من يتآمر على الضمان الإجتماعي؟

عصمت عبد الصمد

عام 1963 وفي عهد رجل المؤسسات، الرئيس فؤاد شهاب وبجهود من المعلم كمال جنبلاط والشيخ بيار الجميل، صدر المرسوم 13955 تاريخ 26 أيلول 1963 الذي وضع موضع التنفيذ قانون الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، أول مؤسسة ضامنة إجتماعيا للذين يعملون بأجر.

يشمل الضمان الإجتماعي ثلاثة صناديق مستقلة مالياً عن بعضها: صندوق تعويض نهاية الخدمة، صندوق المرض والأمومة، صندوق التعويضات العائلية. كذلك هو أول مؤسسة رسمية يشارك العمال في إدارتها ، فمجلس الإدارة ثلاثي التمثيل، مؤلف من عشر مندوبين عن العمال، عشر مندوبين عن أصحاب العمل والمهن الحرة، وست مندوبين عن الدولة.

ـ صندوق تعويض نهاية الخدمة: يؤمن التعويض للعامل عند تركه العمل مهما كان السبب: بلوغ سن الرابعة والستين، إكمال عشرين سنة خدمة، الإستقالة، الصرف أو غيره من الأسباب.

ـ صندوق المرض والأمومة:  يغطي 80% من قيمة نفقات الأعمال الطبية خارج المستشفى.

و90% من نفقات الإستشفاء، 95% من كلفة الأدوية السرطانية.

ـ صندوق التعويضات العائلية: يغطي تعويضاً شهريا مقطوعا عن الزوجة والأولاد حتى خمسة أولاد.

تمويل الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي:

 أولاً: الإشتراكات عن المضمونين يدفعها صاحب العمل مفصلة كما يلي:

  • 8,5% من كامل الأجر لتعويض نهاية الخدمة.
  • 6%  من الأجر لحد 1,500,000 كحد أقصى،  لصندوق التعويضات العائلية.
  • 7%  من الأجر لحد 000, 500, 2 ليرة  كحد أقصى،  لصندوق المرض والأمومة + 2% يدفعها الأجير.

ثانيا: مساهمات الدولة في صندوق المرض والأمومة 25% من مدفوعات هذا الصندوق، إضافة إلى مساهماتها عن السائقين العموميين والمخاتير وباقي الفئات  الخاصة.

ثالثا: غرامات التأخير وفوائد الإشتراكات المتأخرة.

رابعا: استثمار اموال الضمان

يبلغ عدد المؤسسات المسجلة في الضمان بتاريخ 30 ايلول 2014، 47659 مؤسسة.

  • 40212 مؤسسات فصلية: تستخدم أقل من عشرة أجراء
  • 7447  مؤسسات شهرية: تستخدم عشرة أجراء وما فوق

أما عدد المضمونين فهو 620656 مضمون (بتاريخ 30/9/2014)، علما أن عددا كبيرا من العمال الذين يعملون في مؤسسات وشركات خاصة غير مصرح عنهم للضمان الإجتماعي وتقارب نسبهم 60%. المستفيدون من تقديمات الضمان الإجتماعي (مضمونين وعائلاتهم) يقارب المليون ونصف المليون مستفيد أي ثلث الشعب اللبناني.

بما أن التوازن المالي هو من اهم الأركان التي يقوم عليها الضمان الإجتماعي، وبما ان المورد الرئيسي هو الإشتراكات، ومنها الإشتراكات التي تدفعها الدولة عن أجرائها، فأي خلل أو تراجع في هذه الموارد سيؤدي حكما إلى فقدان التوازن المالي، وبالتالي وقوع الصندوق في العجز.

بعد هذه المقدمة الموجزة، ومع قناعتنا أن الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي يحتاج إلى عملية إصلاحية شاملة تطال نظامه وهيكليته وإدارته وماليته وأساليب عمله وتقديماته و.. وأن تطوير الضمان أصبح حاجة ملحة لحمايته وإستمراريته والحفاظ عليه. فإننا لا نكشف سرا إذا قلنا أن الضمان الإجتماعي يتعرض لمؤامرة خطرة تهدف إلى القضاء على هذا الصرح الذي يشكل ضمانة أساسية في تثبيت الأمن والإستقرار الإجتماعي. فسياسة الدولة تجاه الصندوق لا توحي بحرص الدولة على هذه المؤسسة الهامة، فهي لم تكتف بتركه يغرق بأزماته الداخلية على مرأى منها وتحت نظرها، بل

عملت على تفاقم هذه الأزمات وزيادة حدتها، ففي العام 2001، وتحت ضغط أصحاب المصارف والشركات، وبناء على قطع حساب أوهم الناس أن هناك فائضاً في واردات الصندوق خفضت الدولة الإشتراكات من 38,5% إلى 23,5% مما أدى إلى إختلال في التوازن المالي وأوقع صندوق المرض والأمومة والتعويضات العائلية في عجز كبير، وبدلا من أن تبادر الدولة إلى مساعدة الصندوق ودعمه، استمرت في تخلفها عن دفع المستحقات عليها وخاصة الإشتراكات عن أجرائها ، مما زاد في تفاقم الأزمة.

وما كشف بوضوح النوايا المبيتة للقضاء على الضمان، دس المادة 54 والمادة 68 في مشروع موازنة 2017 خلسة ومحاولة تمريرهما بحيث لو أقرا، تكون الضربة القاضية على الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.

فعلى ماذا تنص المادتان 54 و 68 من مشروع قانون موازنة 2017؟

المادة 54: “خلافا لأي نص آخر، يحصر موجب الحصول على براءة ذمة من الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي المنصوص عليها في المادة 65 من قانون الضمان الإجتماعي الصادر بالمرسوم رقم 13955 تاريخ 26/9/1963 بحالتي التصفية وحل المؤسسات”.

خطورة هذه المادة أنها تحصر إعطاء براءات الذمة في حالتي تصفية المؤسسة وحلها، وهاتان الحالتان نادرتان أصلا في الضمان. فإلغاء موجب الحصول على براءة الذمة من الضمان يفتح الباب أمام المؤسسات الخاصة للإمتناع والتهرب من دفع المستحقات الواجبة عليها للضمان. وبالتالي يفقد الضمان المورد المالي الأهم ويبدأ بالتراجع في دفع تقديماته للمضمونين.

المادة 68 ـ الفقرة (ب):

“التأكيد على عدم الإستفادة من فتح الصناديق التي نص عليها قانون الضمان الإجتماعي الا بقرار يصدر عن مجلس الوزراء”.

خطورة هذه المادة هي أن التقديمات في مطلع السنة لا تمنح للمضمونين إلا بقرار من مجلس الوزراء. وهذا الأمر يضرب إستقلالية الضمان ويربط حصول المضمونين على التقديمات بالقرار السياسي وهذه محاولة واضحة لوضع اليد على الضمان مقدمة لانهائه وحلول شركات التأمين الخاصة مكانه.

المادة 68 ـ فقرة (ج):

“تعفى الديون التي تدفع للصندوق فعليا او التي يجري تقسيطها وفقا لأحكام هذه المادة من زيادات التأخير المنصوص عنها في قانون الضمان الإجتماعي، وكذلك من الفوائد السنوية المنصوص عنها في المادة الأولى من القانون 2006/753 الصادر في 22/5/2006 والقانون 269 الصادر في 22/4/2014”.

خطورة هذه المادة أنها تعفي الدولة من الفوائد القانونية المترتبة على ديونها المستحقة والمتأخرة للضمان ومن غرامات التأخير والتي أصبحت قيمتها 100 مليار ليرة.

هنا يحق لنا أن نتساءل، ما هي خلفية ودوافع دس هاتين المادتين في مشروع قانون موازنة 2017؟ ومن المستفيد؟؟

لن يقنعونا ان إلغاء موجب الحصول على براءة الذمة هو لتسهيل المعاملات والخروج من الروتين الإداري.

لن يقنعونا أن أصحاب العمل يتحملون مسؤوليتهم تلقائيا ولا لزوم لإستعمال وسائل ضغط عليهم للقيام بواجباتهم تجاه الدولة والضمان.

إنهم يتسللون تدريجيا للقضاء على كل مكتسبات الطبقة العاملة، وللإنتقال إلى دولة الشرطي والإستقالة  من دور دولة الرعاية الإجتماعية.

لا نحتاج إلى الكثير من العناء لنتعرف على من هم المتضررون من إلزامية الحصول على براءة الذمة من الضمان، ومن هم المستفيدون من إلغاء الضمان وإستبداله بشركات التأمين الخاصة، ولا إلى إكتشاف مواقعهم ومسؤولياتهم في السلطة.

كلمة أخيرة، كفى إستهتارا بالوطن، بفقرائه، بأصحاب الدخل المحدود فيه، قليل من الحياء، قليل من الخجل، كفى نهبا للمال العام. لن يسكت العمال ولا الأجراء ولا المستخدمون ولا المتعاقدون ولا كل العاملين بأجر، لن يسمحوا بتمرير هذه المواد، لن يسمحوا بحرمانهم من ضماناتهم التي كفلها لها الدستور. الشعب لا يرحم، لا تشعلوا فتيل الإنفجار الاجتماعي في البلد، حذار من المغامرة.

(*) أمين عام جبهة التحرر العمالي