريخ وكل ما قامت عليه الأمة، في حين لا يريد الجامدون تغيير أفكارهم ولا يتركون غيرهم يتغير.

لقد ضربت كل هذه الأمراض الامة في ظروف مصيرية حاسمة، ذلك ان عمل المسلمين “الجغرافيين” (كما يسميهم ارسلان ويقصد بهم المسلمين بالهوية ومكان الاقامة) قد جاء ليضاعف الازمة، اذ هم يتقربون من الفرنج ويخضعون لهم وينشرون سياستهم العلمانية الالحادية مدعين أنها وحدها طريق الحصول على القوة والتقدم.

ان هذا التغريب، وتلك الدعوة الى التحرر من سطوة الدين والتقاليد تخالف حتى ما ذهب اليه الغربيون من عدم السير في طريق محفوف بالشكوك والمخاطر، وغير معروف العواقب، وفي التمسك والدفاع عن ثقافتهم وتقاليدهم وتاريخهم. ولو كان “المسلمون الجغرافيون” صادقين وأمناء ومحترمين، لكانوا قلدوا اليابان التي عرفت كيف تستحوذ على كل مكتسبات ومنجزات الحضارة والعصرنة الغربية دون ان تفقد مع ذلك هويتها وشخصيتا، ودون ان توصف بالرجعية.

كما ان هناك مثال الشبيبة اليهودية ورئيسها وايزمن الذي يناضل لإعادة إحياء اللغة العبرية حتى تكون الرابطة التي توحد اليهود وقاعدة عملهم لإنشاء دولة لهم في فلسطين. وهكذا، ومع ان اليهود يطالبون بانتمائهم وانتسابهم الى قبائل والى لغة لا يعرف مبدأ تاريخها لتوغلها في الزمن لتكون قاعدة لوحدتهم في النضال، فإنه لا يقال عنهم إنهم رجعيون او متأخرون.
لقد أصبح المسلمون جبناء، يخافون وييأسون، وفقدوا الثقة بأنفسهم وبدينهم، وبالغوا في تضخيم الشعور بالعجز امام الغرب والاتكال على القدر والمعجزات. ان هذا هو سبب الخمول والتأخر، ولذا، فان النهضة لا بد ان تبدأ باعادة الاعتبار الى قيمة أخلاقية اسمها التضحية؛ انها الجسر الذي يقود المسلمين الى التقدم، وهي هنا العمل والجهاد بمعناه الأوسع والأكثر واقعية، اي بذل الدماء والأموال والأملاك لبناء قواعد صلبة لنهضة حقيقية.

بهذه المعاني الثورية خاطب ارسلان جيله والاجيال الشابة مؤسسا لفكرة مركزية في العمل الاسلامي النهضوي التنويري الذي استعاده الشهيد كمال جنبلاط، كما استعاده أئمة الفكر الاسلامي المعاصر، وعلى رأسهم موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين. إنها فكرة التواصل والتفاعل بين الحضارات والثقافات لخير البشرية، وللسلام بين الناس.
6-علمنة أم إلحاد
في تلك الأيام العجاف التي اشتد فيها ساعد الغزو الإمبريالي وطاغوته، انقسم المثقفون في مصر، حتى وصلت السجالات والصراعات الى ميدان اللغة العربية، وتاريخ مصر، والهوية الفرعونية، والثقافة الإسلامية، والفصحى والعامية.
وقد رأى الأمير أرسلان في الحملة التغريبية والغربية على مصر صورة جديدة من صور الغزو الصليبي، تستهدف الهوية الإسلامية والعربية. فكان كما وصفته جريدة الفتح، “على رأس المجاهدين المسلمين المدافعين عن الإسلام والثقافة العربية”، وهو وضع قلمه، وحماسه، وسمعته في خدمة انتصار الإسلام في هذه المعركة التي وجهها ضد الغرب الذي اعتبره رأس الشر، في حين ان الشرقيين ليسوا سوى مقلدين مبهورين باسطورة العصرنة والحداثة والعلمانية التي هي أكذوبة تضحك بها أوروبا علينا، حيث ان مثقفينا الشرقيين المبهورين بهذه الأسطورة يصدقون كل ما يأتي من هناك.
وبحسب الأمير فان أوروبا التي تتحدث عن الحريات الدينية، لا تطبق ما تدعي تعليمه للآخرين، ذلك ان أوروبا يحكمها العقل، والعقل لا يسمح بالحرية المطلقة؛ فهو في اللغة العربية يعني الرابط (عقل) الذي هو ضد الإطلاق والتحرير. ويذكر أرسلان اتدعيم رأيه مثال سويسرا المحافظة جدآ في مجال حرية الأديان والدعاية الدينية.
وما هو مهم عند أرسلان هو تبيان وكشف الصلة الوثيقة ما بين الأيديولوجيا والسلطة، وما بين الدين والدولة. وهو لا يكتفي بعرض وجهة نظر الاسلام في هذا الخصوص، وإنما يجهد لتقديم اثباتات وشهادات من الغرب ومن السياسات الأوروبية لإقناع أولئك الذين لا يقبلون الا الدليل الذي يحمل العلامة الأجنبية “صنع في اوروبا”. إن الفصل بين الدين والدولة في الغرب هو أكذوبة ووهم، وهو لا يعدم الأمثلة الكثيرة على ذلك.
فهو يكتب عام 1929، وبمناسبة الإتفاق المعقود بين البابا والحكومة الإيطالية والذي يعطي الفاتيكان الكثير من الجاه ومن الحقوق ويعلق على ملاحظة وردت في جريدة الوقت (لو تان) الفرنسية قالت بان محتوى الإتفاق المذكور يعني ان الحكومة الايطالية الفاشية تقبل بالكاثوليكية كديانة للدولة، فيكتب الى الملحدين باسم العصرنة والى العصريين الذين لا يهدفون سوى الى تعميم الإلحاد، كيف ان الحكومة الموصوفة بالعداء للدين تقرر العودة الى الدين والمحافظة على كنيسة عمرها حوالي الالفي عام، وكيف ان ذلك لا يؤثر في شيء على تقدميتها وعلى ماديتها العلمية.
وهو طبعا يعقد مقارنة بين ما حصل غي إيطاليا وبين ما يطالب به بعض الشرقيين من فصل بين الدين والدولة. وهذا يعني بالنسبة اليه خطل الادعاء بان الدين لا يمكن ان يتعايش مع التقدم، وبان الإيمان الديني خاص بالشعوب المتخلفة والامم الضعيفة؛ ويكفي في ذلك مثال قرار الحكومة البلجيكية مساعدة البعثات التبشيرية المسيحية في الكونغو. فبما ان بلجيكا هي دولة- أمة متمدنة ومتطورة، فان ذلك يعني ان التطور والمدنية يتعايشان مع الدين وان الحكومة تتواصل مع الكنيسة، اي ان بلجيكا هي مسيحية وحكومتها لا تخجل من إعلان ذلك في تطبيقه.

اما حكومة أنقرة التي تريد تقليد أوروبا وعلمنة البلاد فان أرسلان يقول لها كيف ان اوروبا هي علمانية طالما ان الحكومة الفاشية الايطالية تصدر طابعا بريديا يحمل صورة الصليب والإنجيل وعليهما كلمة “إيمان” وهذه الحكومة المؤسسة على مبادئ الكاثولوكية هي علمانية في نظر أنقرة. واذا كان العصريون المقلدون للغرب يعتقدون بان الحرية محترمة ومطبقة في أوروبا، فانهم واهمون او مضللون.
فالحرية مقيدة تماما في أوروبا وذلك بداعي الحفاظ على الوحدة الوطنية في البلاد وحماية امن الدولة، ولكن أيضا، واساسا، بهدف تغطية عملية النهب المستمرة للمستعمرات. ففي فرنسا فرنسا يقدم الى محاكم خاصة كل من يهاجم سياسة الدولة في المستعمرات؛ وفي سويسرا المعتبرة ليبرالية فان القوانين تعطي لكل ولاية (كانتون) حق إتخاذ كل ما نراه مناسبا وضروريا من تدابير لحماية الأمن العام والأخلاق والوحدة الوطنية. وهكذا فان أسطورة الحرية في أوروبا هي ثمرة العمل الذكي للمبشرين (على حد وصف ارسلان).
ان الأوروبيين فخورون جدآ بدينهم ولا يقبلون المساس به او تركه دون إغاثة، ولهذا فان الحكومة الهولندية تشجع وتدعم البعثات التبشيرية في اندونيسيا، كما ان الباريسيين يدفعون المساعدات لدعم بعثاتهم التبشيرية في الشرق، وأهالي جنيف يصلون في الكنائس لمنع وقوع حرب عالمية جديدة. ويواصل الأمير في مقالاته في الفتح حملته نحو المتعلمين حاملي الأفكار العصرية، ليقول لهم بأن اوروبا هي رغم كل شيء مسيحية وبان مدنيتها وعقليتها مستمدتان من الأناجيل والتوراة وبان قوانينها هي رومانية.
وبمناسبة نشر برنامج الحكومة الألمانية الجديدة والداعي الى استعادة الوحدة الأخلاقية والروحية، يتساءل الأمير بسخرية ان كان المتعلمون المتعصرنون سيقولون بان حكومة ألمانيا رجعية، وبأن الأمة الالمانية متخلفة وغير عصرية؟
وبالنسبة الى أرسلان، فان كل سياسة أوروبا مبنية على المسيحية التي تشكل الأساس الثقافي والايديولوجي وضمير الشعوب، وذاكرتها، وتراثها، والقوانين التي تسوس حياتها اليومية. اما الفصل بين الدين والدولة في أوروبا، فانه لم يمس الطابع المسيحي لتلك الامم، باستثناء البلاشفة. ان الدولة والدين هما توأم حقيقي رغم كل ما يقال ويكتب حول الفصل بينهما عند الأمم المتمدنة، لكي يظن الشرقيون والمسلمون بأن ذلك قاعدة لا تناقش، وبان أوروبا- مثال المدنية- لا تقيم وزنا او اعتبارا للدين، وبأن ذلك هو سر تقدمها وسعادتها. ولكن، رغم ذلك كله فان أوروبا الرسمية، والحكومية، والشعبية لم تترك الدين أبدا، لا بالأمس ولا اليوم.
اذن، فان الحكومات الشرقية (يقثد تركيا) التي تدعي قطع روابطها بالإسلام تقليدا واحتذاء بمثال أوروبا التي قطعت روابطها بالمسيحية، هي حفنة من الكذابين الذين يضللون ويشوشون أفكار السذج من مواطنيهم ويخفون الحقيقة. ومن يردد ويعمم أكاذيب وترهات تلك الحكومات، في مصر والبلاد العربية، هم أيضا كذابون، وهؤلاء ليسوا سوى من يسمون أنفسهم بالمدافعين عن “الفكر العربي المعاصر”.
وشكيب أرسلان يصفهم بالكذابين، وهو يتهكم عليهم حين يقول بأنه اقسم يمينا بان لا يجادلهم الا إنطلاقا من المصادر الأوروبية، ومما تأخذ به أوروبا أو تتركه. فهو لا يقول لهم قال الله او قال رسوله، لأنهم لا يؤمنون بالله أو برسوله وهو لا يقول لهم أيضا قال جمال الدين الأفغاني او قال محمد عبده، لأنهم لا يأخذون بأقوال هذين الاستاذين المعلمين، بل ويحتقرونهما ويحتقرون كل ما هو شرقي. وهو لا يقول لهم قال ارسطو أو أفلاطون أو ابن سينا او الفارابي، لأن هؤلاء قدماء، والمتعصرنون يحتقرون كل ما هو قديم.

إذن سيقول لهم أرسلان قال المسيو فلان أو المستر علان، لأن هؤلاء هم اساتذتهم وأساتذة الأمم التي يدعوننا للحاق بها. وفي النهاية، فان هؤلاء المتعصرنين المتفرنجين ليسوا سوى مجرد مقلدين ينشرون دعاية لعقيدة وجدت اكتمالها في الكمالية التركية. فهناك الأفعى، وقائد الأوركسترا، ولا ينبغي نسيان ذلك ومن هنا تخصيص أرسلان بالحملة الأشد عنفا والأكثر سخرية وتهكما للاتاتوركيةالكمالية في أنقرة.
7- تركيا الكمالية
حتى إلغاء الخلافة، تعاطف العرب (وكل المسلمين) مع الاتراك في نضالهم التحريري، وقاموا بجمع التبرعات والمساعدات لدعم قضيتهم ونضالهم، وخصوصا في مصر وسوريا. ولكن، شيئا فشيئا، ومع انكشاف سياسة الكماليين العلمانية والتغريبية، بدأ المسلمون يعيدون النظر بموقفهم ويغضبون ويعارضون حكام تركيا الجدد. إلا أن الأمير شكيب كان الأول في وقوفه لوحده محذرا العرب والمسلمين من حقيقة مصطفى كمال والكمالية، وذلك منذ عام 1922.
ان عثمانيته العنيفة في مرحلة ما قبل الحرب قد أخلت المكان لعداء عنيف، هو الآخر للكماليين والاتحاديين، ولتمسك أعنف أيضا، لا بل شبه مثالي بالخلافة ” رمز وحدة وقوة الاسلام”. تحولت الخلافة عنده الى افضل رابطة ممكنة لتوحيد المسلمين وهو يستعيد تاريخ دولة الخلافة العثمانية التي جمعت 400 مليون مسلم، في حين جاء أتاتورك لتقطيع هذه الرابطة بين تركيا والعالم الإسلامي مدعيا أنه لا يريد سوى الرابطة التركية القومية، ومعتيرا المسلمين أجانب وغرباء.
ويرى أرسلان في ذلك افتراء على الحقيقة وعلى المصلحة، وهو يستشهد بأنور باشا الذي قال في مرة من المرات بأن الأتراك الذين يعيشون في روسيا يتعاطفون مع تركيا ليس لأننا اتراك، بل لأننا مسلمون. أما اليقريت الذين يعيشون في سيبيريا والذين هم أتراك مثلنا، فإنهم، بسبب كونهم وثنيين، لا يتعاطفون معنا ولل يعرفوننا، وكذلك الامر بالنسبة الينا.
إن تعلقه بالخلافة وبدولتها لا ولم يفارقه ابدا، اذ نحن نجده حتى في كتاباته المتأخرة. ففي عام 1935، وفي كتابه عن أحمد شوقي، يعبر عن خوفه على تركيا ويبرز تعلق الشعب التركي الى يومه بالعثمانيين. وكان قد كتب عام 1931 بأن سقوط الدولة العثمانية، التي كانت هي دولة الخلافة، جاء بأناس يريدون تدمير الإسلام واقتلاعه من البلاد الإسلامية، وأنه في مواجهة هذا الخطر تقف كل الدول الإسلامية عاجزة، أو تواجه صعوبات تشلها عن إمكانية التدخل.
وفي كل كتاباته، لا يتفك أرسلان عن استذكار مجد المسلمين في الأندلس وسقوط الخلافة في قرطبة، وما تلاه من إذلال للعرب والمسلمين. أما وضع المسلمين اليوم، فهو أخطر مما كان عليه أيام سقوط غرناطة، وذلك ان صفوفهم قد تفرقت وتبعثرت، ومجدهم قد أفل بسبب سقوط الخلافة التي يقول عنها البعض اليوم بانها لم تخدم العرب وانما كانت وبالا عليهم. والحقيقة، بحسب أرسلان هي أن سبب تعاسة وشقاء المسلمين هو تفرقهم وتناقضاتهم، وخصوصًا العرب منهم الذين قال عنهم النعمان ابن المنذر إنهم ملوك كلهم. إن أمة يريد كل فرد من أفرادها ان يكون ملكا ينتهي بها الأمر لأن تخضع للاجنبي وتفقد ملوكها.

ان عداء أرسلان لتركيا الكمالية بعد الغاء الخلافة لا حدود له؛ فهو يبدأ بالهجوم ضد مصطفى كمال مذكرا المسلمين بأن هذا الأخير قد قاد حرب التحرير تحت شعار الاسلام، وأنه كان قد أرسل تلغرافا الى السيد أحمد الشريف السنوسي لي ليبيا يقول له فيه ان المعركة بدأت، انجدنا بصحيح البخاري.
وفي مقالة أخرى، يقول أرسلان بأن مصطفى كمال كان في بداية أمره يشهد صلاة الجمعة والمناسبات الدينية، ويتحدث عن الإسلام وعن إخوانه المسلمين وعن معركته القادمة لاستعادة القدس، ويردد إنشاء الله. ولكنه ما إن وقع اتفاقية لوزان حتى غير وجهه، ونسي أقواله، لا بل تنكر لها وعمل بالصد منها.
ولذا، فإن أرسلان يعتبر اتفاق لوزان بداية القطيعة بين الإسلام وحكام تركيا. وهو يسميهم “المسلمون الجغرافيين”، ويتهمهم بالتآمر مع الاجانب في لوزان لإلغاء الشريعة الإسلامية من بلادهم على امل الحصول على إمتيازات من الاوروبيين والاندماج معهم، ولذلك لبسوا القبعة كعلامة على اندماجهم بالأمم الأوروبية. وارسلان الذي يعتبر نفسه مستهدفا بالموقف اللاديني للكماليين، لا يترك مناسبة إلا ويتصدى فيها لهم.
فهو حين يذكر القداديس التي أقيمت لراحة نفس الجنرال فوش، والاقوال التي قيلت حول مزاياه الكاثوليكية والإيمانية، يختم مستهزئا بالقول بأن النكت حول أن أوروبا قد أصبحت بلا دين، وأن حكامها تركوا المسيحية وان علينا، للحاق بهم في دروب التقدم، ان نقطع صلتنا بالإسلام، إن كل هذه المعلومات لم تصل بنجاح إلا إلى أنقرة.
وحين حول حكام أنقرة الزواج من ديني الى مدني، فإن أرسلان يسخر منهم ويتحدث عن الزواج، وتعدد الزوجات، والطلاق في الإسلام ليقول بأن الإسلام ليس فيه زواج ديني حتى تلغيه انقرة؛ إن الزواج في الإسلام هو عقد بين إثنين يقره شاهدان عدلان (شاهداك زوجاك).
وحين يتحدث عن ثورة الأفغان التي قامت إحتجاجا على أعمال حكومتهم المنافية لتعاليم الإسلام وتقاليده، فإنه يقارن الوضع الأفغاني بما يجري في تركيا ويقرر بأن الحكام الأفغان قد تأثروا بالاتراك، وبان الملك أمان الله خان يقلد مصطفى كمال. وفي مقال آخر، يعتذر أرسلان عن غضبه العنيف ضد تركيا بعد أن كان شديد الارتباط بها، إلا أنه يقول إن هذا الموقف لا يقتصر عليه، بل هو يشمل الكثيرين ممن كانوا اصدقاء تركيا العثمانية ثم أصبحوا أشد أعداء الكمالية ويذكر منهم الشيخ شاكر، والشيخ الجاويش، ومصطفى صادق الرافعي.
ونحن نلحظ في كل مقلاته استخدامه كلمة أنقرة حين يتكلم عن الكماليين مع احتفاظه بالتقدير والإحترام لاستانبول والشعب التركي. وهو يصل الى حد القول بأنه لا يقبل اي تجريح يطال الترك، وإنما يقبل كل نقد يصيب الكماليين مميزا بين حكام أنقرة وبين المسلمين الأتراك الأمناء لتاريخهم ولذكرى استانبول ولتضحياتهم في سبيل الإسلام. وهو يقرر، بعد مشاهداته وملاحظاته حول السياسة الكمالية المعادية للإسلام، بأن خطر الفرنج على العرب هو أقل من خطر الكماليين.
ولذلك نجد أن مقالاته في الفتح شديدة العنف ضد حكام أنقرة وضد المتفرنجين والعصريين الذين قد يجدونه متعصبا، وهو بسخر منهم قائلا بان لا يهمه ما يقولونه عنه طالما أنه على حق، وطالما ان “ملاحدة أنقرة” وأتباعهم في مصر وأتباع أتباعهم غي سوريا فلسطين والعراق، لا يجدون ما يقولونه إزاء واقعة كون الإنكليز والألمان شديدي المحافظة في ما يخص تقاليدهم ومباديهم، مكررا سؤاله ان كان يجوز القول بأن هؤلاء الإنكليز والألمان وغيرهم هم جامدون متخلفون عفنون رجعيون، في حين أن التقدم الذي ينشده العصريون هو اكثر مما هم عليه الانكليز والالمان. لقد خدع الكماليون كل الناس لأنهم اتبعوا سياسة متدرجة للتغيير البطيء، ذلك ان شعبهم شديد التعلق بالإسلام، فلم يستطيعوا ان يقطعوا صلتهم بهذا الدين بضربة واحدة مفاجئة.
لم يترك الأمير أية مناسبة ممكنة الا وحذر المسلمين وفتح أعينهم على مستقبل الإسلام في تركيا؛ وهو اشتكى مرات عديدة من تقاعس وسلبية المسلمين تجاه السياسة الكمالية. معتبرا ان خطورة حملاته تتناسب مع درجة الخطورة التي يمثلها المشروع الكمالي الذي استفاد من اتكال المسلمين واعتيادهم تسليم أمورهم وانقيادهم لتركيا.
وقد أثمرت حملات الأمير تحولا كبيرا في مصر أدى الى وقوف رشيد رضا، أمين الرافعي، عبد العزيز جاويش، محمد الخضر حسين، أحمد تيمور، عبد الحميد سعيد، مصطفى صادق الرافعي، ومجلة الفتح وجريدة الشورى، وغيرها من القوى والشخصيات السياسية والدينية، الى جانب موقف التصدي للكمالية.
الا أن الفتح أشارت، وعن حق، الى أن أول من استشعر خطر الكمالية وحذر المسلمين منه هو الأمير شكيب أرسلان نفسه.
8- نتائج المواجهة
أولى نتائج هذه المعركة الحضارية- السياسية تمثلت في انتعاش التيار الإسلامي الحركي المقاوم في مصر، وامتداد تاثيره الى شبه القارة الهندية والى اندونيسيا وماليزيا وبلدان المغرب في شمال أفريقيا. ورافق ذلك ولادة عشرات الجمعيات والهيئات الدينية في مصر، وهي معظمها أبصرت النور ما بين 1927 و1929 وكان ابرزها: جمعية الشبان المسلمين، جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، جمعية الهداية الإسلامية، جمعية السلفية، جمعية اهل السنة، جمعية نشر الفضائل الإسلامية، وأخيرا، جمعية الإخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنا الذي عرف بإعجاب الشديد وتأثره الكبير بالامير أرسلان، كما تشهد بذلك كتاباته المبكرة في الفتح، وكما يذكر هو نفسه في مذكراته حين يتحدث عن مرحلة 25-28 والصراع الحضاري السياسي، وبحثه عن أشكال جديدة للمواجهة بعد إنتشار الجمعيات الدينية بتأثير من أرسلان والفتح والشورى. وفي الوقت نفسه تطورت المعركة ضد البعثات التبشيرية وضد الحركة الصهيونية، وكان تتويج ذلك في المؤتمر الإسلامي الأول الذي انعقد في القدس عام 1931 بتأثير كبير من الأمير أرسلان ومدرسته.
وخلاصة القول في هذه العجالة أن الدور الكبير للأمير أرسلان في إرساء اسس النهضة الحضارية الشرقية (العربية الاسلامية) ارتكز الى خبرته العميقة في السياسات الشرقية أيام الدولة العثمانية، والى تجربته الواسعة في جبل لبنان وفي مصر ثم أوروبا (حيث عاش لسنوات طوال في المنفى الأوروبي). ولكن أولا واساسا، الى روحه الطاهرة النبيلة: روح فارس من فرسان هذا الشرق وحكيم من حكمائه، جمع بين النظرية والممارسة في أروع وثائق يمثله كتاب: “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟”.
(*) نشرت في كتاب الأمير شكيب أرسلان “لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم”، الصادر عن الدار التقدمية، في العام 2008، وفي مجلة الفكر التقدمي  العدد 24- كانون الاول 2016.