في “الأنباء”: الإدارة الأميركية تحشد دبلوماسيتها ضد ايران وتبحث تشكيل تحالف اقليمي يواجه تمددها

جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انتقاده لمضمون الاتفاق بين إيران والقوى العظمى حول برنامجها النووي، والذي أدى إلى تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها. وقال ترامب، في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيونيفي، إن الاتفاق النووي مع إيران اتفاق رهيب، وما كان يجب توقيعه. واعتبر ترامب، أن إيران ليست في مستوى روح الاتفاق، لافتاً إلى أن بلاده تُحلل ذلك باهتمام كبير جداً، وسيكون  لبلاده ما تقوله قريباً في هذا الصدد.

ما لم يقله ترامب عن إيران كشفه وزير خارجيته ريكس تيلرسون، في مراجعة أرسلها إلى الكونغرس، أعلن فيها أن بلاده بصدد مراجعة شاملة لسياستها تجاه إيران التي تضر بالمصالح الأميركية، واعتبر أن طهران “تتزعم الدول الراعية للإرهاب في العالم، وهي المسؤولة عن تكثيف عدة صراعات، مقوضه بذلك المصالح الأميركية في بلدان مثل سوريا واليمن والعراق ولبنان، وتواصل دعم الهجمات ضد إسرائيل”.

ولفت الوزير الأميركي إلى أن “إيران ماضية دون رادع في الطريق نفسه الذي سلكته كوريا الشمالية من قبل، وستأخذ العالم معها في طريقها”. وحذر من أن إدارة الرئيس الحالي لا تعتزم ترك الملف الإيراني لمن سيخلفها. وقال “إيران تدعم نظام الأسد برغم الفظائع التي يرتكبها ضد شعبه، بما في ذلك استخدامه للأسلحة الكيماوية”. وأن إيران “تقدم أسلحة ودعما ماليا إلى سوريا، وتساعد على تدفق المقاتلين الأجانب إليها، كما ترسل أعضاء في الحرس الثوري لقيادة عمليات مسلحة في سوريا”.

أما في العراق فلفت تيلرسون إلى أن إيران “تقدم دعما لبعض الجماعات المسلحة العراقية، بشكل أساسي عبر فيلق القدس، والذي لطالما قوض الأمن في العراق، وأنها تستمر في دعم محاولات الحوثيين في قلب نظام الحكم، بتقديم المعدات العسكرية والأسلحة والتدريب، بالإضافة إلى تهديد الحدود الجنوبية للسعودية”. وكشف أن قوات إماراتية في اليمن، وقوات التحالف في بحر العرب، توصلت إلى وجود شبكة إيرانية لتسليح الحوثيين.

وأعرب عن قلق بلاده من تجارب إيران للصواريخ البالستية، وقال إنها تطمح إلى صنع صواريخ عابرة للقارات. وحذر من الاتفاقية النووية مع إيران، والتي أبرمتها الأخيرة منتصف عام 2015 مع مجموعة من الدول العظمى لم تؤد إلى “منعها من حيازة سلاح نووي، بل أجلت هدفهم في أن يصبحوا دولة نووية”. وبين أن بلاده ستتعامل مع التحديات التي تمثلها إيران حال الانتهاء من المراجعة التي تجريها.

وكانت الولايات المتحدة دعت مجلس الأمن الدولي، إلى إعطاء الأولوية للنشاطات “التدميرية جدا التي تمارسها إيران”.

وتعليقا على مواقف وزير الخارجية الأميركي، اعتبر  ديبلوماسيون أوروبيون أن هذه القراءة الأميركية الجديدة للدور الإيراني هي بمثابة، “مطالعة كاملة تعبر عن استراتيجية وعزم جدي لمكافحة النفوذ الإيراني بنفس مستوى الجدية المرتبط بمكافحة تنظيم “داعش””.

واعتبر هؤلاء الدبلوماسيون أن إعلان تيلرسون بأن “الصبر الاستراتيجي نهج فاشل”، يعكس انقلابا على نهج إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في مقاربة إيران وكوريا الشمالية، لا سيما حين اعتبر الاتفاقية مع إيران هي “نفس النهج الفاشل” الذي أوصلنا إلى “الخطر المحدق” الذي باتت تمثله كوريا الشمالية.

في هذا السياق، رصد عدد من الباحثين الاستراتيجيين، انتقالاً وتحولاً جذري في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من مرحلة التصعيد الدبلوماسي ضد إيران، إلى “مرحلة عملية يجري فيها ترتيب الصفوف وبناء التحالفات لممارسة أقسى الضغوط على طهران”. وكشفت أن “تنسيقا تاما يجري بين كافة مؤسسات الإدارة الأمنية والعسكرية والدبلوماسية للعمل وفق وتيرة واحدة لإنضاج العناوين الرئيسية للسياسة الأميركية الجديدة المناهضة للنفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. اذ أدرج الباحثون جولة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الشرق – أوسطية ضمن هذا السياق، والتي تزامنت مع خطوات رئاسية صبّت في خانة “الحزم المستجدّ” حيال الجمهورية الإسلامية.

وأوضح مراقبون أن الزيارة تأتي في سياق الرؤية الأميركية الجديدة التي ترى في القاهرة واحدة من الركائز الاستراتيجية المهمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتريد تجاوز فترة الركود التي خيمت على العلاقات إبان إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.

جولة وزير الدفاع الاميركي الى المنطقة التي حرص فيها ماتيس على بدءها من المملكة العربية السعودية، في رسالة واضحة من الادارة الاميركية للأهمية التي توليها لإعادة تفعيل تحالفها التاريخي مع الدول الخليجية، بعد أن عكّره الاتفاق النووي، حيث وجّه وزير الدفاع بعد لقائه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رسائل حازمة الى طهران قال فيها “في كل مكان تنظر إليه إذا كانت هناك مشكلة، تجد إيران”، مضيفا “نحن نراقب دور طهران في المنطقة”، قبل ان يؤكد ان “يجب أن نتغلب على مساعي إيران لزعزعة استقرار بلد آخر وتشكيل ميليشيا أخرى في صورة حزب الله اللبناني، ونحن على الطريق الصحيح لذلك”.

ماتيس الذي زار ايضا القاهرة والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رأت مصادر متابعة في اتصال مع “الأنباء” إلى أن مشاورات وزير الدفاع الاميركي ركزت في جانب منها على الأوضاع الأمنية في سيناء التي تشهد حملات عسكرية للقضاء على التنظيمات الإرهابية.وألمحت إلى أن الملف السوري كان ايضا محل نقاش سياسي بين مسؤولي البلدين، بحيث لن يحتل أولوية قصوى لدى مصر في هذا الوقت، حيث سينصب التركيز أكثر على ملفي الإرهاب والأوضاع في ليبيا.

وقالت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، إن الولايات المتحدة تريد من مصر أن تكون طرفا محوريا في وقف الخطر الإيراني وتدخلات طهران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وأن الولايات المتحدة “تبحث عن تحالف عسكري لها في الشرق الأوسط، وتعول على مصر كثيرا في هذا الشأن لتكون في صدارة التحالف العسكري الأميركي الشرق أوسطي تحت مسمى التحالف الإقليمي لمواجهة الإرهاب”.

ورأت المصادر أن “القاهرة تبدو مستعدة للتجاوب مع واشنطن في الكثير من القضايا، شرط زيادة المساعدات العسكرية الأميركية، ومساعدتها على تخطي الصعوبات الاقتصادية ومواجهة ما يسمى بـ “إرهاب الفقر”، الذي يمثل أحد مفارخ الإرهاب في مصر حيث تعهدت إدارة الرئيس ترامب، خلال زيارة السيسي لواشنطن أوائل الشهر الجاري، بأن تبقي على المساعدات العسكرية لمصر قائمة، دون أن تلتزم برقم محدد”.

من هنا، رجحت المصادر أن تبتعد مصر خطوات عن رأس النظام السوري، وينصب اهتمامها على تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية مع الولايات المتحدة في ملفي الإرهاب وليبيا.

فوزي ابو ذياب – “الأنباء”