سلمى صفير لـ “الأنباء”: “النسائي التقدمي” رائد في تبنّي قضايا المرأة!

لعب “الإتحاد النسائي التقدمي” – تاريخياً – دوراً طليعياً في الإضاءة على قضايا المرأة بدعم سياسي من “الحزب التقدّمي الإشتراكي”. فكان السبّاق إلى تبنّي وطرح قضايا حقوقية واجتماعية وثقافية تتعلّق بالمرأة اللبنانية، ومن أوائل المنظمات النسائية التي أضاءت على مطالب حقوقية كانت إلى حين غير بعيد من “التابوهات” في مجتمعٍ يبقى ذكورياً مهما بدت عليه آثار التطوّر والإنفتاح.

ولعل الدليل الأصدق على ذلك هو عجز الحركة النسائية اللبنانية ومن قبلها الأحزاب العلمانية عن إنتزاع حق المواطن اللبناني بالحصول على قانون مدني للأحوال الشخصية يميّز بين الأخوة في المواطنة، ويمنح كل ذي حقّ حقّه على قاعدة المساواة التامة، وبعيداً عن أي شكل من أشكال التمييز الطائفي او غيره.

“خاض الإتحاد النسائي التقدمي معارك حقوقية عدة مثل حقّ المرأة في الإدلاء بشهادتها أمام الكاتب بالعدل، حق المرأة في مغادرة البلاد دون إذن من الزوج، حق المرأة في تحديد النسل وغيرها من قوانين أنجزت قبل العام 1984 بالتعاون مع كافة الجمعيات النسائية”، قالت مفوّضة الشؤون النسائية وعضو مجلس القيادة السابقة في “الحزب التقدمي الإشتراكي”، رئيسة “الإتحاد النسائي التقدمي” على مدى 32 عاماً، وعضو الهيئة الإدارية للمجلس النسائي اللبناني على مدى 30 عاماً، المناضلة سلمى صفير، في حديث خاص لـ “الأنباء”.

وأضافت صفير: “بعد العام 1984، خاض الإتحاد النسائي التقدمي معركة الأحوال الشخصية التي كانت بمثابة تابو كبير بالنسبة لبعض الجمعيات، والتي كان ممنوع البحث بها في ظل الجو شبه الأصولي الذي كان يهيمن على مناطق لبنانية معيّنة. غير أن الإتحاد، وبدعم من الحزب التقدمي الإشتراكي وهو حزب علماني، وبدعم من رئيس الحزب وليد جنبلاط طرح القضية في مؤتمريْن وفي متابعة قضائية لمطلب الزواج المدني، لكن الممارسة أظهرت لنا استحالة تحقيق هذا الحلم بالوصول الى قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية. وبعد فقدان الأمل، توجّهنا نحو المحاكم الدينية داخل كل طائفة، ونظرنا في إمكانية تطوير بعض القوانين لما فيه مصلحة الأم والطفل. بعض الطوائف تجاوبت وتم إقرار قوانين متعلّقة بحضانة الأم لأولادها في حالات الطلاق، وبعض الطوائف ما زالت متمسّكة بقوانينها. كذلك خاض الإتحاد النسائي مؤخراً معركة لتكريس حقّ المرأة في تسفير الولد القاصر دون إذن من الزوج وحق المرأة في فتح حساب مصرفي لاولادها القاصرين. وما زال النضال مستمراً”.

وأردفت: “في النهاية، مهما تحرّرت المرأة، إلا أنها لن تتمكّن من ممارسة حرّيتها المدنية طالما انها خاضعة لقوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي تميّز بين امرأة لبنانية وأخرى على قاعدة طائفية ومذهبية”، مضيفة: “وحده القانون المدني للأحوال الشخصية يحرّر المرأة من وصاية الرجل ويجعلها مسؤولة عن نفسها وحياتها، كما يساوي بينها وبين غيرها من المواطنات اللبنانيات بموضوع الإرث مثلاً. لكن الحال في لبنان من سيء إلى أسوأ، والطائفية تستشري أكثر فأكثر. وبالتالي فإن النضال النسائي في مجال الأحوال الشخصية يكتسب طابع التحدي الأصعب في هذه المرحلة”.

وما علاقة الطائفية السياسية بتنظيم الأحوال الشخصية للمواطنين؟

“القانون المدني للأحوال الشخصية لا يمسّ على الإطلاق بعلاقة المرأة والإنسان بالله، لكنّه يلغي سلطة الطائفة على العائلة في كل ما يتعلق بشؤون تنظيم الأسرة كالزواج والطلاق وحضانة الأولاد وغيرها من مسائل”، قالت صفير.

وفي معرض الحديث عن الكوتا النسائية، أعربت صفير عن نوع من “التوجّس من إقرار الكوتا في ظل الطائفية المستحكمة، لأن هذه الكوتا قد لا تؤدي إلى وصول المرأة بالكفاءة بل بطريقة تشبه التعيين”، وشدّدت على “أهمية إدراج الكوتا النسائية بالترشيح وليس بالمقاعد، وذلك تمهيداً لإقرارها فيما بعد بنسبة 30 بالمئة كحد أدنى من المقاعد، وذلك لتجنّب وصول نساء غير كفوءات إلى الندوة البرلمانية في هذه الظروف الحساسة من تاريخ البلد”.

وإذ إستغربت صفير “الثورة النسائية على العمل السياسي وتهافُت النساء للترشّح للإنتخابات النيابية”، إعتبرت أن “ردّة الفعل النسائية المبالغة في التعاطي مع الكوتا غير مستحبّة”.

ونوّهت بأهمية الحركة النسائية اللبنانية التي “أصبحت بمثابة أداة ضغط فعّالة في الكثير من القضايا ومنها مثلاً قضية دعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية”.

ورأت صفير أن “الجو اليوم مختلف عن السابق وباتت مسألة ترشّح المرأة للعمل السياسي مقبولة مبدئياً، لكن الظروف الموضوعية على أرض الواقع لم تنضج بعد لوصول المرأة، ومن هنا فإن الكوتا ضرورية كمرحلة مؤقتة لضمان وصول المرأة إلى البرلمان”، معربةً عن إعتقادها بأن “الإتجاه لإقرار الكوتا شبه نهائي، لكن يبدو أن نسبتها لن تصل إلى 30 بالمىة ولم تُحسم بعد مسألة إدراجها ضمن اللوائح ترشيحاً أو ضمن المقاعد النيابية”.

وعن التغيير الذي يحدثه إشراك النساء في الحياة السياسية اللبنانية، أكّدت صفير أن “المرأة تغيّر كثيراً لأن أسلوبها في العمل مختلف عن أسلوب الرجل”، منوّهة إلى أن “المرأة أثبتت صدقها وشفافيتها وجدارتها وإخلاصها في النضال من أجل القضايا الوطنية والمعيشية، على عكس بعض الرجال الذين أثبتوا أن نضالهم يهدف لتحقيق نفوذهم الشخصي”!

غنوة غازي – “الأنباء”