مسار ممر إيران إلى المتوسط يتغير

مارتن شولوف (الحياة)

غيرت طهران وجهة أو مسار ممر بري إيراني كان من المفترض أن يصلها بسواحل المتوسط 140 ميلاً الى الجنوب لتفادي القوات الأميركية المتجمعة في شمال شرقي سورية لمحاربة «داعش». وهذا التغيير يأتي، إثر تعاظم مخاوف مسؤولين عراقيين وإيرانيين من تعاظم المرابطة العسكرية الأميركية في شمال شرقي سورية. ويبدو أن مسار الممر القديم صار متعذراً. وسيعبر الممر الجديد بلدة الميادين التي يحتلها اليوم «داعش»، في شرق سورية لتفادي المرور في شمال شرقي سورية الكردي، والمنطقة هذه كان القادة الإيرانيون يعتبرون أنها حلقة حيوية في ممرهم إلى المتوسط. وأمر بالتغييرات هذه الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وحيدر العامري، زعيم «جبهة الحشد الشعبي» في العراق. ومقاتلو «الحشد» يقتربون من بلدة باعج العراقية، وهي حلقة بارزة من حلقات مشروع الطريق الإيرانية إلى المتوسط، وهي كانت مقر أبو بكر البغدادي في شطر راجح من السنوات الثلاث الأخيرة.

وقبل الحرب على «داعش» الإرهابي وفي خلالها، كانت إيران تسعى الى إرساء مناطق نفوذ لها في العراق وسورية. ولكن حين بدا أن وجه المشروع هذا ارتسم، ساهمت فصول النزاع السوري في تعذر ضمان أمن هذا الممر. والحشد الأميركي في شمال شرقي سورية أقلق بغداد وطهران. وأبلغ مسؤول عراقي بارز هذه الصحيفة أن القادة الإيرانيين يرون أن تعاظم الوجود الأميركي هناك يرمي الى ردع الطموحات الإيرانية. «لذا، يسرِّع الإيرانيون وتيرة فتح الممر (لبديل) في أقرب وقت». وهذا يقتضي تحرير باعج على وجه السرعة ثم طرد «داعش» من الميادين ودير الزور قبل وصول الأميركيين اليهما. وبرزت أهمية باعج مع بلوغ الحرب على «داعش» في العراق مراحلها الأخيرة. ومع تطويق القوات العراقية والجيش العراقي الموصل، بدأت الميليشيات الشيعية التي رابطت في تل عفر في الأشهر السبعة الأخيرة، ثاني أكبر مدينة في شمال غربي العراق، التقدم في الأيام الاخيرة الى أطراف باعج وصارت بعيدة منها 3 كلم فحسب.

ويقول مراقبون إن مقاتلي «داعش» يدافعون عن المدينة دفاعاً شرساً، وهي كانت معقل المقــــاتلين «الجهاديين» منذ اجتياح العراق قبل 14 عامـاً. وسقوط باعج يوجه ضربة أليمة الى التنظيــــم، فتتقلص رقعته في العراق، ويتقهقر إلى مناطق في الأنبار. ومع خسارة «داعش» الأرض في العراق، تتجه الأنظار الى الفصل الأخير في هذه الحرب: السعي الى السيطرة على معاقله في سورية، أي الرقة ودير الزور. ولم تتضـــح بعـــد بنية القوات التي ستسترجع المــدينتين، في وقت يواصل الأميركيون دعم القـــوات الكردية لتعاسة الأتراك – وهؤلاء يدعمون وحدات عربية للدخول الى الرقة ودير الزور.

والتزاحم السياسي في ساحات المعارك السورية فاقم تعقيد مشروع إيران، وحمل طهران على تغيير مسار أبرز أهدافها الطويلة الأمد. وكان الممر البري يعبر من الحدود الإيرانية إلى جلولاء في محافظة ديالى، ومن جنوب الموصل الى تل عفر. ولكن الإستدارة الى الغرب وتجاوز سنجار، ألقيا بالقوات الإيرانية ووكلائها في مرمى قتال «داعش». وصارت هذه تسعى الى ضرب عصفورين بحجر: المشاركة في الحرب على «داعش» وإرساء أركان الممر الجديد. وتقود الميليشيات الشيعية -وإيران توجه دفتها- المشروع، وهو عزز نفوذ أقليات تحمي مناطق على طريق الممر الإيراني. فمقاتلو «حزب العمال الكردستاني» قدموا من تركيا، ولعبوا دوراً بارزاً في تأمين شطر من الطريق يعبر جبل سنجار الى الحدود السورية، ولكن تغيير مسار الممر نقله الى الجنوب.

ويقول مسؤولون عراقيون إن الطريق الجديدة تمتد من دير الزور الى السخنة ومنها الى تدمر ثم دمشق ومنها الى الحدود اللبنانية، حيث يعزز نفوذ «حزب الله» من طريق التبادل (التقايض) السكاني. ومن الحدود هذه يعبر الممر من اللاذقية الى البحر المتوسط، فتحوز طهران طريق إمداد في منأى من مياه الخليج حيث الرقابة مشددة.

* مراسل، عن “ذي غارديان” البريطانية