“هآرتس”: حرب 1982 كانت حرب استنزاف عبثية

•قبل يوم ذكرى شهداء الجيش الإسرائيلي، أريد التحدث عن شهداء حرب الاستنزاف. أعرف أنه بعد سماع الصفارة والوقوف دقيقة صمت، مرة أخرى سيتحدثون ويتباهون بالشهداء وبتضحياتهم وبطولاتهم، وكيف ضحوا بحياتهم من أجلنا. لكن بطولة قتلى حرب الاستنزاف هذه كانت بلا جدوى، وبموتهم لم يورثونا حياة سوية، بل حياة مع الشعور بالذنب والكبت.

•أود التحدث عن أبناء جيلي، قتلى وجرحى وندوب خلفها البقاء الذي لم يكن لزوم له في جنوب لبنان من 1982 حتى العام 2000.

•إن أطول حرب بين حروب إسرائيل. حرب لا اسم لها، مثل”حرب الاستنزاف”. حرب من دون أوسمة، هكذا سماها العقيد موشيه تامير في الكتاب الذي كتبه عنها. كتاب حاد ورائع، لكنه تكتيكي تماماً. إنه كتاب كولونيل كان ما زال يرتدي الزي العسكري وفي أساسه الفرضية التي تقول إن إسرائيل والجيش الإسرائيلي قصرا في فهم الواقع الأمني في جنوب لبنان، ويفتقر إلى رؤية شاملة – استراتيجية.

•في أعقاب حرب الخداع لمناحم بيغن وأريئيل شارون ورفائيل إيتان في سنة 1982، بقي الجيش الإسرائيلي منتشراً في لبنان. في 1985 قام وزير الدفاع يتسحاق رابين بانسحاب محدود، وأعادت إسرائيل انتشارها بحجة الدفاع عن حدودها الشمالية من داخل جنوب لبنان. وسميت المنطقة الفاصلة التي قاتل فيها حزب الله الجيش الإسرائيلي وميليشيات جيش لبنان الجنوبي المنطقة الأمنية. ربما من الأجدى تسميتها بالمنطقة “غير الأمنية”.

•في هذه المنطقة الفاصلة قُتل وجُرح عدد كبير من الجنود الإسرائيليين، وكذلك جنود من جيش لبنان الجنوبي من دون سبب واضح ومن دون هدف حقيقي. على جدران مواقع المنطقة الأمنية كُتب: “الهدف، الدفاع عن مستوطنات الشمال”. كان هذا كذباً.

•ذات مرة، عندما كنت شاباً في دورة لضباط الاستخبارات، لم يعد في إمكاني تحمل السكوت، وخلال جولة في قيادة الشمال سألت: لماذا يجب الدفاع عن مستوطنات الشمال من داخل لبنان وليس من الحدود الشمالية؟

•لم أحصل على جواب حتى اليوم. إن على الدولة الدفاع عن نفسها من حدودها الدولية المعروفة، وقامت إسرائيل بذلك بصورة جيدة طوال 17 عاماً، منذ الانسحاب من لبنان.

•يحبون عندنا الحروب، ويحبون لجان التحقيق عندما تفشل هذه الحروب. حرب يوم الغفران، حرب لبنان الأولى ولبنان الثانية. لماذا حرب فاشلة وحمقاء وقعت قبل 18 عاماً لم تشكل لجنة تحقيق بشأنها؟ إن أغلبية السياسيين والقادة العسكريين ساهموا في هذا الخضوع الوطني. أمة بأكملها حنت رأسها بخضوع وأرسلت أفضل أبنائها كي يموتوا ويُجرحوا في المواقع، والكمائن، وعمليات التوغل الجوية والبرية. لا أحد يفهم من أجل ماذا ودفاعاً عن ماذا. ويجري الحديث هنا عن 500 قتيل، بالإضافة إلى آلاف الجرحى والمصابين بصدمة ما بعد الحرب.

•في العصور الوسطى كانوا يعتقدون أن فصد الدم بكميات مدروسة يساعد على الشفاء. في نهاية القرن العشرين، اعتادت إسرائيل على فقدان عدد قليل من القتلى والجرحى كما لو أن هذا قضاء محتوم من السماء.

•فقط “أخطاء تقنية ” مثل كارثة المروحيتين [الاصطدام بين مروحتين إسرائيليتين أدى إلى مقتل 73 جندياً إسرائيلياً] وكارثة الفرقة البحرية [التي قتل فيها 13 جندياً في جنوب لبنان] بدأت في تحريك الوعي الوطني. في ذلك الوقت ظلوا يتعاملون مع مؤيدي الانسحاب كخونة وجبناء يطعنون ظهر الأمة. وقد حدثت الانعطافة في نهاية الأمر بفضل النساء الشجاعات والصلبات من حركة “الأمهات الأربع”، ورئيس الحكومة الجريء آنذاك إيهود باراك.

•حينها تعرضت هذه الحركة كما تعرضنا، للشتائم والافتراءات. ربما لم تكن مشاهد الانسحاب جميلة أبداً، كما أن التخلي عن جيش لبنان الجنوبي كان قاسياً ومهيناً، لكن فقط دولة مخبولة يمكن أن تتذكر مثل هذه الخطوة الاستراتيجية المطلوبة والضرورية على أنها تقصير وإهانة.

•”اهرع إلى نجدة صاحبك”، هذا ما جاء في التوراة، لكن المجتمع الإسرائيلي لم يهرع لنجدة دماء أبنائه في لبنان طول 18 عاماً، وحرص بعد ذلك على الامتناع عن إجراء نقد ذاتي وطني، الأمر الذي يشكل إهانة للذين سقطوا في هذه الحرب ولعائلاتهم ولأحبائهم.

(*) نقلا عن مؤسسات الدراسات الفلسطينية