“وثيقة عهد حوران” مشروع اسرائيلي خطير..

د. صلاح ابو الحسن 

شيئا فشيئا بدأت تتكشف المؤامرة.. تبلورت “الخطة” التي رسمها النظام السوري مع حليفيه الايراني والروسي حول ما سُمّي “سوريا المفيدة”.. التي تمتد من الساحل السوري الى دمشق وضواحيها..

وترسخت “الخطة” اكثر يوم طار علي المملوك مكلفا من الاسد وخامنئي، الى موسكو،  لطلب النجدة وعلى وجه السرعة، بعد ان شارف النظام السوري على السقوط، وبعد ان ثبُت عجز جيش النظام وعجزت معه ايران وقاسمها السليماني وكل ادواتها وجيوشها عن وقف الإنهيار..

ولبى الروسي الطلب وأنزل قواته البرية والبحرية والجوية.. لمواجهة الشعب السوري.. ومنع النظام من الإنهيار.. ولكنه لم ينقذ لا النطام ولا وحدة سوريا ولا ارض سوريا وشعبا..

نعم النظام كان على وشك الإنهيار، رغم تخاذل الغرب والعرب وجامعتهم ومؤتمرهم “الإسلامي” وعجزهم عن دعم الجيش الحر والمعارضة..

عندما يتحدث النظام السوري وكل حلفائه عن “سوريا المفيدة” هذا يعني ان كل المناطق السورية الأخرى، خارج “المفيدة” لا قيمة لها.. والأسد اشار الى ذلك بوضوح عندما قال ان سوريا ستكون “أفضل” من دون المعارضة ومن كل الذين هُجّروا الى خارج سوريا..

دون ان ننسى عمليات التبادل “المذهبي” داخل سوريا ونقل مئات الآلاف من السوريين حسب مذاهبهم، بين كفريا والفوعة وبين الزبداني.. وكل ذلك باشراف ايراني – روسي وبمبارة وحياكة دي ميستورا ممثل الأمم المتحدة وكل ذلك من اجل “سوريا المفيدة”..

اليوم بدأت الخطة “باء” لتشريع وتثبيت “سوريا المقيدة” عبر ما يُسمّى: “وثيقة عهد حوران”.. التي صاغتها روسيا وتحظى بمباركة ايرانية – روسية وبالتعاون مع إدارة ترمب.. وهي باختصار تعني “تقسيم سوريا”.. ويبدو ان خرائط “التقسيم” ستكون بالتوافق بين بوتين وترامب..

“وثيقة عهد حوران” “السرية” أُعدت تحت جنح النظام.. وسربتها بشكل “غير رسمي” لترى ردود الفعل عليها.. وهذه عادة الدول الكبرى.. كما حدث مع “سايكس – بيكو” لـ”تبليعاها” قبل الاعلان الؤسمي عنها.. وسرية الاجتماعات التي عقدتها روسيا مع بعض الأطراف المحلية ومع بعض المعارضة السورية تثير الكثير من التساؤلات والشبهات..

فما معنى تلاقي “بعض” المعارضة وايران وروسيا على وثيقة مشبوهة؟؟.. واين الأردن منها؟؟.

والواضح ان “وثيقة عهد حوران”، هي دستور كامل لمشروع دولة مرجوة.. وكيف نفسر ان هذه الـ”وثيقة” المشبوهة.. جرى اعدادها في تركيا بمشاركة معارضين مشكوك بانتمائهم، وبمباركة روسية، وبمعرفة النظام السوري.. وبغض نظر ايراني؟؟ وما المصادفة ان نرى كل مروجي مشروع “سوريا المفيدة” وبالتالي أصحاب نظرية تقسيم سوريا هم ذاتهم المؤيدين لـ”وثيقة حوران”؟

وعندما تتحدث الوثيقة عن مبادئ دستورية، وقوانين الملكية والقضاء والأحوال الشخصية والحريات العامة والسجون والتربية والتعليم و.. فهذا يعني انها اكثر من وثيقة، انها مشروع دولة كاملة الأوصاف. فكيف اذا كانت هذه الدولة هي “شريط حدودي” لدولة اسرائيل ذات صبغة اسلامية، وهذا يذكرنا بواقعتين:

الأولى، كانت في اعقاب نكسة 1967، حيث استغلت اسرائيل الهزيمة العربية، فعقدت اسرائيل اجتماعا “سريا” في قبرص في اوائل العام 1968، ضم شخصيات مسيحية واسلامية، وتم خلاله وضع خرائط لتقسيم المنطقة العربية الى دويلات طائفية.. بدءا من العراق وبالطبع من ضمنها لبنان وسوريا.. ما يبرر وجود دولة يهودية عنصرية..

احد الضباط الدروز الذين شاركوا في مؤتمر قبرص، نقل الى المعلم كمال جنبلاط تفاصيل المشروع الإسرائيلي الخطير الذي عُرض على الدروز، فنقله اولا الى صديقه الرئيس جمال عبد الناصر.. ثم عقد كمال جنبلاط مؤتمرا صحافيا في بيروت فضح خلاله هذا المشروع الذي تمّ اجهاضه بالتعاون مع الرئيس عبد الناصر..

ويومها، بذل “المعلم” جهودا حثيثة مع كل القيادات الدرزية في لبنان وسوريا وفلسطين الذين اجمعوا على رفض الدولة الدرزية، مؤكدين ان الموحدين الدروز هم  مسلمون وعرب أقحاح..

واليوم، وبعد نصف قرن كان وليد جنبلاط اول من حذر من “وثيقة عهد حوران” ودعا كل الشرفاء الدروز من لبنان الى سوريا وصولا الى فلسطين لرفض هذه الوثيقة الإسرائيلية الخطيرة.

والواقعة الثانية، تكررت عام 1982، يوم استغلت اسرائيل الانقسام اللبناني الطائفي الحاد نتيجة الحرب الأهلية، واجتاحت لبنان وصولا الى بيروت التي كانت اول عاصمة عربية تحتلها اسرائيل.. وكانت اسرائيل واميركا والإتحاد السوفياتي قد أوكلوا الى النظام السوري مهمة الوصاية على لبنان الذي اغتال كمال جنبلاط ثم شرذم الثورة الفلسطينية الى فصائل متناحرة..

في ظل هذه الأجواء، خلقت اسرائيل في جنوب لبنان ما كان يُسمّى بـ”الشريط الحدودي” الذي أوكلته الى الضابط في الجيش اللبناني العميل سعد حداد..

فهل نحن اليوم، اما شريط حدودي في الجولان برعاية “وثيقة حوران” على ان تُعهد المهمة الى ضابط درزي او سني؟؟ فما اشبه مؤتمر قبرص بما يسمّى اليوم “وثيقة عهد حوران”.. فهذه “الوثيقة” المشبوهة ليست الا نسخة ثانية مجددة لخرائط قبرص..

وخير دليل على ضلوع اسرائيل في المؤامرة ما ذكره مركز أبحاث إسرائيلي من أن “وثيقة حوران تُعدّ تطوراً يصبّ في مصلحة إسرائيل”.. وما قاله “مركز أورشليم لدراسة المجتمع والدولة”، ان “وثيقة حوران، تمثل تطوراً يصبّ بشكل غير مباشر في مصلحة إسرائيل.. وان إقامة إقليم يضم درعا وجبل الدروز والقنيطرة يعد من أفضل الخيارات التي يمكن أن تسفر عنها التسوية الشاملة للصراع في سورية”..

واخيرا، فان مغالاة الروسي في الدفاع عن النظام الديكتاتوري وحمايته من المحاسبة على قصف شعبه بالكيماوي لأكثر من 160 مرة، والطموحات الإيرانية في تصدير الثورة وارسال قواتها وادواتها لنصرة الظالم، ورفض النظام السوري منذ بداية الثورة للحوار ومحاكات التظاهرات الشعبية “السلمية” والإصرار على القمع والحل العسكري مستندا الى “الفيتوات الروسية والدعم الإيراني، وغياب الدور الأميركي استنادا لنظرية “بطيخ يكسّر بعضه” او “تحيد عن راسي وبسيطة”.. ثم تطمينه من ترامب ان رحيله لم يعد اولوية اميركية..

لكل هذه الأسباب غابت الدولة السورية.. وصار كل همها بقاء “سوريا المفيدة”.. وان غياب الدولة الواحدة الموحدة الذي سبّبها كل داعمي النظام الديكتاتوري.. أدّى الى “سوريات مفيدة”.. فالتقطت اسرائيل “اللحظة” وكانت “وثيقة حوران”..

اما وقد وصلنا الى هذا الدرك، فان المطلوب اليوم، وقفة تاريحية من قبل كل المناضلين والشرفاء العرب، بوجه المشاريع المشبوهة وبوجه مسببيها، قبل فوات الاوان.

قبل خمسين عاما اجهض الزعيمان جمال عبد الناصر وكمال جنبلاط مؤتمر قبرص فهل من زعماء عرب اليوم ليجهضوا “وثيقة حوران”.. لنرى!!..

(الأنباء)

 

اقرأ أيضاً بقلم د. صلاح ابو الحسن 

“الدروز” الى أين؟؟!!

هل “هزة” حماة وحلب تُبدل قواعد اللعبة

الى رفاقنا وأهلنا وأصدقائنا في المتن الأعلى “تجربتكم مع هادي سبقت نيابته”

ترامب ومصير الإنتخابات

الناخب بين “الحاصل” و”المحصول”

قانون الإنتخاب “الإلغائي” و”شفافية” التزوير..

لا تصدّقوا وعود الإنتخابات

لا تستخفوا بالمعترضين

بعد الغوطة.. الإرهاب أرحم

ولماذا الإنتخابات؟!

انقلب باسيل على تفاهم مار مخايل.. وقضي الأمر!!

هكذا صهر يُعفي العهد من الأعداء

مصائر الديكتاتوريات متشابهة!

بين نداء الحريري ونداء “صاحب الزمان”!!

ما أحوجنا اليك

وأخيرا… “طفح الكيل”!

“كأنه حُكم على اللبنانيين أن يحكمهم دائما الجهال”..

رسالتي الى الرفيق تيمور

إنتصار “الأوهام” الكاذبة!

صنّاع الإرهاب هم صنّاع تقسيم سوريا!