ندوة عن “البعد الإنساني والروحي في فكر كمال جنبلاط” في منطقة الغرب

عقدت جمعية كمال جنبلاط الفكرية ندوة بعنوان “البعد الإنساني والروحي في فكر كمال جنبلاط” حاضر فيها رئيس مؤسسات المرجع السيد محمد حسين فضالله سماحة الامام السيد علي فضل الله، مدير مركز الدراسات المسيحية – الاسلامية في جامعة البلمند الأب الدكتور جورج مسوح، وأمين عام مؤسسة العرفان التوحيدية فضيلة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، وذلك في مركز كمال جنبلاط الثقافي والإجتماعي في قبرشمون – منطقة الغرب، بحضور الشيخ هادي العريضي ممثل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، الحج بلال داغر مسؤول حزب الله في جبل لبنان،نديم يحيى ممثل الأمير طلال أرسلان، عضو مجلس القيادة في الحزب التقدمي الإشتراكي خالد صعب، عضو مجلس القيادة ووكيل داخلية عاليه خضر الغضبان، وكيل داخلية الغرب زاهي الغصيني، لفيف من المشايخ، رؤساء بلديات ومخاتير وهيئات وفعاليات سياسية وثقافية وتربوية واجتماعية، وحشد واسع من أبناء منطقة الغرب والشحار.

مسوح
بعد كلمة التعريف والتقديم لوليد الشعار، تحدث الأب مسوح الذي قال ” أن كمال جنبلاط كان معلما كاملا، بكل ما لكلمة من معنى، إذ كان ينهل الثقافة من ينابيعها الضافية، فيحولها إلى نار آكلة تشعل القلوب وتلهبها من دون أن تحرقها أو أن ترمدها. وكان ذا معرفة كبرى في ميدان الأديان، تصل إلى أعماقها لانه لم يكن يقبل بالسطحية ولا بالسذاجة التي يروج لها بعض ماسكي زموم الأمور الدينية.ويسعنا القول أن عدوه الأكبر كان بلا ريب الجهل الضارب في نفوص المدعين الإيمان. كان المعلم كمال جنبلاط مطلعا بشكل جيد على الديانة المسيحية وعقائدها، وأهم رجالها الكبار وفلاسفتها”.
اضاف: “لقد ميز كمال جنبلاط بين الدين في مثاليته، وبين الكثيرين من رجال الدين الذين يشوهون هذه المثالية من خلال سلوكاتهم ومناهجهم في الحياة. وجد كمال جنبلاط، عاشق الحرية في التيار الروحي المسيحي أو الصوفي الاسلامي، النموذج الحقيقي والحي للدين، كما ابتغاه مؤسسوه”.

وختم الأب مسوح مداخلته بالقول: “كان كمال جنبلاط توحيديا، وآمن بتنوع الطرق الى الله الأحد. كما آمن بأن الله أكبر من الديانات وهو وعد الانسان وحده بالبقاء الى الأبد، ولذا اعتبر أن قتل الانسان باسم الأديان جريمة بحق الله”.وكما كان كمال جنبلاط رائيا سابقا عصره عندما قال: “ومن جهة التوحيد، أي فيما يتعدى الحرف، الإسلام والنصرانية واحد”.

فضل الله
بدوره، قال السيد فضل الله عندما نتحدث عن الجانب الشخصي من حياة كمال جنبلاط، فأن الإنسان يحار من أين يبدأ! فهذا البعد لا يمكن اختزاله في عنوان واحد من عناوين هذه الشخصية، لينم تناوله بعيدا عن الأبعاد الأخرى، لأن هذا البعد طبع مضمون فكره، حتى انه يمكن القول، وبإجمال أن الأبعاد الأخرى هي تجليات لهذا البعد الروحي – الإنساني، أو اعراض لهذا الجوهر الذي أراد يملأ كيانه الداخلي.

وأضاف لا شك أن هذا البعد يستند في جوهره إلى الحقيقة الدينية الإسلامية – المسيحية، والى معارف الحكماء والمتصوفين، وغير ذلك من المعارف الحديثة التي استوعبها كمال جنبلاط، حتى جعلت منه نسيجا وحده…لقد رأى أن الإنسان يكون مجرد إمكانية من دون هذا البعد…أي أن الإنسان هو مشروع انسان إن لم يحول هذه الإمكانية إلى وجود، وإن بقي في حدود هذه الإمكانية، فإن حياته لا تتعدى المستوى المعيشي – الحيواني…

وتابع لقد أراد كمال جنبلاط أن يعمل لتفجير الطاقة الروحية في الناس، حتى تتغير النفوس، لأن التغيير يبدأ من النفس “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، لذا رأى أن تغيير المحتوى الداخلي للإنسان هو التغيير الحقيقي، لأنه المدخل الوحيد للتحلي بالعدل والخير والحق على حساب الأنانيات التي تدمر المجتمع، لا التغيير القائم، حسبما نراه في واقعنا الراهن، على اثارة “قد أفلح من ركائزها”، وذلك من خلال اثارة العمق الروحي والإلهي والأخلاقي في الإنسان، لا السطحيات أو الأحقاد…لأن ثورة الأعماق، في نظره، تبقى وتستمر وتترسخ، وتنعكس حضورا في جميع مناحي الحياة أما ثورة السطح، فتذهب بها بها الزابع…

أبي المنى
من جهته، قال أبي المنى: “خرج كمال جنبلاط عن مألوف العائلة والمجتمع التقليدي ليقود مسيرة إنسانية بامتياز، متعمقا في الأديان وفي الفلسفة، زاهدا بمتاع الدنيا وشهواتها، سالكا درب المعرفة والتحقق، وقد كان “فارسا تقدميا” ثائرا على “النظم البالية” و”الإنسان الغرائزي التقليدي القديم”، دافعا باتجاه ولادة الإنسان الجديد، وهو في نظرته اإلى هذه الثورة الشاملة أرادها أن “تنقل العلاقة البشرية من مستوى الأنانية الفردية السائدة إلى مرتبة الأخوّة الإنسانية الجامعة”.

وتابع: “الإنسان عند كمال جنبلاط هو”المنطلق والغاية”، بغض النظر عن هويته الدينية أو القومية أو الفكرية، فهو يجسد نظرة راقية إلى هذا الإنسان، فيما يتعدى الأديان والمذاهب والمعتقدات، أي إلى الإنسان المتحقق، أي “المتبلور والمتلبس في الحقيقة”، انطلاقا من “الصدق الحقيقي مع التراث” لأن “مصيبة الأرض وآفة السموات التبشير بأفكار ومعتقدات ومبادىء لا نكون نحن قد حققناها بادىء ذي بدء”، كما يقول، وهذا هو “الجهل الذي ينبت التعصب، فيما الإنسان الطاهر والكامل ينشر تأثيره اللطيف في الأرجاء فينجذب اليه الآخرون دونما حاجة الى دعوتهم، تماما كما “أن جماعة النحل تأتي بشكل عفوي الى الزهرة التي تكون قد تفتحت بشكل كامل وأخذ النسيم ينشر شذاها العطر في جميع الأنحاء”.

أضاف: “يتلاقى الإنسان بالإنسان، عند كمال جنبلاط، فيما يتعدى الأديان والمعتقدات والحضارات والتجمعات البشرية، كما يؤكد، رافضا التعصب بكل أنواعه وأشكاله، لأنه وليد الجهل، فالإنسان عنده ليس “الإنسان الفرد” أو “الشخص” كما في المفهوم الغربي للكلمة، بل هو المخلوق المتميز عن سائر المخلوقات، بما منحه الخالق تعالى من عقل يمكنه من التمييز والإبداع، فهو المكرم والمفضل عند الله، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو قوميته أو دينه أو مذهبه، وبحسب كمال جنبلاط، فإن “احترام حقوق هذا الإنسان يشكل العمود الفقري لكل نظام ديمقراطي… إذ هو محور كل الحقوق”. وهذه الحقوق هي ذاتها في الإسلام، كما في المسيحية، وهي لا تختلف في جوهرها عن حقوقه في أي شرعة أو دين آخر”.

وختم: “لا يمكن تناول فكر كمال جنبلاط بأبعاده الروحية والإنسانية في ندوة محصورة وحسب، ولكن ما تفضل به المحاضران الكريمان سماحة السيد علي فضالله وسيادة الأب د.جورج مسوح أغنيا بما تناولاه من هذا الفكر العرفاني النيّر،وما أضفناه من فهم وشرح وأيحاء، ولم يبق لي إلا أن أختم ببضعة ابيات تؤكد على ما قاله ابن عربي وما ركز عليه كمال جنبلاط في نظرته إلى الإنسان الواحد في المظاهر المتنوعة.

-أتى اختلفنا تنوعنى، فذاك غنى
يزيدنا قوة، يسمو بنا شرفا

-صلاتنا الحب، أن نصدق به ارتفعت بنا
بنا الرحمة لم نخطئ الهدفا

-أفي الكنسة أم في جامع صدحت
أم لحنها في خلوة التوحيد قد عرفا
-لا فرق أين علت أو كيف رفعت
وأي قلب بها قد فاض معترفا

-كل القلوب تلاقت عند خالقها

أم الخلاص فبالخلاص قد قطفا

-كل المذاهب نحو الحق ذاهبة
فلنتق الله في انساننا وكفى.